أن الأحزاب هي نوع من الجماعات المنظمة.ونزعة حب الانضمام أو الانضواء تحت لواء أحدي هذه الجماعات هي أحدي نزعات، بل غرائز النفس البشرية، وتلك الغريزة هي التي جعلت من الإنسان مخلوقا اجتماعيا.أن الإنسان أو دعت فيه كل الغرائز العدوانية إلي جانب غرائز الابتكار والبناء. وهذه الغرائز ينبغي إشباعها، وفي مقدمتها غريزة المنافسة فالأفراد لا يستطيعون أن يكونوا سعداء بلا تنافس بينهم لأن التنافس كان منذ ظهور البشرية حافزا على القيام بأهم أنواع النشاط. وهذا التنافس لا يمكن القضاء عليه، ولكن يمكن تنظيمه، حتى لا يتخذ شكلا ضارا باتجاهه إلي العنف. ومن المسالك غير الضارة، التنافس السياسي في إطار النظام الدستوري والقانون.

فما هي مبررات الإصرار على المحافظة على التعددية السياسية في مرحلة الانتقال الديمقراطي:

أولا: إدارة الصراع السياسي في المجتمع

وتلعب الأحزاب السياسية دورا هاما في إدارة الصراع السياسي في المجتمع بشكل يبعده عن دائرة العنف والتطرف. والواقع أن هناك عدة عوامل تتوقف عيها قدرة الأحزاب على إدارة عملية الصراع. السياسي بشكل سلمى. وتتمثل أهم هذه العوامل في:
ـ نوعية القيادة الحزبية، أي اتجاهات ومهارات تلك القيادات.
ـ مدي اتساع قاعدة الأحزاب السياسية وانتشارها في إنحاء البلاد.
ـ طبيعة علاقة تلك الأحزاب بالهياكل الحكومية القائمة.

ثانيا: ضمان الحريات العامة

يعتبر تعدد الأحزاب أمراُ ضرورياُ لصيانة حرية الرأي والتعبير والاجتماع. حيث لا يوجد أحد أو جماعة من الناس تستطيع أن تستأثر بالحقيقة الكاملة دون سائر الناس، فإن تعدد الأحزاب وحرية تكون المؤسسات والجمعيات والمنظمات السياسية يكفل مبدأ حيويا في الحياة السياسية الديمقراطية وهو حرية المعارضة لكونها تمثل ظاهرة صحية في الحياة السياسية، فالديمقراطية لا تقوم فحسب على أن للأغلبية حق الحكم ِ، ولكن كذلك على أن للأقلية حق المعارضة.

وتبدو أهمية تعدد الأحزاب في جعل هذه المعارضة منظمة. ذلك أن مفهوم المعارضة معروف منذ القدم. وفى العصر الإغريقي كانت المعارضة تعني ـ كما يذكر هيرودوت في عرضه عن التاريخ ـ المواطن الذي لا يقبل صورة الحكم القائمة، والذي يجب أن تكون حقوقه وحرياته مكفولة، مقابل أن يحترم القانون القائم. فتعدد الأحزاب إذن، يسبغ على هذه المعارضة الفردية صفة التنظيم، مما يجعلها أكثر قوة وقدرة على التأثير، كما أن ممارسة الحريات والحقوق السياسية لا يمكن تحقيقها دون تنظيم، والأحزاب هي التي تتولي ذلك التنظيم. والتنظيم ـ لدى روبرت ميشيل أحد علماء السياسة ـ وهو الوسيلة الوحيدة لخلق إرادة عامة. وعلى هذا النحو، فالتنظيم في يد الجماعة الضعيفة سلاح من أسلحة الكفاح ضد الأقوياء، لأن كفاحا ما لا يمكن أن تكون له فرصة للنجاح إلا إذا كان ثمة تضامن يجمع بين الأفراد الذين يبتغون هدفا واحدا.

ويقوم تعدد الأحزاب، في الأصل السليم، على خلافات معينة في الرأي، وفي تصور الحلول للقضايا الأساسية. والذين ينضمون إلى حزب من الأحزاب إنما ينضمون إليه لأنهم يؤمنون برأي معين، ويريدون أن يدافعوا عنه في ظل تنظيم يوفر لرأيهم وأفكارهم من القوة،مالا يمكن أن يتوافر لهم وهم أفراد. وفساد الأحزاب في بعض البلاد، وعدم قيامها على أساس مبادئ معينة لا يعني فساد نظام تعدد الأحزاب في جملته. وحتى القول بفساد النظام الحزبي لا يرتب نتيجة أن يكون البديل هو الحزب الواحد إلا إذا كان يراد للفساد أن يكون مركزا غير منتشر، وأن يكون مستورا غير مفضوح.ويوجه عام، فإن تعدد الأحزاب يكفل الضمانات الحقيقية لممارسة الأفراد لحرياتهم العامة.

ثالثا: توسيع قاعدة المشاركة السياسية وتشكيل الرأي العام

تساهم الأحزاب في تشجيع التجمع الإنساني بكل صورة لتحقيق أهداف مشتركة، بصفة خاصة، التجمع السياسي، وتدريب المواطنين على العمل السياسي، والمشاركة في شئون بلادهم، وتشجيع الفرد على الإقدام على هذه المشاركة بالانتماء إلي جماعة سياسية منظمة في حزب من الأحزاب، ومن ثم شعوره بالأمن السياسي، مما تتحقق معه الشجاعة الأدبية في أبداء الرأي في المسائل العامة. ويكفل تعدد الأحزاب عنصر الاختيار للأفراد. فحرية انضمام الفرد إلى حزب ما، أو رفض الانخراط في عضويته أمر له أهمية كبري في تحقيق الديمقراطية، وذلك عن طريق تعدد التنظيمات المختلفة المفتوحة أمام الأفراد وأمام الناخبين من أجل انتخاب ممثلين لهم في الحكومة. والتوزيع الاختياري لأصوات الناخبين بين التنظيمات الحزبية هو الذي يحدد ما يحصل عليه كل حزب من مقاعد في البرلمان والحكومة، الأحزاب السياسية هي التي تقدم المرشحين الصالحين لتولى الوظائف النيابية والإدارية والعامة، وهى التي تقدم البرامج السياسية والطرق اللازمة لتنفيذها والوسائل الفعالة لنقد أعمال الحكومة.

وإذا كان الشعب في مجمله يستطيع الحكم على صلاحية السياسية الحكومية أو عدم صلاحيتها، فإنه لا يستطيع أن يقدم سياسة بديلة عنها، إلا في حالة توافر التنظيمات السياسية وغيرها من الإمكانات التي توافرها الأحزاب، تتيح له المعلومات الكافية لفهم هذه النظام السياسي.كما أن وجود أحزاب متعددة يعطى فرصا للاختيار بين برامج وسياسات متباينة تتقدم بها الأحزاب المختلفة، ويسعى كل حزب منها إلى الحصول على تأييد المواطنين لبرامجه وسياساته في الانتخابات العامة ليحصل على أغلبية تمكنه من تولى الحكم ووضع هذه البرامج موضع التنفيذ، وقد أثبتت التجربة حاجة كل من الناخب لوجود الأحزاب السياسية.

فالناخب يحس بالحاجة إلي من يقدم له برنامجاُ، ويفسر له ما قد يكون غامضاُ عليه من الشئون العامة. والناخب كذلك يشعر بالحاجة إلي جهاز منظم يزوده بالمعلومات اللازمة التي يعتمد عليها في المناقشات البرلمانية وتوجيه الأسئلة والاستجوابات، كما يشعر بالحاجة إلى تعضيد زملاء له من النواب ينتمون إلي نفس الحزب، ويشكلون فريقاُ وتكتلاُ برلمانياُ يكون له من التأثير والفعالية أضعاف ما يملكه نائب منفرداُ. وتفسر هذه الضرورة بردها إلي عدد من المزايا التي تحققها تعدد الأحزاب مثل تنظيم وترتب الأفكار والمبادئ السياسية والاجتماعية المختلفة ووضعها في شكل أولويات محددة يتم علي أساسها توجيه الفنيين للعمل علي تنفيذها عندما يصل الحزب إلي الحكم.

وتعمل الأحزاب علي مساعدة جمهور الناخبين علي تكوين أرائهم السياسية.فإذا ترك كل ناخب وشأنه، فان الديمقراطية تصبح شيئاُ مستحيلاُ، إذ يكون من الصعب، في كثير من الحالات، تكوين إرادة عامة.

في هذا الإطار يمكن القول إجمالاُ إن الأحزاب السياسية تقدم الإطار الأكثر أهمية وملائمة لتحقيق المشاركة السياسية وعدم قصرها علي فئة وطبقة اجتماعية معينة خاصة مع اتساع وسائل الاتصال الجماهيري وانتشار التعليم. ذلك أن ظهور الأحزاب السياسة نفسها يمكن إن يزكي لدى الإفراد الرغبة في الممارسة السياسية.على أن مجرد وجوداحزاب أو النظام الحزبي لا يضمن بذاته تحقيق المشاركة السياسية. فهناك بعض النظم الحزبية التي تقلص المشاركة. وقد حدد بعض علماء السياسة عدة عوامل تؤثر على قدرة النظام الحزبي في استيعاب أو قمع مطالب المشاركة السياسية أهمها:

رابعا: ضمان الرقابة الشعبية

يكفل تعدد الأحزاب وجود معارضة منظمة تراقب الحكومة وتنقدها عندما تنحر، تسعي بالطرق المشروعة لكي تكسب أغلبية الرأي العام. وكل ذلك يضمن رقابة الشعب على أعمل الحكومة. كذلك تساعد الأحزاب علي تحديد المسئوليات السياسية للحكومات المتعاقبة، حيث تكون كل حكومة مسئولة مسئولية سياسية أمام الشعب، هي والحزب الذي تنتمي إلية، عما تقوم به من أعمال خلال فترة توليها الحكم. ويكون للشعب تجديد الثقة بالحزب الذي شكلت منه أو عدم تجديدها في الانتخابات العامة، على ضوء ما حققته تلك الحكومة من سياسات، وما التزمت به من رعاية مصالح الشعب الهامة. فالرقابة على هذا النحو لا يمكن أن ينجز بشكل مثمر إلا في ظل تعدد الأحزاب.كذلك فإن وجود أحزاب يراقب بعضها بعضا ويكشف بعضها أخطاء الأخر يؤدي إلى أن تكون حقيقة الأمور العامة مطروحة على الشعب، غير خافية عليه، ومن ثم يستطيع أن تعدد الأحزاب أمر ضروري لتحقيق رقابة شعبية .

خامسا: ضمان سلمية انتقال السلطة

فتعدد الأحزاب يقدم طريقة سلمية لتغيير القيادات وإحلالها من خلال الانتخابات العامة. وبذلك يمكن ضمان الانتقال الشرعي والسلمي للسلطة، بالطريق الديمقراطي إلي الحكومة والبرلمان المشكلين من الحزب الذي يحوز ثقة جماهير الناخبين. ويحدث ذلك في حالة ذلك في حالة تغير اتجاه الرأي العام وفقا للمتغيرات المختلفة من آراء وأوضاع ومصالح اجتماعية وسياسية.وكذلك يضمن تعدد الأحزاب استيعاب كل أو معظم الاتجاهات في أطار النظام السياسي. أما من حيث لا توجد تنظيمات سياسية تضم المعارضين سوء الطاعة أو التمرد والخروج على النظام.

خلاصة

من خلال هذا العرض لأسس وأهداف التعددية الحزبية، فاننا نسطيع ان نلمس انه هناك ثمة علاقة وثيقة بين هذه الاسس والاهداف، تنعكس في النهاية على احداث درجات متقدمة من التحول الديمقراطي في اى نظام سياسي، مما يوضح العلاقة الوثيقة بين التعددية الحزبية وتحقيق هذا التحول الديمقاطى الحقيقى، وقد تناول الباحث بشكل موجز التعددية الحزبية والاسس الحاكمة لها وأهدافها التي تؤثر بشكل ايجابى على التحول الديمقراطي.
وخلص الباحث إلى ان مفهوم التعددية الخربية من المفاهيم المحورية في حقل العلوم لسياسية وان تعددت تعريفاته وصوره، وان هذا المفهوم يرتبط إرتباط وثيق بعملية التحول الديمقراطي التي بدورها تعترف عملية معقدة ومتشابكة الجوانب والابعاد بل والانماط، وهذه العوامل المؤدية إلى احداث تحول حقيقى لديها تأثير متبادل بيها وبين التعددية والتى تستند بدورها إلى عدة أسس ومبادئ تسعى من خلالها إلى إحداث تحول حقيقى في النظام السياسي في مختلف دول العالم.

أبو زيد عادل القاضي

_______________

المصدر: التعددية الحزبية وأنماط التحول الديمقراطي

مقالات مشابهة