من المفارقات الغريبة أن تُستَهدَف الأحزاب والحزبية عموما بالتشهير والشيطنة والتخوين، وذلك عبر أصوات شعبوية ترفض الحزبية وتستهجن العمل الحزبي، ولكنها تدعي في نفس الوقت أنها مع الدولة الديمقراطية.
كيف يستقيم هذا المنطق؟
وكيف يمكن تنظيم حياة سياسية بضوابط الديمقراطية، بدون انتظام المواطن في عمل سياسي منظم تتصدره المؤسسة الحزبية بالإضافة إلى الجمعيات والروابط والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني؟.
هذا الرفض العدمي للحزبية والأحزاب بشكل عام، منطلق من ثقافة استبدادية وتجربة دكتاتورية أسقطها شباب ثورة فبراير، بعد عقود من الاستحواذ على السلطة والثروة والسلاح، وأنتجت حالة الفساد والفوضى واللادولة، وتحولت إلى دولة عميقة لا تزال تحتظر، وتسعى بكل ما لديها للعودة إلى ماضي قريب عفى عنه الزمن.
امام هذا التشويه للحياة الحزبية، لا بد من اعادة الاعتبار للحياة الحزبية الديمقراطية الحقيقية، التي بدورها تؤسس لتجربة حزبية قادرة على خلق سياسات وبرامج سياسية تعمل لإعادة بناء الدولة، واشاعة الممارسة الديمقراطية ونشر ثقافة ديمقراطية في المجتمع بدءً من الاحزاب السياسية ذاتها، اذ لا يمكن تصور نظام سياسي ديمقراطي دون وجود احزاب سياسية ديمقراطية.
لعله من المهم أن نضع هنا اهم المعايير التي يتوجب اعتمادها في أحزاب سياسية ديمقراطية، بما يتناسب مع خصائص المجتمع الليبي:
أولا: ألا يتبني الحزب العنف وألا يحرض على الكراهية او التمييز العرقي والقبلي والجهوي بين أفراد وفئات المجتمع. وأن يرسخ ثقافة الاختلاف، واحترام الرأي الآخر المختلف في المواقف السياسية وعدم اقصائه أو السعي لاحتوائه بالابتزاز أو الترهيب أو التغييب أو الإنكار.
ثانيا: أن تكون المواطنة هي الوحدة الاساسية في بناء الحزب، وأن تكون العضوية في الحزب متاحة أمام جميع المواطنين وفقا للقناعة بسياسة الحزب وبرنامجه وتوجهاته ونظامه الداخلي، من دون أي تمييز أيا كان نوعه أو مصدره.
ثالثا: أن يتبع الحزب الاساليب الديمقراطية والقانونية في الصراع السياسي، والاعتراف بحق الأحزاب الاخرى في التنافس للوصول إلى السلطة وتداولها. وأن يكون من أهدافه إرساء قواعد الحرية والديمقراطية في بنية الحزب وفي الحياة السياسية، وترسيخ الممارسة الديمقراطية في النظام السياسي.
رابعا: أن يتبنى أساليب التجديد والتدوال في مواقع المسؤولية في الحزب، وذلك من خلال انتخابات دورية تنافسية تعكس مشاركة قاعدية منتظمة في اختيار قياداته.
خامسا: أن يكون الحزب شفافا فيما يتعلق بموارده المالية بتبيان مصادرها وكيفية توظيفها في تحقيق برامجه المعلنة، واعلانها بشفافية، أمام أعضائه والدولة والمجتمع.
_______________
المصدر: صفحات التواصل الاجتماعي