عبدالمجيد الصغيّر
إن من ضرورات إنجاح مشروع المصالحة الوطنية الشاملة الولوج في برنامج واقعي للعدالة الإنتقالية التي تؤسس لمرحلة التحول إلى مجتمع تتحقق فيه العدالة ويَسود فيه القانون وتُحترم فيه حقوق الإنسان وتتوفر فيه ضمانات عدم تكرار الإنتهاكات للحقوق والحريات.
ولعل من الضرورة أيضا أن يتزامن ذلك مع برنامج للإصلاح السياسي والإداري لمؤسسات النظام السياسي لكي تتحقق المصالحة الوطنية الشاملة على المستويين الأفقي (مجتمعيا) والعامودي (مؤسساتيا).
وبالرغم من التهميش التي لحق بإطروحات الإصلاح السياسي خلال عقود قبل وبعد ثورة فبراير، إلا أن وجود نواة للتيار الإصلاحي قد أصبح مؤكداً، وهو تيار له حضور كامن يغطي المساحة الأوسع (فكريا وثقافيا وسياسيا وديموغرافيا).
نواة التيار الإصلاحي تنطلق من مقولة مجرّبة، تفيد بأن أي جهد يبذل في اتجاه إصلاح شامل لمؤسسات الدولة سيدفع إيجابيا وإن ببطء نحو تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية الشاملة وإنفاذ الحلول السلمية الناضجة لأزمة السلطة في ليبيا.
الطرح الإصلاحي لا ينبع من واقع النخبة السياسية الفاسدة بل من النخب التي تؤمن بالدولة المدنية وسيادة القانون وهي قادرة أكثر من غيرها على تفعيل التنافس السياسي الديمقراطي، ولكن بعد أن تتعدّل موازين القوى بين الأطراف المتصارعة والمتنافسة على السلطة ويتأتى ذلك بإخراج السلاح والمحاصصة والقبلية والجهوية والمناطقية والعسكرة من المعركة السياسية. وبالتالي يصبح الصراع السياسي المدني هو الطريق الوحيد لتداول الإدوار السياسية بين السلطة الحاكمة والمعارضة المفيدة.
نعود إلى الإصلاح السياسي والاداري كضرورة من ضرورات المصالحة الوطنية الشاملة.
لاشك أن مطلب التغيير السلمي عبر آليات الإصلاح الشامل للنظام السياسي هو من مطالب القوى “الثورية” الوطنية، غير “الثورجية”، ونعني بها القوى الوطنية التي تعمل بوسائل الضغط السلمي المتواصل والمتصاعد، من أجل الدفع بعملية الاصلاح في الاتجاه الصحيح وبالسرعة المطلوبة وبالشمولية المرجوة، بحيث تشمل القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية والدستورية والاجتماعية والثقافية.
من الناحية النظرية المثالية، النجاح في الاصلاح السياسي سيفرض على الأطراف المتصارعة تبنّي مبادئ التنافس السلمي وإقامة علاقات تعايش مع الفرقاء، وبالتالي تمكّن المجتمع من إقامة مؤسساته الاجتماعية والثقافية التي تؤهله للمشاركة السياسية والتأثير في القرار السياسي.
هذا من الناحية النظرية، أما واقعيا، فالإصلاح السياسي ليس بالأمر السهل تحقيقه في ضوء مسيرة القمع والإرهاب التي طالت المجتمع عدة عقود، فتجربة القمع والإقصاء والتصفية الجسدية جعلت من التعايش السلمي أمرا غير ممكن.
وهو ليس عملا معزولا أو حدثا طارئا، بل جهدا متواصلا ومضنيا، يتطلب التزاما واستعدادا من كل الأطراف للتخلي عن العنف والقمع والمغالبة والإقصاء في التعامل مع الآخر، ولن يتحقق بالبيانات والقرارات، بل يحتاج إلى جهد قانوني ودستوري، وإلى تبدل فكري ونفسي، وأيضا لفترة زمنية طويلة مليئة بالتنازلات المتبادلة والتضحيات من كل الاطراف.
ليس هناك من تجربة سياسية إصلاحية صالحة لكل زمان ومكان، فما ينجح في بلد ما قد يخفق في ليبيا، ولذلك لابد من إجراء عملية “فحص الواقع” وهي في غاية الأهمية لوضع تصور واضح لاستراتيجية التعامل مع الإجراءات الإصلاحية إن وجدت.
هناك جملة من القرارات الجرئية في انتظار من يتخذها، من القيادات السياسية والإدارية والإعلامية والحقوقية من كل ألاطراف السياسية المتنازعة على السلطة والثروة في الدولة وخارجها. وهي قرارات ضرورية لوضع تصور استراتيجي واضح لإيجاد مخرج من الاحتقان التي تعيشه ليبيا.
وفي الختام، نقول أنه لا مجال لتحقيق أي تقدم في مجال الإصلاح الإداري، بدون رفع كفاءة الأداء الحكومي، وتحسين الخدمات العامة، وتحسين التعاون بين القطاع الخاص والحكومة، وإصلاح الخدمة المدنية، وكل ذلك فقط للتسريع من عملية التنمية الاقتصادية. أما “الغول” الذي يتفاداه كل الأطراف، ولكنهم يطوفون حوله، فهو الفساد الذي تفشى في مؤسسات الدولة وأيضا في ثقافة المجتمع، ولعلهم يدركون أن تفشي الفساد يؤثر سلبا لا محالة على كفاءة الحكومة، ولا مفر من تفعيل دور المؤسسات الرقابية لضمان عدم إساءة استخدام الوظيفة العامة ، ومن أبسط الإجراءات المطلوبة إداريا، تحديد واختصار الإجراءات المالية، من خلال التوصيف الدقيق للمهام والوظائف، وبالتالي سرعة الإنجاز وعدم ترك الفرصة للتلاعب والتحايل.
____________