استهلت الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أنه بعد مرور ما يزيد قليلًا عن عقد من الزمان على اندلاع انتفاضات الربيع العربي، التي أطاحت عددًا من الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط وتسبَّبت في إغراق أنظمة أخرى في حالةٍ من (الفوضى)، بدأت الأوضاع تسْتَتِب لنظامٍ استبدادي جديد في المنطقة، وصمدت مصر وتونس، أول دولتين تخلصتا في عام 2011 من أنظمتهما المستبدة التي حكمتهما لمدةٍ طويلةٍ، أمام رياح الانقلابات التي هبَّت عليهما وأعادتهما إلى الحكم الاستبدادي، وبسبب الانقلاب، خرجت السودان، التي كان عليها الانتظار حتى عام 2018 حتى تنجح ثورتها، أيضًا عن مسار تحوِّلها إلى الديمقراطية الذي كان واعدًا.

وفي الوقت نفسه، وسَّعت إيران نطاق نفوذها في الشرق الأوسط، خاصةً في العراق ولبنان واليمن، بينما زادت الصين وروسيا وتركيا ودول الخليج من نفوذها في عددٍ من أضعف دول المنطقة؛ وأخيرًا، عاد نظام بشار الأسد الوحشي في سوريا إلى الزُمرة العربية بفضل هذه الاتجاهات جزئيًّا.

العالم العربي والانسحاب الأمريكي

تقول الكاتبة إن هذا مجرد فصلٍ واحدٍ من قصة ردِّ الفعل المضاد للأنظمة الاستبدادية، فبعد شعورها بالفزع إزاء مشاهد غير مسبوقة للمواطنين الذين نزلوا إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم، لجأت الأنظمة الاستبدادية، التي نجَت من الموجة الأولى من الربيع العربي، إلى الترهيب تارةً بقمع هؤلاء الذين انضموا إلى الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية، وإلى الترغيب تارةً أخرى بالعطايا والهِبات لكسب هؤلاء الذين يفكرون في تأييد موجة الاحتجاجات، وخير نموذج على هذا النهج، ما فعلته البحرين من تقديم وعود بزيادة معدل الوظائف والأجور في أوائل عام 2011، والاعتداء فيما بعد على المتظاهرين في العاصمة البحرينية المنامة، بدعم من قوات السعودية، وتعرضت بعض دول المنطقة بعد ذلك لحملات قمع أكثر وحشية أسفرت عن نزاعات أهلية في ليبيا وسوريا واليمن، وشهدت دول أخرى، مثل الأردن والمغرب، حركاتٍ احتجاجية معتدلة مع ممارسة السلطات مزيجًا من القمع والاستقطاب؛ وفي وقتٍ لاحقٍ، تمكن الزعماء الاستبداديون من استعادة السلطة في مصر والسودان وتونس.

وتضيف الكاتبة: تعود قصة عودة ظهور الاستبداد المنتشر في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وما نتج عنه من تحوُّلات جيوسياسية، وقد سَعَت الإدارات الأمريكية الثلاث الأخيرة، خاصةً الإدارتين الأخيرتين، إلى تقليص الالتزامات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط مع الحفاظ على تركيز واشنطن الراسخ على ما تسميه (مكافحة الإرهاب) بحسب ما تعرفه الولايات المتحدة الأمريكية له، وأدَّى ذلك إلى إضعاف النفوذ الأمريكي في المنطقة وباتت الولايات المتحدة أكثر تسامحًا مع الشركاء المستبدين طالما أنهم يدعمون أولوياتها الأساسية، وأدَّى ذلك أيضًا إلى إفساح المجال أمام الصين وروسيا وبعض القوى الإقليمية، مثل إيران والسعودية وتركيا ودول الخليج للقيام بنشاط إقليمي أكبر، إذ تتصور جميع هذه الدول أن مصالحها الوطنية تمتد إلى ما هو أبعد من حدودها.

وترى الكاتبة أنه نتيجةً لذلك، عادت الأنظمة الاستبدادية القديمة بصورة جزئية، مع استثناء المساومة (الاستبدادية) التي قبِلها السكان على مضض، والمتمثلة في تحقق ازدهار اقتصادي بدلًا من الحرية السياسية، وتشن الحكومات الاستبدادية في جميع أنحاء المنطقة حملات قمعية ضد حقوق الإنسان والديمقراطية، لكنها في المقابل لا تستطيع أن توفر إلا قليلًا من الوظائف أو الفرص الاقتصادية الأخرى، وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب في أوكرانيا، مما أدَّى إلى تحسين الآفاق الاقتصادية القصيرة الأمد لبعض الحكومات الاستبدادية في الشرق الأوسط، لا تزال حكومات عديدة تعاني من تداعيات جائحة كوفيد-19 وتواجه اتجاهات اقتصادية طويل الأجل غير مواتية، ومنها أزمة مناخية تلوح في الأفق ستُلحق بهذه الدول أضرارًا بالغة أكثر من غيرها، ولا تُمثل الأنظمة المستبدة القابضة على السلطة حاليًا في الشرق الأوسط أنظمة سلطوية جديدة ومستقرة، لكنها أنظمة هشَّة يُمكن أن تتصدع في المستقبل القريب.

الشتاء العربي

تشير الكاتبة إلى أن السنوات التي تلَت انتفاضات الربيع العربي في 2011 كانت مخيبة لآمال أنصار الديمقراطية، ولم يقتصر الأمر على اندلاع حرب أهلية في ليبيا وسوريا واليمن فحسب، بل فضَّلت معظم الحكومات، التي ظلت مستقرة في السلطة، ممارسة القمع والرقابة بدلًا من إجراء أي إصلاحات؛ إذ عملت الحكومات في الجزائر والبحرين ومصر والأردن والمغرب وعمان والسعودية والسودان وتونس وغيرها، على تقويض الحريات الأساسية وقمع المجتمع المدني، وشنَّت هذه الحكومات حملات اعتقالات واسعة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، وسحبَت الجنسية من منتقديها، كما فعلت البحرين، ولا تزال هناك حكومات كثيرة تستخدم جائحة كوفيد-19 بوصفها ذريعة لفرض حظر تجوال وقيود على الحركة وزيادة الرقابة، واستخدمت دولة الإمارات تطبيق «تيك توك» للتجسس على ملايين الأشخاص.

وفي العام الماضي2021، كانت الانقلابات التي وقعت في دولتين بالشرق الأوسط سببًا في إثارة تساؤلات حول قصص النجاح الوحيدة المتبقية في المنطقة من الربيع العربي، وفي يوليو (تمُّوز) 2021، علَّق رئيس جمهورية تونس، قيس سعيد، أعمال البرلمان وأقالَ رئيس الوزراء وأعلن أنه سيحكم البلاد بمرسوم قانوني، وأمر أيضًا باعتقال عددٍ من النواب والصحافيين الذين انتقدوا تصرفاته، وفي أكتوبر (تشرين الأول)2021، استولى اللواء عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، على السلطة في السودان بصورةٍ مماثلةٍ، وأقال الحكومة الانتقالية وعيَّن حكومةً جديدةً، ومنح الأجهزة الأمنية سلطات استثنائية جديدة لملاحقة المواطنين السودانيين الذين يعترضون على الحكم العسكري.

وتابعت الكاتبة موضحةً أن الانسحاب الأمريكي التدريجي من الشرق الأوسط عزَّز نزعة المنطقة نحو الاستبداد، وعلى مدار العقد الماضي، تخلت واشنطن عن أهدافها المتمثلة في إرساء دعائم الديمقراطية والتحول الإقليمي، وحل محل ذلك مجموعة أكثر تواضعًا من الأولويات، مثل ضمان الاستقرار الإقليمي ومنع إيران من امتلاك سلاح نووي و(مكافحة الإرهاب) – بحسب ما تعرفه الولايات المتحدة الأمريكية- الذي يهدد الأراضي الأمريكية. إن تقليص الوجود الأمريكي في المنطقة منحَ القوى الإقليمية حيِّزًا أكبر للعمل على تحقيق مصالحها الاستبدادية، ولم يكن مستغربًا أن تكون الأولوية لدى هذه القوى لبقائها وليس لتحقيق رفاهية الشعوب.

ومع انسحاب واشنطن من المنطقة، تحركت روسيا والصين أيضًا لملء بعض الفراغ، مما يُنذر بتحويل الشرق الأوسط إلى ساحة منافسة بين القوى العظمى، وأصبحت موسكو منخرطة بشدة في الحرب السورية تحديدًا، وأحرزت نتائج دبلوماسية وعسكرية مهمة بتكلفة منخفضة نسبيًّا، وزادت أيضًا من نفوذها في مناطق أخرى من العالم العربي، وخاصةً شمال أفريقيا، إذ استخدمت صفقات الأسلحة والمرتزقة لتعزيز مصالحها؛ وصحيحٌ أن الحرب في أوكرانيا حوَّلت اهتمام موسكو إلى الوطن، لكن سيكون من السابق لأوانه توقُّع أن تدير روسيا، التي تعاني من ضغوط عسكرية ومعزولة دوليًّا، ظهرها للشرق الأوسط.

ومن جانبها، سعت الصين إلى تعميق علاقاتها مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ وسَّعت الشراكات الاقتصادية والتجارية وشيَّدت البنية التحتية وعقدت صفقات في مجال الطاقة والتمويل، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات للتكنولوجيا، وأبرمت الصين اتفاقيات دبلوماسية متعددة الأطراف، ومنها منتدى التعاون الصيني العربي، بالإضافة إلى الاتفاقيات العسكرية الثنائية مع مصر وإيران والسعودية.

وتضيف الكاتبة: رحَّبت الحكومات العربية بتنامي وجود الصين في المنطقة، ويعود ذلك نوعًا ما إلى أنه يسمح لها بتنويع علاقاتها مع القوى العظمى مع انسحاب الولايات المتحدة، والسبب الآخر أن بكين تشارك هذه الحكومات العربية بُغْضَ القيم الديمقراطية.

تقويض التجارب الديمقراطية

تلفت الكاتبة إلى أن هناك مجموعة من الدول المتوسطة أصبحت أيضًا أكثر نشاطًا في تأمين مصالحها في المنطقة، وأصبحت الإمارات، التي كانت سابقًا طرفًا إقليميًّا صغيرًا نسبيًّا، حاليًا لاعبًا مؤثرًا في مصر وليبيا والسودان وتونس واليمن ومنطقة القرن الأفريقي، ولطالما قدمت دعمًا ماليًّا وسياسيًّا للحكومات الاستبدادية والقوات المسلحة التي تقاتل بالوكالة على حساب الرؤساء المنتخبين ديمقراطيًّا أو الإصلاحيين، وعلى نحو مماثل، أصبحت تركيا، التي كانت تسعى منذ عقد واحد فحسب إلى توثيق العلاقات مع أوروبا، حاليًا لاعبًا مؤثرًا في شمال أفريقيا والشام، وتكسب تركيا منطقة نفوذ تتمدد باستمرار من خلال دعم قوى الإسلام السياسي -بحسب الكاتبة- المتحالفة معها في ليبيا والصومال وسوريا واليمن، وانضمت قطر إلى ذلك، ومعها السعودية، التي تستخدم منذ أمدٍ بعيدٍ دولاراتها النفطية لشراء النفوذ في المنطقة، وبطبيعة الحال، تواصل إيران استغلال الانقسامات التي تعاني منها عدة دول عربية لتعزيز نفوذها.

ولم يكن من المستغرب أن تسعى السلطات الاستبدادية وراء مصالحها في الخارج أكثر فأكثر، وفعلت ذلك في أحيانٍ كثيرة على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان، وخلف ستار تحقيق «الاستقرار»، أسهمت الأنظمة الاستبدادية في تفتيت بعض الدول وقوَّضت التحولات الديمقراطية في دولٍ أخرى، وكان آخرها السودان وتونس، حيث تلقى قادة الانقلاب فيهما دعمًا من بعض دول الخليج، وبدأت قوى إقليمية أخرى، مثل مصر والأردن والإمارات، في تطبيع العلاقات مع نظام الأسد في سوريا، على الرغم من اتهامه بارتكاب جرائم حرب، وكان مبررها المعلن لفعل ذلك هو كبح جماح النفوذ الإيراني في بلاد الشام.

ليست حرة وليست مستقرة

تُنوِّه الكاتبة إلى أن المواطنين في الشرق الأوسط الراهن مطلوب منهم حاليًا مرةً أخرى الاختيار بين الحرية والاستقرار، ولكن على عكس الجيل الأخير من الحكام المستبدين العرب، الذين يمكنهم، على الأقل، (الادِّعاء) بتوفير مزايا اقتصادية واجتماعية مقابل رضوخ سياسي، لا يمكن للمجموعة الجديدة من الحكام المستبدين العرب أن تقطع وعودًا بتحقيق الازدهار أو الاستقرار، وفي مواجهة الرياح الاقتصادية المعاكسة المتزايدة، وبعضها بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19، وبعضها الآخر بسبب اتجاهات الطاقة والمناخ غير المواتية على المدى البعيد، أصبحت الدول العربية غير قادرة على نحو متزايد على الوفاء بالصفقة الاستبدادية.

ويعاني كلٌّ من لبنان والعراق من ضائقة اقتصادية شديدة، وتغرق ليبيا وسوريا واليمن في حربٍ أهلية وتواجه أزمات إنسانية خطيرة، وحتى الدول المستقرة نسبيًّا، مثل مصر وتونس، تعاني اقتصاديًّا، بينما أصبح لزامًا على دول الخليج، التي كانت غنيةً في السابق، أن تستعد للتعامل مع نهاية وشيكة لعصر النفط، وقد يكون الغزو الروسي لأوكرانيا قد منحَ دول الخليج فترة راحة مؤقتة، لكن أنظمتها الريعية ستصبح في نهاية المطاف غير مستدامة، وفي جميع أنحاء المنطقة، ترتفع نِسَب الدَّين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بينما ينخفض ​​الإنفاق على الخدمات العامة.

ونظرًا لأن بعض الحكومات العربية تفتقر إلى وسائل استمالة المجتمع وإغرائه، فقد بدأت في تنفيذ مشروعات عملاقة تهدف إلى استعراض قوة الدولة وعظمتها دون توفير خدمات فعلية، والمثال الأبرز على ذلك هي مصر، إذ قد تصل تكلفة العاصمة الإدارية الجديدة، المملوكة أصلًا للقوات المسلحة ووزارة الإسكان، إلى أكثر من 60 مليار دولار؛ وأدَّى الإنفاق العام على هذا المشروع وغيره من المشروعات القومية التي تهدف إلى الإيهام بتحقيق التقدم إلى ارتفاع نسبة الدَّين العام في مصر إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى معدل فلكي يُقدر بنحو 88%، وبدرجة أقل، تبنَّت الحكومة التونسية أيضًا السياسات القائمة على الرمزية مع التغافل عن الحقائق الاقتصادية، مما أدَّى إلى تأجيج السخط الشعبي الذي يجسِّد بطريقةٍ ما الحالة المزاجية الوطنية للشعب في الفترة التي سبقت الثورة التونسية في عام 2010.

الشرق الأوسط بين الحرية والاستقرار

يُؤكد المقال على أن التحديات البيئية، ومنها ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه، ستجعل من الصعب على الدول العربية تنمية اقتصاداتها وإعالة مواطنيها، وترتفع درجة حرارة منطقة الشرق الأوسط بمعدل يبلغ ضعف المعدل العالمي، مما يُؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي وزيادة الهجرة إلى المناطق الحضرية، والتنافس على الموارد، وتوجد في منطقة الشرق الأوسط 11 دولة من أصل 17 دولة هي الأكثر معاناة من الشح المائي في العالم، وأفاد البنك الدولي أن ندرة المياه ستُكلِّف الحكومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما بين 7 و14% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050.

ويُجبر التصحر المتزايد والجفاف الناس على الذهاب إلى المدن، مما يؤدي إلى الضغط على البنية التحتية وزيادة التوترات بين طوائف المجتمع، فعلى سبيل المثال، دفع الجفاف في الفترة ما بين عامي 2007 و2010، حوالي 1,5 ملايين شخص من شمال شرق سوريا إلى التوجه نحو غرب البلاد، مما أسفر عن زيادة هائلة في عدد سكان الحضر.

وتقول الكاتبة: صحيحٌ أن هذا الضغط على البُنى التحتية لم يُؤدِّ إلى اندلاع انتفاضة مثل 2011، لكنه تسبَّب في تدهور الظروف المعيشية سريعًا وأجَّج السخط الشعبي، وفي الوقت الحاضر، باتت الصراعات في ليبيا وسوريا واليمن سببًا في تدفق اللاجئين إلى العراق والأردن ولبنان والصومال وتونس وتركيا، الأمر الذي تسبب في التنافس على الموارد الشحيحة مع مكافحة السلطات المحلية لاستيعاب الوافدين الجدد، ومع مرور الوقت، أصبح من المؤكد أن هذه الضغوط السكانية ستؤدي إلى تأجيج السخط السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

ونظرًا لأن الدول العربية عاجزة عن إعالة مواطنيها، ازداد اعتمادها على الترهيب، وهذا بدوره، عزَّز ثقافة الإفلات من العقاب على مستوى المنطقة، وبينما تشرع الدول العربية في استعادة العلاقات مع نظام الأسد في سوريا إلى طبيعتها، يبدو جليًّا أنها لا تهتم بمحاسبة المسؤولين السوريين على جرائمهم المروِّعة، ولا يبدو كذلك أن هناك اهتمامًا كبيرًا بحل مشكلة اللاجئين، التي قد يستخدمها النظام السوري وسيلةَ ضغط لتسريع تطبيع العلاقات، وما دام نظام الأسد سيظل في السلطة دون حلٍّ سياسي موثوق، فلن يتمكن ملايين اللاجئين من العودة إلى وطنهم، وطالما أن المسؤولين السوريين يفلتون من العدالة، فلن تتوقف الأنظمة الاستبدادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه عن ارتكاب جرائم مماثلة ضد شعبها.

نظم استبدادية غير مستقرة

توضح الكاتبة أن النظام الاستبدادي الجديد الجاثم على السلطة في الشرق الأوسط قُدِّر له أن يكون غير مستقر، وبعيدًا عن نظام «الاستبداد المستدام» الذي عاينه عديد من الباحثين في المنطقة قبل انتفاضات 2011، فمن المحتمل أن يُؤدي المزيج الحالي من القمع الداخلي والظروف الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة والتدخل الدولي في العواصم العربية إلى مزيدٍ من عدم الاستقرار واندلاع مزيدٍ من أعمال العنف وعودة (التطرف).

وتكافح الحكومات الاستبدادية في الشرق الأوسط، التي انتشر فيها الفساد وسوء الإدارة وعصفت بها ظروف اقتصادية عاتية، من أجل تحقيق فوائد اجتماعية واقتصادية كانت تُهدئ من سخط الشعوب سابقًا، وتُؤدي الجهات المسلحة، سواءً كانت أجهزة الأمن القومي أو الميليشيات الخاصة، دورًا أكثر أهمية من الناحية الاقتصادية والسياسية من أي وقت مضى في عدة دول، وفي الوقت نفسه، يتعرض أغلب المواطنين إلى ضغوطات بسبب العنف المتزايد من ناحيةٍ والموارد المتضائلة من ناحيةٍ أخرى، بالضبط كما كان الحال قبل اندلاع انتفاضة الربيع العربي في عام 2011، وكما كان الحال في العراق وسوريا، قبل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية .

وتختتم الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أنه بخلاف هذه الأوضاع السياسية، صعَّدت روسيا والصين من التوترات بين القوى العظمى، وأجَّجت إيران ودول الخليج الصراع بينهما، وزوَّدت طوائف المجتمع المختلفة بالأسلحة سعيًا وراء كسب مزيد من النفوذ الإقليمي، ويستشيط أهل السنة في جميع أنحاء الشرق الأوسط غضبًا من سياسات إيران التوسُّعية، بعدما شاهدوا القوات السورية المدعومة من إيران وروسيا والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش يُدمرون أربع مدن سنيَّة، وهي الموصل والرقة وحمص وحلب، ويجب ألا يطمئن أحد للتحول نحو النظام الاستبدادي في الشرق الأوسط، بل يجب، بدلًا من ذلك، أن يكون هذا التحوُّل تحذيرًا لعدم استقرار أكبر في المستقبل.
________________

مقالات مشابهة