عمر محمد حميدان

ثانيا: ملامح التجربة الحزبية

سنتعرف على الملامح العامة لهذه التجربة الحزبية عن طريق دراسة الدورالحزبي داخل الإطارالمؤسسي للدولة وسنختار لذلك المؤتمر الوطني العام كمؤسسة رسمية نموذجا نقيس من خلاله هذا الدور، ثم في فقرة ثانية سنضع تقييما عاما على عمل الاحزاب في ليبيا خلال هذه التجربة.

1ـ التجربة الحزبية داخل الإطار المؤسسي: المؤتمر الوطني العام نموذجا

إن المؤتمر الوطني العام هو السلطة السيادية العليا في ليبيا، ويضطلع بالدور التأسيسي والتشريعي والرقابي، إضافة إلى دورتنفيذي، ما يجعل الوضع السياسي داخله يصبغ الحياة السياسية في ليبيا عموما. وبالتالي فتقييم دور الأحزاب داخله هو تقييم لدورها في الحياة السياسية في ليبيا عامة.

وكما كان للأحزاب دورا كبيرا في انتخابات المؤتمر الوطني العام، فقد كان لها دور كبير داخله، وشهدت المرحلة الأولى من عمره سيطرة واضحة للأحزاب على المؤتمر وقراراته، ولعب العامل الإديولوجي والحزبي الدور الأبرز على حساب العامل الجهوي والقبلي، فانقسم المؤتمر الوطني – تبعا لذلك – الى تيارين رئيسين: تيار إسلامي يقوده حزب العدالة والبناء، وآخر مدني ليبرالي يقوده تحالف القوى الوطنية. ويتكون كل تيارمن أحزاب صغيرة أو كتل برملانية أو أفراد مستقلين.

وقد تجلى التنافس الحقيقي بين هذين الحزبين في ما يلي:

أـ تكون الكتل السياسية داخل المؤتمر

حيث تشكلت داخل المؤتمر الوطني العام كتلتان رئيسيتان تمثلان الحزبين الأساسيين، وهما كتلة تحالف القوى الوطنية، وكتلة العدالة والبناء، ثم بعد ذلك توالى إنشاء الكتل السياسية من قبل الأعضاء المستقلين المترشحين بطريقة القوائم الفردية. وهذه الكتل في أغلبها كانت امتدادا للكتلتين الرئيسيتين المذكورتين.

وقد انضمت واصطفت هذه الكتل البرلمانية للحزبين الرئيسين مكرسة تكوّن تيارين واضحين داخل المؤتمر، وهذه صورة من صورنشوء الأ حزاب أكد عليها موريس ديفرجيه حين اعتبرأن فكرة الأحزاب هي توسع لمقتضيات العمل البرلماني وتطورلفكرة الكتل البرلمانية.

ب ـ جلوس أعضاء المؤتمر

جلست الكتلة الإسلامية بمختلف مكوناتها على يمين المؤتمر، وجلست الكتلة المحسوبة على التيار المدني الليبرالي على يساره. وظل هذا الوضع قائما بالرغم من عدم وجود مقتضى قانوني له، وبدا أن الجلوس المتقارب هذا أسهل في توحيد المواقف وعمل المشاورات الداخلية السريعة أثناء النقاش أو التصويت حيث انضوى تحت كل كتلة أعضاء من مختلف المناطق، مغلّبين العامل الإيديولوجي والبرنامج الوطني على العامل الجهوي والقبلي.

ت ـ الحزبية المحاصصة

كان الطابع الغالب في قرارات المؤتمر الوطني العام في مرحلته الأولى هو المحاصصة الحزبية بين حزبي تحالف القوى الوطنية والعدالة والبناء، ولا يغير من ذلك ظهور بعض الأحزاب الصغيرة – بين الحين والآخر- بمظهر الحياد. وتعتبر حينها نقطة تعادل بين الحزبين الكبيرين ويرتضيانها منطقة حياد بينهما.

وعلى كل حال فيمكن تعداد أهم صور هذه المحاصصة في الآتي:

ـ المناصب القيادية في المؤتمر: فبينما أخذ تحالف القوى الوطنية منصب النائب الأول لرئيس المؤتمر، أخذ حزب العدالة والبناء منصب النائب الثاني للرئيس، وذهب منصب الرئيس لطرف ثالث هو حزب الجبهة الوطنية. وكذلك تم توزيع باقي المناصب القيادية في المؤتمر، كمنصب المتحدث الرسمي، والمقرر، والمراقبين، وكذلك رئاسة اللجان البرلمانية الدائمة فيا المؤتمر، ورئاسة وعضوية اللجان المؤقتة

ـ الحكومة: شهدت الحكومة الأولى المشكّلة من المؤتمر تنافسا كبيرا بين الحزبين، وانتهى التنافس إلى فشل تشكيل حكومة من أي من الحزبين، ففوز الدكتور مصطفى أبو شاقور المدعوم من التيار الإسلامي بالمنصب على الدكتور محمود جبريل رئيس حزب تحالف القوى الوطنية لم يمكنه من نيل الثقة لحكومته في المرتين ما اعتبر معه إقالة له ولحكومته بحسب اللائحة الداخلية للمؤتمر. عندها لم يكن هناك مناص من التوافق على حكومة محاصصة بين الحزبين، وعلى هذا تم تشكيل حكومة السيد علي زيدان.

ـ المناصب السيادية: كذلك خضعت المناصب السيادية لذات المحاصصة، حيث تم استكمال التعيينات التي بدأها المجلس الوطني الإنتقالي للمناصب السيادية بإعمال المحاصصة الحزبية بين التيارين .

ـ السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية، و رؤساء المؤسسات والهيئات العامة والصناديق السيادية: حيث امتدت المحاصصة الحزبية الى السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية، ورؤساء الهيئات والمؤسسات العامة التابعة للمؤتمر كهيئة مكافحة الفساد، ورئيس هيئة النزاهة الوطنية، ورئيس جهاز تنفيذ السكة الحديدية، وكذلك الأجهزة الإدارية التابعة للمؤتمر، كديوان المؤتمر، والحرس الرئاسي للمؤتمر.

ـ القوانين: كذلك فإن كل القوانين والقرارات التي اتخذها المؤتمر كانت خاضعة لذات المحاصصة الحزبية، ولعلنا نشيرإلى أكثر من  هذه القوانين خطوة وهو قانون العزل السياسي، حيث شهد هذا القانوني تجاذبا وصراعا سياسيا بين الحزبين، وأصبح أداة ووسيلة للصراع الحزبي أراد كل حزب أن يقصي به قيادات الحزب الأخر، وانتهى الأمر الى إقراره بصيغة مشددة أقصت العديد من القيادات الحزبية والشخصيات السياسية والوطنية الفاعلة كان من بينها رئيس المؤتمر الوطني العام الدكتور محمد المقريف الذي قدم اسقالته من رئاسة المؤتمر وكذلك نائبه الدكتور جمعة احمد اعتيقة، وكذلك منع رئيس حزب تحالف القوى الوطنية من الترشح للمناصب السيادية. وعموما، فإن هذه المرحلة – مرحلة التنافس الحزبي- لم تدم طويلا، فقد انتهت بانتخابات مجلس النواب في 7/7/2014م، حيث انسحب حزب تحالف القوى الوطنية من المؤتمر بعد انتخابات مجلس النواب، وانتهت المنافسة والمحاصصة الحزبية، وسيطر العامل الجهوي والفئوي على حساب العامل الإيديولوجي.

ب ـ تقييم وضع الحزاب السياسية

ـ أهمية دورالأحزاب في هذه المرحلة

مما لا شك فيه أن الأحزاب في ليبيا خلال هذه المرحلة – شهدت نشاطا وحراكا سياسيا فاعلا وأدت دورا وطنيا مهما، فبالرغم من التنافس السياسي الحاد بينها، إلا أنها ظلت عاملا للوحدة الوطنية وعزّزت فكرة التكامل القومي بما تعنيه، كما أن قيام الأحزاب من إدماج للعناصر الاجتماعية والاقتصادية والدينية والعرقية والجغرافية في الدولة القومية على البرامج الوطنية التي تضم تحتها كافة أبناء المناطق يحد من الولاءات الذاتية وتتلاشى معه العوامل الجهوية والقبلية التي هي عوامل فرقة.

فسيطرة العامل الحزبي تظل أكثر فائدة من الناحية الوطنية من سيطرة العامل الجهوي والقبلي، كما أن البرامج الحزبية تظل معيارا منضبا يسهل معه توحيد وجهات النظر والمواقف لتنظيم واستقرارالحياة السياسية في البلاد.

كما لا يخفى دور الأحزاب في دعم الحوار الديمقراطي، وتأكيد حرية الفكر والرأي والتداول على السلطة، إضافة لكونها رحما لتكوين القادة والمؤهلين، وهذه الأدوار جميعها أدتها الأحزاب في ليبيا كُلاّ أو بعضا، فظل التنافس الحزبي بينها منشطا ضامنا للمسار الديمقراطي وضمانا لعدم حدوث الإنقلابات العسكرية.

كما أن الأحزاب تنشط الحياة السياسية من خلال تنافسها السياسي وطرحها لبرامجها وأفكارها، وتكوين الرأي العام، ولعل هذه الأدوار جميعها أدتها خلال توجيه الحزب للمواطنين وتوعيتهم بالمشكالت السياسية، ومقترحاتها لحلها الأحزاب السياسية في ليبيا خلال هذه الملرحلة.

ـ أهم الانتقادات على التجربة الحزبية في ليبيا

  • ضعف التنظيم الداخلي للأحزاب، وسوء توزيعها للمناصب القيادية والتنفيذية داخلها، وهذا الأمر أدى إلى تخلي العديد من أعضائها عنها سواء داخل المؤسسات الرسمية أو خارجها.
  • ضعف البرامج السياسية للأحزاب خلال الحمالت الانتخابية، حيث أن هذه الحملات تدور في كثيرمن الأحيان حول الأشخاص الممثلين للأحزاب، بدلا من البرامج السياسية.
  • المركزية الشديدة داخل الأحزاب وغياب الديمقراطية داخلها، فعادة ما تعاني الأحزاب من سيطرة رئيس الحزب على صناعة القرار فيه، وإذا كان الحزب من داخله لا يطبق مبدأ تداول السلطة والانتخابات النزيهة والمشاركة الحقيقية، فكيف ينادي بهذه الأمورفي بنية الدولة، حيث أن فاقد الشيء ال يعطيه.
  • فشل التحالفات والإئتلافات الحزبية، حيث قامت عدة تحالفات حزبية بين بعض الاحزاب ثم انحلت وأسفرت عن صراعات بينها.
  • الانشقاقات والانقسامات، فقد شهدت الإحزاب السياسية كثيرا من الانشقاقات من قياديين وأعضاء، تحولوا إلى خصوم لتلك الأحزاب، ولعل تلك الانشقاقات ترجع أغلبها الى خلافات بين الأعضاء المنشقين ورئاسة الحزب.
  • تشابه البرامج بين الأحزاب السياسية، فباستثناء حالات الاختلاف الإيديولوجي الواضح في قليل من الأحزاب السياسية (إسلامي – ليبرالي) فإن أغلب الأحزاب في ليبيا متشابهة البرامج. والشك أن التشابه الواضح في البرامج السياسية يجعل المواطن غير قادر على التمييز بين الأحزاب، ويجعله غير راغب في تغيير الوضع القائم إذا كان البديل هو نفسه.
  • ضعف البنية التنظيمية للأحزاب، حيث أن أغلب الأحزاب لا تمتلك هيكلا تنظيميا يتبعها في الم ناطق والبلديات، ما يجعلها غيرقادرة على المنافسة في أغلب الدوائرالانتخابية.

ت ـ أسباب تدني دورالأحزاب السياسية في ليبيا

  • حداثة العهد بالتجربة الحزبية في ليبيا، حيث أنها لم تشهد أي تجربة حزبية من سنة 1951 ،أي من 65 سنة تقريبا.
  • النظام الانتخابي لإنتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، وانتخابات مجلس النواب، حيث منعاها من المشاركة المباشرة وقلصا من دورها الانتخابي ما أثر على دورها السياسي بالعموم
  • القرار رقم 30/2013 الصادر عن المؤتمر الوطني العام بالاستقلالية التامة لأعضاء المؤتمر الوطني العام عن أحزابهم وعدم قدرة أحزابهم على إسقاط عضويتهم او استبدالهم، إذ أضعف من الدور الرقابي والتوجيهي للأحزاب على أعضائها، وجعل الأعضاء مستقلين في قراراتهم وغيرملزمين بتوجيهات أحزابهم.
  • قانون العزل السياسية، حيث صدر قانون للعزل السياسي أقصى معظم القيادات الحزبية، كرئيس تحالف الوطنية الدكتورمحمود جبريل، ورئيس حزب الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا الدكتورمحمد المقريف الذي تولى رئاسة المؤتمر الوطني العام وقدم استقالته من المؤتمر الوطني العام بسبب انطباق قانون العزل السياسي عليه، وغيره من القيادات الحزبية القوية.
  • الصراع السياسي بين الأحزاب السياسية، إذ خرجت الأحزاب من فكرة الوفاق السياسي إلى التصعيد، فابتداء من محاولة تعطيل المؤسسات السيادية عبر النصاب المعطل، إلى الحرب الكلامية والإعلامية ونشر الفضائح والتهجم عبر الفضائيات والإعلام، إلى التحاكم أمام القضاء، الى أن انتهى الأمر الى الصراع المسلح بينها.
  • الوضع السياسي والأمني المتأزم بسبب الصراع السياسي، حيث حملت الأحزاب مسؤولية الوضع السياسي المتردي، وفشل الحكومة في تنفيذ أي خطط للتنمية وحفظ الأمن وحماية المواطنين ووضع حد للإنتهاكات الحقوقية وتحسين الوضع المعيشي، وقد حمّلت الأحزاب مسؤولية هذا الفشل بسبب الصراع السياسي بينها.

ج ـ الخريطة السياسية للأحزاب في ليبيا

 إن تصنيف الأحزاب السياسية يواجه إشكالية معايير التصنيف، فليس من السهل إيجاد تصنيفات موحدة لتقسم الأحزاب السياسية، وهذا راجع الى اختلافات في طبيعة الحزب وتنظيمه وأهدافه.

وقد تأسست في ليبيا بعد الثورة عشرات الأحزاب السياسية الجديدة من كل التيارات الفكرية الليبرالية، والوطنية الثورية، والقومية، والاشتراكية، والدينية، وإن كان أغلب هذه الأحزاب يخلو من برنامج واضح يبين توجهه الفكري أو مشروعه الوطني.

وقد قامت لجنة شؤون الأحزاب في ليبيا ـ حتى هذا التاريخ – بالتصريح لعدد 30 حزبا، كان أولها، حزب العدالة والتقدم، الذي صّرح له بموجب القرار رقم 1 لسنة 2012 الصادر عن لجنة شؤون الأحزاب بتاريخ 30/5/2012م. ثم تلته الأحزاب التالية حسب تسلسل قرارتها، وهي:

حزب العدالة والتقدم، حزب التضامن الليبي، حزب ليبيا المستقبل، حزب الحرية والمساواة، الحزب الوطني للتغيير والبناء، حزب الإجماع الوطني الديمقراطي، حزب القمة، حزب التقدم من أجل ليبيا، الحزب الوطني الليبي، حزب المؤتمر الوطني الأصالة والتجديد، حزب الناس، حزب التيار الوطني الديمقراطي، حزب ليبيا الشامل، حزب المؤتمر الوطني الحر، حزب التجمع الوطني الديمقراطي من أجل العدالة والتقدم، حزب التضامن الوطني الذي تم التصريح له بموجب قرار المفوضية العليا رقم 16 لسنة 2012 الصادر بتاريخ 11/12/2012م، حزب تحالف الشباب الديمقراطي، حزب العدالة والحرية والتنمية، حزب العدالة والبناء، حزب الأمة، حزب الوسط الوطني، حزب الجبهة الوطنية، حزب الإئتلاف الجمهوري، حزب مستقبل الوطن، حزب الاتحاد الديمقراطي، حزب اتحاد الفلاحين والعمال، حزب التجمع الليبي الديمقراطي، حزب الحكمة، وآخرهم حزب الحرية والإصالح الذي صُرح له بموجب القرار رقم 30/2013.

خلاصة:

تعتبر التجربة الحزبية في ليبيا بعد ثورة 17 فبراير التغيير الأكبر للثورة، وهي رغما عن حداثتها فقد شهدت زخما وحضورا فاعلا للأحزاب السياسية، ومشاركة حقيقية من قبلها حتى وصلت فيها الى المؤسسات السياسية وأصبحت تقود الحراك السياسي في ليبيا، واعتبرت بحق شاهدا على التغيير الحقيقي في ليبيا ودليلا على الانتقال من النظام السلطوي الفردي إلى النظام الديمقراطي القائم على المشاركة والمنافسة والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات الحرة النزيهة.

وبالرغم من الانطلاقة الواعدة للأحزاب في ليبيا في انتخابات المؤتمر الوطني العام، إلا أن دور الأحزاب ما لبث أن ضعف على حساب العامل الجهوي، وتدنى مستواها لدى الرأي العام الذي حمّلها مسؤولية الصراع السياسي في البلاد فخرجت المظاهرات ضدها، وتم التهجم وإقفال مقارها والاعتداء على قياداتها، وأعلنت العديد منها تجميد عملها.

إن الحياة الحزبية في ليبيا لا زالت في بدايتها ولا زال أمامها العديد من التحديات والصعوبات، وقد حاولنا في هذه الورقة أن نتتبع هذه التجربة الحزبية وأن نقدّم صورة مبسطة عنها بمنهج علمي محايد، كما قمنا بتضمينها شيئا من التقييم والنقد العلمي علّه يساهم في تقويم الحياة الحزبية في ليبيا التي نراها – بلا شك- عاملا أساسيا لوحدة البلاد، ورافدا مهما للحياة السياسية، وركنا من أركان الحياة الديمقراطية.

___________

مقالات مشابهة