مصطفى دالع

في الذكرى الثامنة لأول انتخابات في ليبيا بعد القذافي، الأحزاب لم يعد لها صوت بميادين القتال فهل ينجح رئيس البرلمان التأسيسي الأسبق في نقل الصراع من ميادين القتال إلى صناديق الاقتراع؟

رغم أن الأزمة الليبية في أحد أبرز تجلياتها؛ سياسية، إلا أن دور الأحزاب في طرح حلول وبدائل للخروج من هذا النفق، شبه غائب، لكن نوري أبو سهمين، رئيس المؤتمر الوطني الأسبق، رمى حجرا في المياه الراكدة بعد إعلانه، مؤخرا، إنشاء تيار سياسي جديد تحت اسم يا بلادي“.

فهل بإمكان بوسهمين تقديم حلول لهذا المشهد المتأزم بعد مرور 9 سنوات من أول انتخابات برلمانية؟

فالشعب الليبي ورث عن القذافي، كرهه للأحزاب، والتي تم حظرها طيلة 42 سنة من حكمه، إلا من تمكن من النشاط في الخارج أو في سرية بالداخل.

فالتنافس الحزبي رغم ما يخلفه من انقسامات داخل المجتمع، إلا أنه مظهر من مظاهر الدولة المدنية التي تدير الصراعات والتنافس على السلطة بطرق سلمية، بعيدا عن الحروب والثورات والتمردات، ويُترك للشعب الحكم على الأصلح عبر الانتخابات لفترة محددة.

لكن في ليبيا ينظر إلى الأحزاب كأنها تمارس عملا مُحرّما وأن مناضليها خونة ووصوليون يريدون خطف ثمار الثورة من مفجريها وصانعيها الحقيقيين.

انتخابات بلا أحزاب

وتتجلى هذه النظرة القاصرة تجاه الأحزاب من خلال منح 40 بالمئة من المقاعد فقط للقوائم (الأحزاب) مقابل 60 بالمئة للأفراد (المستقلين) وذلك في أول انتخابات برلمانية تجرى في ليبيا ما بعد القذافي.

إذ من أصل 200 مقعد في المؤتمر الوطني العام (البرلمان التأسيسي) الذي انتخب في 7 يوليو/تموز 2012، فقط 80 مقعدا مخصصا للأحزاب، بينما 120 مقعدا حُجز للمستقلين، المدعومين عادة من القبائل والعشائر والعائلات الكبيرة.

لكن المؤتمر الوطني العام، الذي كانت مهمته الرئيسية صياغة مسودة الدستور، عبر لجنة يختارها، وعرضها على الاستفتاء الشعبي، خلال فترة عام من ولايته، فشل في أداء هذه المهمة.

وحتى بعدما مدد المؤتمر ولايته عاما آخرا، لم يتمكن من إعداد مسودة الدستور، وتم انتخاب (شعبيا) لجنة الستين المشكلة من 60 عضوا للقيام بهذه المهمة، لكنها لم تؤدي مهمتها في الوقت المحدد.

وتم تحميل الأحزاب جزءا رئيسيا من هذا الفشل، حيث خرجت مظاهرات في 2013، تدعوا بحل الأحزاب وإلغاء أي دور لها في البرلمان أو الحكومة.

وأقرّ المؤتمر الوطني العام، الذي يسيطير عليه المستقلون، قرارا غريبا بمنع الأحزاب من المشاركة في انتخابات مجلس النواب، التي جرت في 25 يونيو/حزيران 2014.

لذلك نتج عن هذه الانتخابات، برلمان نشاز، سيطر عليه نواب قبليون من برقة، أفسدوا الحياة السياسية، حتى بعد نزع المحكمة العليا الشرعية منه في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، ليعيد الاتفاق السياسي الموقع في نهاية 2015، الاعتبار له وللمؤتمر الوطني الذي أصبح يسمى المجلس الأعلى للدولة“.

انكفاء الأحزاب

في ظل أجواء تهيمن عليها أصوات الرصاص، انكفأت الأحزاب الليبية على نفسها ولا يكاد يسمع لأغلبها صوت.

فباستثناء حزب العدالة والبناء (إسلامي)، الذي له بعض الحضور الإعلامي، تكاد نشاطات أحزاب أخرى مختفية إلا عبر تصريحات قادتها الذين غابت عنهم صفتهم الحزبية.

فتحالف القوى الوطنية (لبيرالي)، الذي كان يقوده المرحوم محمود جبريل، تشكل من تحالف 44 حزبا و236 منطمة، وأكثر من 280 شخصية وطنية.

وتمكن من الحصول على المرتبة الأولى بين الأحزاب في انتخابات 2012، بـ39 نائبا، إلا أنه وجد نفسه أقلية بين أغلبية من المستقلين، مما دفعه إلى تجميد نشاطه في البرلمان والحكومة في 2013.

وبعد إطلاق الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، عملية الكرامة، منتصف مايو/أيار 2014، انحاز تحالف القوى الوطنية لمعسكره، رغم أن الأخير يؤمن بالدولة المدنية، أما الأول فيسعى لتأسيس حكم عسكري وراثي“.

وكانت هذه الخطوة انتحارية، فحفتر لا يمكنه القبول بأي طرف ينافسه على الحكم سواء كان حزبا أو قبيلة أو مدينة أو إقليما، لذلك تلاشى دور تحالف القوى الوطنية، خاصة بعد وفاة مؤسسه محمود جبريل، بفيروس كورونا في 2020.

أما حزب العدالة والبناء، الذي يقوده محمد صوان، والذي حل في المرتبة الثانية بين الأحزاب في انتخابات 2012، بعد حصوله على 17 مقعدا، فمازال يحافظ على حظوره السياسي رغم الانتقادات والهجمات الشديدة التي يتلقاها حتى من حلفائه باعتباره الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.

ويتميز هذا الحزب بكوادره المثقفة وبعضها درس في الخارج، كما أن رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، أحد مؤسسي هذا الحزب، وهو من الداعمين الأساسيين لحكومة الوفاق.

ورغم أن العدالة والبناء، لم يشارك كغيره من الأحزاب في انتخابات 2014، إلا أن عددا من النواب الذين قاطعوا جلسات البرلمان عند انتخابه ينتمون إليه ولكنهم ترشحوا مستقلين.

وإلى جانب تحالف القوى الوطنية، والعدالة والبناء، توجد أحزاب أخرى أقل وزنا ولكن قادتها معروفون على غرار حزب الجبهة الوطنية (لبيرالي/ 3 مقاعد) بقيادة يوسف المقريف (سابقا)، أول رئيس للمؤتمر الوطني العام، والذي أسس الجبهة الوطنية للإنقاذ، في الخارج في عهد القذافي، وانضم إليها حفتر لاحقا، لكن المقريف يقف حاليا ضد مشروع الحكم العسكري للجنرال الانقلابي.

وهناك الاتحاد من أجل الوطن (وسط/ مقعدان) بقيادة عبد الرحمان السويحلي، من مدينة مصراتة (غرب) تولى أيضا رئاسة المؤتمر الوطني العام، ويعتبر من الشخصيات النافذة سياسيا وعسكريا في المنطقة الغربية.

بالإضافة إلى أحزاب لم تمثل في البرلمان، على غرار حزب التغيير، بقيادة جمعة القماطي، المبعوث السابق لرئيس المجلس الرئاسي فائز السراج إلى دول المغرب العربي، وحزب الوطن (إسلامي)، بقيادة عبد الحكيم بلحاج، رئيس المجلس العسكري لطرابلس سابقا، وأمير الجماعة الليبية المقاتلة سابقا، الداعمين للحكومة الليبية.

وهناك الاتحاد الوطني، أول حزب فيدرالي يسعى للدفاع عن حقول إقليم برقة في الشرق، بقيادة أبوبكر بعيرة، النائب الحالي في مجلس النواب، والذي ترشح كمسقل، ويدعم حفتر، رغم أنه يرفض الفديرالية.

بوسهمين هل سيضيف شيئا للحياة السياسية؟

في ظل غياب دور فعلي للأحزاب، وبيئة غير مواتية للنشاط السياسي، أطلق رئيس المؤتمر الوطني الأسبق نوري أبوسهمين، تيارا سياسيا جديدا سماه يا يلادي“.

تعهد أبوسهمين، أنه سيجري مشاورات في كل مناطق البلاد، مع كل الأطياف السياسية، من أجل الوصول إلى شكل تنظيمي، محكم، ينعقد في شكله النهائي بطرابلس“.

هذا السياسي الليبي هو أحد الذين يُحمّلهم الشعب مسؤولية الإخفاق السياسي الذي وصلت إليه البلاد، حيث كان أحد أبرز المعارضين والمعرقلين للاتفاق السياسي نهاية 2015.

إلا أن مبادرته لجمع أكبر قدر من الفرقاء السياسيين لإنقاذ البلاد من الوضع الذي وصلت إليه تُحسب له، غير أنها لا تحمل سوى القليل من التفاؤل، في ظل كل هذا التشظي، حتى يثبُت العكس.

فالساحة السياسية بحاجة إلى جرعة أوكسجين لإعادة تنشيطها، ونقل الصراع من ميادين المعارك إلى صناديق الاقتراع، والأحزاب ليست شرا كله، ولكن يمكنها أن تلعب دورا في منع تمزق البلاد وانقسامها.

______________

الأناضول

مقالات مشابهة