في ظل ظروف العولمة، يصعب تصور أن الحكومة بمفردها تسيطر على إقليم الدولة حيث جعلت التدفقات الاقتصادية، وتداول الأفكاروالتبادل الثقافي والتفاعلات الاجتماعية والترابط السياسي حدود الدولة أكثر قابلية للاختراق، مما يشير إلى الدور الكبير للتطورات الدولية والإقليمية في تحفيز وتقديم النماذج من أجل الانتقالات المتتالية إلى الديموقراطية.
لا تقل عنها أهمية مجموعة الضغوط الدولية الملموسة بشكل أكبر، بما فيها نمو أشكال المساعدات الحكومية وغير الحكومية للفاعلين الديموقراطيين، والاهتمام المتصاعد بتعزيز حقوق الإنسان والديموقراطية في السياسات الخارجية للدول الديموقراطية المستقرة مثل الولايات المتحدة .
وتختلف عوامل التحول الخارجية من حالة إلى أخرى. فقد يفرض النظام الديموقراطي على بلد ما مثلما فرض على اليابان بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وقد يكون التحول ناتجاً عن رغبة الدولة في الاندماج في المجتمع الدولي ومنظماته وبالذات المنظمات الدولية المالية والاقتصادية بهدف تلقي المساعدات والمنح.
كان تحقيق الاستقرار في العالم النامي وتطعيمه ضد خطر الشيوعية خلال الحرب الباردة، الدافع وراء أول جيل من السياسات المؤيدة للديموقراطية التي تبناها الغرب. حيث طرحت الدول الغربية الديموقراطية كطريقة من أجل خلق عالم أكثر أمناً لها. إلا أن دعم التحول الديموقراطي في الستينات والسبعينيات من القرن الماضي، كان مشروعاً صعب المنال. فقد تفككت الديموقراطية الليبرالية وفشلت في الإقلاع وتم وأدها في معظم أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وفي الحالات التي نجت فيها الديموقراطية، فإنها اتجهت للاستعارة من نماذج أمريكا وأوروبا، علماً بأن المحتوى قد اختلف إلى حد كبير.
ومع نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، ساد الاعتقاد بأن غياب الديموقراطية ومحاسبية الحكام كان من أهم العوامل التي أدت للأزمات والتدهور الاقتصادي الذي عانت منه دول العالم الثالث. وبدأت الدول الغربية والمؤسسات المالية الدولية المانحة مثل البنك الدولي وصندوق النقد في ربط المساعدات المالية والفنية بالإصلاح السياسي، وتعد الولايات المتحدة إحدى أبرز الدول التي تدعي ضرورة تحقيق تحول ديموقراطي في عالم الجنوب، وجعلتم ن مسألة دعم الديموقراطية محوراً في سياستها تجاه دول منطقة الشرق الأوسط.
ولقد مثل إنشاء الهيئات التي تعمل من أجل الديموقراطية تطورا بحيث كانت المرة الأولى التي تتأسس فيها وكالة غير حكومية لدعم الديموقراطية والحريات والتعددية السياسية في الدول الأخرى وتمكين الدول الغربية وهيئات التمويل الدولية والمنظمات غير الحكومية من ممارسة الضغوط على الدول النامية للإسراع من عمليات الإصلاح السياسي كما تستطيع هذه الدول والهيئات تقديم حوافز إيجابية للدول التي تدعم التحول إلى الديموقراطية.
ومن أهم وسائل التأثير المستخدمة المساعدات والمعونات الفنية والتسهيلات التجارية فضلاً عن التكنولوجيا المتطورة والاستثمارات الأجنبية التي تحتاجها بلدان العالم الثالث مما أضعف الأساس المادي للحكم السلطوي عبر التلويح بقطع المساعدة الاقتصادية والعسكرية، وأضعف كذلك الأساس المعنوي للحكم السلطوي من خلال تشجيع الجماهير على إدراك أن التحول الديموقراطي هو الطاقة الضرورية لعضوية نادي الأمم المتقدمة.
ويمكن الإشارة إلى عدد من الهياكل الدولية التي لعبت دوراً في المجال الديموقراطي مثل الجماعة الأوروبية والأمم المتحدة. فقد تأسست العديد من المؤسسات الدولية بهدف دعم الديموقراطية بالإضافة إلى المنظمات الدولية الحكومية التي تهتم بحقوق الإنسان، ناهيك عن المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
ونظراً لأن نص ميثاق البنك الدولي يؤكد على كونه مؤسسة اقتصادية خالصة، ليس من حقها التدخل في الشؤون السياسية للبلاد أو تحديد نوع النظام السائد أو اختيار الحكومة القائمة، فليس غريباً أن يتجه البنك إلى استخدام لفظ الحكم الجيد كشرط لمنح القروض والمعونات.
إن نجاح التحول الديموقراطي في دولة ما يشجع على قيام دول غيرها بالتحول الديموقراطي، سواء للتشابه في المشاكل التي تواجهها هذه الدول، أو للاعتقاد بأن الديمقراطية توفر الحل لهذه المشاكل، أو لأن الدول التي تحولت إلى الديموقراطية، أصبحت دولاً قوية تعتبرها الدول الأخرى نموذجاً سياسياً وثقافياً يحتذي به، ولقد زادت أهمية هذه الظاهرة مع الثورة التكنولوجية وثورة الاتصالات بعد الحربة العالمية الثانية، وأصبح من شبه المستحيل على الحكومات السلطوية أن تسيطر على تدفق المعلومات من العالم الخارجي، أو أن تحجب عن شعوبها معلومات عن سقوط الأنظمة السلطوية في الدول الأخرى، خاصة في حالة ما إذا كانت هذه الدول متقاربة جغرافياً ومتشابهة ثقافياً.
وكثيراً ما لجأ الحكام ذوى الاتجاهات السلطوية إلى الأخذ بعملية تحول ليبرالي محسوبة لتخفيف المعارضة أو لتقوية التأييد لنظمهم، إلا أنهم سرعان ما اكتشفوا أنهم بدءوا عملية تغيير لا يمكن وقفها أو السيطرة عليها. ومع تزايد المعارضة للنظام يصبح من الصعب العودة من جديد إلى سياسة القهر.
وما أن تمنح الحكومة مواطنيها بعض الحريات في الانتخابات، مع اختيار محدود للمرشحين، حتى تمتد الحملة الانتخابية لتشمل الأجندة السياسية الكاملة للنظام. وما أن تمنح الحكومة حداً أدنى من الحريات للصحافة، حتى يبدأ الصحفيون في البحث والكشف عن نقاط ضعف الحكومة.
قد تؤدي هزيمة الدولة في الحرب أو وقوعها فريسة للاحتلال إلى انتشار مشاعر السخط ومطالبة الشعب بتغيير الحكام. كما يمكن أن يؤدي الغزو (أو التدخل) الخارجي من جانب قوى ديموقراطية تفرض الممارسات الديموقراطية كبديل للنظام السلطوي القائم ـ بما في ذلك محاولة القضاء على جميع المؤسسات التابعة لهذا النظام ـ إلى إتاحة الفرصة لظهور نظام ديموقراطي.
أبو زيد عادل القاضي
_______________
المصدر: التعددية الحزبية وأنماط التحول الديمقراطي