مفهوم التحول الديمقراطي

يستدعي مفهوم التحول الديمقراطي، المفهوم الأقدم والأشمل” الديمقراطية” فالدول المتحولة ديمقراطياً هي تلك التي تشهد استيعاباً لأسس الممارسة الديمقراطية. كما يقاس التطور في تحقيق التحول الديمقراطي من خلال المسافة التي قطعتها هذه الدولة أو تلك على طريق إعمال الديمقراطية في ممارستها. كما يظهر التداخل بينهما في أن الكثير من الأدبيات استخدم معايير “الديمقراطية” من أجل تعريف التحول الديمقراطي.

فالدولة المتحولة ديمقراطياً تشهد في مرحلة من المراحل إجراء الانتخابات الحرة بانتظام وتعديل قوانينها بل ودساتيرها لتضم المزيد من مبادئ الديمقراطية، وقد جرت كلمة الديمقراطية على ألسنة القادة السياسيين في شتى أرجاء العالم، لا فرق هنا بين نامي ومتقدم، وتباينت أغراضهم من وراء ذلك، فمنهم من أراد كسب الشرعية السياسية أو زيادة شعبيته بعد أن بات بقاؤه السياسي مهدد، ومنهم من استخدمها من أجل الفوز برضا المجتمع الدولي وربما الحصول على الدعم المادي، ومنهم من آمن بها وبضرورة التمسك بها.

بيد أن الحكام ليسوا هم الوحيدون في هذا المجال. فكثيراً ما تسابقت الأحزاب السياسية في الدفاع عن الديمقراطية في خطابها السياسي وقوانينها التأسيسية من أجل الفوز بأصوات الناخبين والوثوب إلى سدة الحكم أو عضوية المجالس التشريعية أو حتى النيل من تأييد الحكومات التي لا تلقي للديمقراطية بالاً.

أما خارج الدولة، فقد أعلنت المنظمات الدولية والإقليمية هدف نشر وتعزيز الديمقراطية منذ عقود وقدمت في هذا الإطار ملايين بل بلايين الدولارات تحت دعوى دعم الديمقراطية.

ما هو المقصود بالديمقراطية إذاً؟

من الناحية اللغوية، كلمة الديمقراطية تأتي من اللغة اليونانية وتعني حرفياً “حكم الناس”. وحسب ما يرى “روبرت دال”، كان اليونانيون، على الأرجح، هم الذين سكوا مصطلح الديمقراطية، وهو مركب من كلمتين هما، كلمة “demos ” بمعنى الشعب، وكلمة “Kratos” ، أي الحكم.

ومن الأشياء المثيرة للاهتمام هو أنه على الرغم من أن كلمة demos ، في آثينا القديمة عادة ما أشارت إلى الشعب الآثيني كله، إلا أنها في بعض الأحيان كانت تعني فقط عامة الناس أو حتى الفقراء، في كتابه “الموجة الثالثة من التحول الديمقراطي”، يذهب “صمويل هنتنجتون” إلى أن “مفهوم الديمقراطية كشكل للحكومة يعود إلى الفلاسفة اليونان.

إلا أن استخدامها الحديث يعود إلى فترة التطورات الثورية في المجتمع الغربي في نهايات القرن الثامن عشر. وفي أواسط القرن العشرين، تبلور النقاش حول معنى الديمقراطية في ثلاثة اقترابات، هي تعريف الديمقراطية كشكل للحكومة، تعريف الديمقراطية على أنها مصدر سلطة الحكومة، ثم تعريف الديمقراطية من منظور الإجراءات التي تأخذ بها من أجل تأسيس هيئاتها.

من الناحية اللغوية، يعني التحول التغير والنقل، فيقال حول الشيء أي غيره أو نقله من حال إلى حال ويقال تحول أي تنقل من موضع أو من حال إلى حال وعن الشيء يقال تحول عنه أي انصرف إلى غيره. أما الكلمة المقابلة في اللغة الإنجليزية، فهي تعني المرور أو الانتقال من حالة معينة أو من مرحلة أو مكان معين إلى مرحلة أو حال أو مكان آخر.

ولعل كثرة ما شهده العالم خلال فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وحتى الآن من تحول نحو الديمقراطية، دفع البعض إلى إطلاق وصف الموجة على ذلك الفيض من حركات الانتقال من النظم غير الديمقراطية إلى النظم الديمقراطية والتي حدثت في فترة زمنية محددة وفاقت في عددها حركات الانتقال في الاتجاه المضاد خلال نفس الفترة الزمنية.

وقد افترضت الدراسات الأولى للتحول الديمقراطي في القرن الماضي، أن معنى التحول الديمقراطي كان دالاً على نفسه أو واضحاً بذاته. حيث عني ببساطة التحول في النظام السياسي من عدم الديمقراطية نحو حكومة مسئولة وتمثيلية. وبمرور الوقت، أصبح من الواضح أنه بينما تمكنت بعض البلاد من التحول إلى الديمقراطية بنجاح، انهارت دول أخرى، ومن ثم فقد أصبح الرسوخ الديمقراطي هو المحور الأساسي للبحث في التسعينيات من القرن الماضي.

من الناحية الإصطلاحية، يعني التحول الديمقراطي “تغيير نظام سياسي من صيغة غير ديمقراطية إلى صيغة أخرى أكثر ديمقراطية، أو كما يشير البعض إلى أن التحول الديمقراطي أصبح يطلق على عملية الانتقال من الحكم السلطوي إلى الحكم الديمقراطي، ويعرفها “شميتر” بأنها عملية تطبيق القواعد الديمقراطية سواء في مؤسسات لم تطبق فيها من قبل أو امتداد هذه القواعد لتشمل أفراداً، أو جماعات، أو موضوعات لم تشملها من قبل، فالأسلوب الديمقراطي هو الترتيب المؤسسي الذي يحصل بمقتضاه الأفراد على سلطة اتخاذ القرار من خلال انتخابات عادلة ونزيهة ودورية يتنافس فيها المرشحون على أصوات الناخبين.

وبناء على ذلك، فإن الديمقراطية تشمل بعُدين هما التنافس والمشاركة، كما أنها تتضمن احترام الحريات المدنية والسياسية الأساسية كحرية التعبير والنشر والاجتماع والتنظيم حيث يمكن تقسيم معايير التطور الديمقراطي إلى فئتين أساسيتين تنقسمان بدورهما إلى فئات فرعية تتعلق الأولى بتحقيق المساواة بين المواطنين وتتعلق الثانية بتوفير الحريات السياسية لهم من دون تمييز.

وطبقاً لذلك، فإن عملية التحول الديمقراطي تشير إلى تضمين أو إعادة تضمين ممارسات التعددية الحزبية والتنافسية المؤسسية في الجسد السياسي، ويشمل ذلك تعديلات دستورية وتنظيمية وكذلك قيمية وفكرية، فضلاً عن إعادة توزيع السلطة والنفوذ وتوسيع دائرة المشاركة فيها وبروز مراكز مختلفة وخلال هذه العملية فإن الجسد السياسي والاجتماعي ينتابه قدر من التغيير، فقيم الطاعة والأحادية التي تسود نظم الحزب الواحد أو النظم السلطوية تحل محلها قيم التغيير والتنوع والتنافس، وأنماط السلطة ذات الطابع الهيراركي تحل محلها أنماط أكثر تعقيداً أو ذات أبعاد متعددة تتضمن بناء التحالفات والوصول إلى حلول وسط.

أبو زيد عادل القاضي

_______________

المصدر: التعددية الحزبية وأنماط التحول الديمقراطي