نخبة من الكتاب
من حكم الحزب الواحد إلى حياة سياسية مزدحمة بالأحزاب وأشباهها وتعددية فائضة عن الحاجة تفتقر في بعض البلدان إلى ممارسة سياسية سليمة تجدد نفسها بانتظام ومن ساحة سياسية تتميز بالتعددية الحزبية، إلى حالة من التشظي الحزبي تشبه ما يسببه الانفجار وتوابعه.
حالتان سياسيتان عربيتان بامتياز:
الأولى شهدتها دول أصيبت بعقم تاريخي (وعسكري وأيديولوجي) كبّل العمل السياسي فيها،
والثانية عصفت داخل دول أخرى بنت أنظمتها فوق قاعدة ديمقراطية… رخوة.
وفي كلتا الحالتين، كانت التجربة الديمقراطية العربية تصاب بخلل من صلب تكوينها.
فالتجربة الحزبية في العالم العربي، سواء بوحدانيتها الضامرة، أو بتعدديتها الطاغية، تدل على الصحة والمرض في الوقت عينه. فبقدر ما تكون الأحزاب، بمختلف منطلقاتها وميولها، ضرورية لضخ الحيوية الخلاقة في الحياة السياسية، فإنها في العالم العربي كانت سبباً ونتيجة لحال من الفوضى الفتاكة، أدت إلى انفضاض الناس عن التحزب، والتشكك بالمبدأ الديمقراطي نفسه، بالتالي تبلور رأي عام سلبي.
أغلب الأحزاب العربية غذّت الصراعات الوطنية، أو كانت وقوداً لها، وبعضها حمل رايات أيديولوجية سرعان ما تنكّر لها، وأحزاب أخرى اكتفت بالحضن الأقلوي، فيما راهنت أحزاب كثيرة على النزعة الشخصية لبناء زعامة فردية تومض للحظة وتنطفئ إلى الأبد.
***
هذه الجولة على واقع حال الأحزاب العربية، تنطلق بها “اندبندنت عربية” إلى كل من، الأردن، والجزائر، وتونس، ولبنان، والعراق، وليبيا، والسودان، لتخلص منها إلى رسم خريطة ليست للأحزاب العربية، وإنما للبيئة التي ينشط فيها العمل الحزبي داخل البلدان المذكورة.
الجزء الأول: الأحزاب الأردنية واللبنانية والتونسية
أولا: الأحزاب الأردنية .. ترف سياسي يراوح مكانه
بعد عقدين من مرحلة الأحكام العرفية عادت الحياة السياسية للأردن عام 1989، ومنذ ذلك الوقت كثرت الأحزاب في البلاد على نحو لافت من دون أن تتلمس طريقها نحو التأثير.
وفي عام 1927 انطلق حزب الشعب كأول حزب أردني، ثم توالى ظهور الأحزاب السياسية وأبرزها آنذاك جماعة “الإخوان المسلمين” عام 1943، و“الحزب الشيوعي الأردني” عام 1951، و“حزب التحرير“، و“حركة القوميين العرب“، و“الحزب الوطني الاشتراكي” الذي شكل الحكومة الحزبية الأولى والوحيدة في الأردن عام 1956.
تسع وأربعون حزباً
اليوم وبعد 30 عاماً من الحياة الديمقراطية في الأردن، انتعشت الأحزاب الأيديولوجية والقومية والأممية والدينية، ووصل عددها إلى 49 حزباً، من دون ثقل حقيقي على الأرض ومن غير قاعدة شعبية عريضة.
ومنذ صدور قانون الأحزاب في الأردن عام 1992، تحاول التيارات الحزبية أن تحجز لها موطئ قدم في الحياة السياسية والبرلمانية على الرغم من ضعف حضورها في الشارع وعدم قناعة الأردنيين ببرامجها السياسية والاقتصادية.
وعلى الرغم من تخصيص وزارة لشؤون الأحزاب، فإن الحياة السياسة في الأردن لا تزال ضعيفة وتراوح مكانها، وسط عزوف شعبي وشيطنة حكومية، حيث ظلت السلطات الرسمية تحارب انتماء الشباب للأحزاب والعمل الحزبي في الجامعات إلى عهد طويل.
ترف سياسي
بحسب تقرير للمركز الوطني لحقوق الإنسان، فإن عدد المنتسبين للأحزاب في الأردن لا يزيد على 35 ألف شخص، لا تتجاوز نسبة الشباب منهم 36 في المئة من عدد المنتسبين.
وفيما تعد الأحزاب مكوناً دستورياً لا غنى عنه في الدول المتقدمة، يبدو الأمر مجرد ديكور وترف سياسي، كما هي الحال في الأردن فلا مشاركة سياسية ولا تداول للسلطة.
تفسّر النائب السابق عبلة أبو علبة قلة عدد الأردنيين المنتمين للأحزاب وضعف العمل الحزبي، بالتشريعات والقوانين الحكومية التي تحارب الأحزاب، من قبيل منع توظيف من ينتمون للأحزاب في وظائف حكومية أو مضايقتهم، ومنع النشاطات الحزبية وفق قوانين عدة، من ضمنها قانون منع التجمعات الذي أصبح سيفاً مسلطاً على الحزبيين وأداة لدى الحكومات.
بينما يرى فاخر دعاس، رئيس الحملة الوطنية لحقوق الطلبة، أن العمل الحزبي ينشط في الجامعات، لكن ثمة تضييقاً حكومياً عبر توقيع طلبة المنح الجامعية على تعهدات بعدم المشاركة في أي نشاطات سياسية، ويعد مخالفة دستورية صريحة للمادة 16 من القانون.
تجربة تراوح مكانها
ويلقي حزبيون باللائمة على قصور القوانين الخاصة بالأحزاب، وضعف الأخيرة في إقناع القواعد الشعبية ببرامجها السياسية، وضعف التواصل مع الجماهير. ويرفض وزير الشؤون السياسية والبرلمانية موسى المعايطة الاتهامات التي تكال للحكومة بشيطنة للعمل الحزبي، معتبراً أن الأحزاب ليست فاعلة في الشارع وبحاجة إلى مراجعة مسيرتها.
وتراجع التمثيل الحزبي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة على نحو كبير، حيث اقتصرت أعداد مقاعد الأحزاب مجتمعة في البرلمان الأردني على 12 مقعداً، على الرغم من مشاركتها الواسعة.
ووفقاً لوزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، فإن نسبة ما حصلت عليه الأحزاب هو تسعة في المئة من إجمالي المقاعد، فيما حصل المستقلون على الباقي، ولم تتمكن سوى أربعة أحزاب من الحصول على مقاعد في البرلمان على الرغم من مشاركة 47 حزباً.
طابع شخصي
كل هذا التراجع توازى مع بداية ما يسمى “الربيع العربي” على الرغم من تصريحات للعاهل الأردني يدعو فيها الشباب للانخراط في الحياة السياسية، لكن في وقت لاحق بدأت مرحلة حل الأحزاب والتجمعات السياسية، كما حدث مع حزب “الشراكة والإنقاذ“، وحتى مع جماعة “الإخوان المسلمين“، فيما حلت أحزاب تحت التأسيس نفسها كـ“حزب التيار المدني“.
ويرى الباحث والكاتب سامر خير، أن هناك ضعفاً لدى هذه الأحزاب في التنظير الفكري، وضعف عدد كبير من قياداتها سياسياً وفكرياً وتنظيمياً، مضيفاً أن كثيراً من هذه الأحزاب تتخذ طابعاً جهوياً وشخصياً، فضلاً عن عدم ميلها للاندماج وتشكيل أحزاب كبيرة وقوية، وعدم قدرتها على توفير مصادر دخل لعملها.
بينما يقول مراقبون آخرون، إن الفشل سببه وزارة التنمية السياسية التي عجزت عن تسويق الحياة الحزبية بين الأردنيين، بخاصة في المدارس والجامعات، ولم تقم بدورها المنوط بها.
***
ثانيا: الأحزاب اللبنانية .. ديمقراطية في غياب الدولة
وعلى الرغم من صغر مساحة لبنان الذي لا يتجاوز عدد سكانه مدينة واحدة في الدول الكبرى، تتزاحم فيه عشرات الأحزاب لاستمالة الرأي العام وحجز المقاعد في المجلس النيابي. وفي معظم دول العالم الديمقراطي تجمع الائتلافات الحزبية عدداً من التيارات والأحزاب المتقاربة أيديولوجياً، مثل ائتلاف أحزاب اليمين أو اليسار، أو محافظين وليبراليين، أما في لبنان فالقضية مختلفة تماماً، حيث يمكن أن ترى أحزاباً علمانية حليفةً لأحزاب دينية متشددة، ولا مانع أن يتحالف تيار يطالب بالإصلاح مع قوى لم تخرج يوماً من السلطة.
وتشير مصادر في وزارة الداخلية اللبنانية إلى أن عدد الأحزاب المرخصة، بلغ 166 حزباً وتنظيماً سياسياً، مؤكدةً أن في مرحلة ما بعد انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، تقدمت عشرات المجموعات بطلبات ترخيص (علم وخبر) لتشكيل جمعيات تنشط في المجال السياسي والاجتماعي، موضحةً أن “قانون الأحزاب اللبناني هو نفسه الذي يرعى تأسيس الجمعيات المدنية صدر منذ زمن العثمانيين في عام 1909، ولا يزال ساري المفعول في غياب تشريع أي قانون جديد“.
وعلى الرغم من تزاحم الأحزاب في المشهد السياسي اللبناني، إلا أن الأحزاب الكبرى تحتل المشهد داخل طوائفها، ففي الطائفة الشيعية تقتصر الدينامية السياسية على ثنائية “حزب الله” و“حركة أمل“، أما على الساحة المسيحية فيتصدر “التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية” المشهد السياسي، في حين يتفرد “الحزب التقدمي الاشتراكي” في تمثيل الطائفة الدرزية، ويُعد “تيار المستقبل” الأكثر تمثيلاً لدى المسلمين السنة.
وفي الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2018، استطاع تحالف الثنائية الشيعية مع “التيار الوطني الحر” انتزاع الأكثرية من تحالف “تيار المستقبل” مع “التقدمي الاشتراكي” و“حزب القوات اللبنانية“، إلا أن الحكومة التي شُكلت عقب تلك الانتخابات ضمت جميع الكتل النيابية قبل الانتفاضة الشعبية، التي أسقطت حكومة “الوحدة الوطنية” حينها وتشكلت حكومة تدعمها قوى الأكثرية النيابية برئاسة حسان دياب، استقالت لاحقاً إثر انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020.
قبل نشأة لبنان
في السياق، تؤكد الباحثة السياسية والجيوستراتيجية رانيا حتّي، أن “لبنان بلد ديمقراطي، وحرية المُعتقد موجودة في الدستور اللبناني، وتعود نشأة الأحزاب في لبنان إلى ما قبل إنشاء لبنان الكبير في عام 1920″، معللةً رأيها بنشأة حزب الطاشناق (حزب أرمني) في لبنان منذ عام 1800.
وحول وجود عدد كبير من الأحزاب السياسية في بلد صغير مثل لبنان، تستشهد حتّي بأستاذ القانون الفرنسي موريس دوفرجيه الذي يقول إن “نشأة كل حزب تحمل بصمته“. وتوضح أنه “منذ السبعينيات، نشأت الأحزاب، ولكنها لم تنشأ كأحزاب سياسية، وإنما كميليشيات، أي أنها تحمل السلاح للوصول إلى السلطة عبر العنف، إلا أنها تحولت لاحقاً إلى أحزاب سياسية.
وهناك أحزاب سياسية نشأت كحزب سياسي وبقيت هكذا“، معتبرةً أن “الأحزاب ظاهرة صحية في المجتمع عامةً، ولكن في لبنان الأحزاب بأغلبيتها طائفية مذهبية، وتأخذ طابعاً مذهبياً حتى لو أنها ذات مضمون عِلماني، ولكن دائماً يُشار إلى الحزب على أساس هويته الثقافية.
وبهذا الشكل تُنتج مُعضلة في لبنان وتخلق نوعاً من المشكلات، لأنه وفقاً للقانون الانتخابي يقوم الناخب باختيار مرشحي الأحزاب، ومرشحو الأحزاب يصلون إلى السلطة والبرلمان“.
أحزاب “القبيلة“
اعتبر أستاذ العلوم السياسية الدكتور خليل حسين، أنه “على الرغم من اعتبار لبنان أحد أعرق الدول العربية في ممارسة الديمقراطية والتجربة الحزبية، إلا أنه لم يستطع أن يقدم تجربة ناجحة“.
وقال إن “الأحزاب اللبنانية تعيش حالة تخبط، وكانت سبباً في تشتيت الجهود والتشويش على الجمهور، وفقدان الالتزام السياسي وضياع الخيارات الصحيحة أمام الناس“.
وأوضح حسين أن “معظم الأحزاب اللبنانية عكست العقلية العشائرية والقبلية الطائفية، وارتبطت بالشخصنة، ولم تعكس المفهوم الحزبي الوطني والمؤسساتي لنمو العمل الحزبي السليم“، لافتاً إلى أن “الأحزاب السياسية تحولت إلى أُطر للطائفية والمذهبية، وعبادة شخصية الزعيم، إضافة إلى خلوها من الممارسة الديمقراطية ضمن إطار العمل الحزبي، وضعف تفاعلها مع محيطها، ومعاناتها من التأزم الداخلي في أطرها التنظيمية، والتناقض البيّن بين الشعارات الحزبية والممارسات الفعلية“.
واعتبر أن “التركيبة الطائفية في لبنان، وموقعه الجيوسياسي في منطقة تتنازعها الحروب والصراعات شكلت عائقاً كبيراً أمام الأحزاب الديمقراطية، لأداء دورها الفاعل في بناء الدولة، وتسببت في تراجع مفهوم الدولة وانعدام الثقة بها أكثر“.
مصنع الحروب
وفي وقت تقع على عاتق الأحزاب السياسية، عملية المشاركة السياسية من خلال غرس مفاهيم ومعتقدات سياسية، وهي تمارس دورها كإحدى أهم ركائز الديمقراطية وقنوات تأطير المشاركة السياسية، يقول خليل حسين، إنه “منذ استقلال لبنان أنتجت الأحزاب اللبنانية حروباً وأزمات سياسية عدة“.
وأشار إلى أن “الحرب الأهلية اللبنانية وما تفرع عنها من حروب مذهبية، فرضت على الأحزاب السياسية اللبنانية ارتباطاً عسكرياً، أغرقها في لجة الصراعات الطائفية التي تحتاج إلى مزيد من الجهد للخروج من لوثتها، في وقت يُنتظر منها أداء مختلف ومقاربة جديدة تحقق هذا الخروج التدريجي.
بالتالي تجديد نخبها السياسية والفكرية، وإفساح المجال أمام جيل جديد للدخول في معتركها، يسهم في تطوير العمل السياسي بما يتماشى مع الثورة العلمية والتكنولوجية، إذ تشهد الأحزاب في لبنان انكفاء هذه الفئة عن العمل المباشر نتيجة الهوة بينهما“.
مجلس إدارة
من جهة أخرى، يرى أستاذ القانون العام في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة بيروت العربية علي مراد، أن “بعد نهاية الوصاية السورية على لبنان، أحكم أمراء الطوائف قبضتهم على السلطة والمؤسسات الرسمية“، موضحاً أن “القرار السياسي اللبناني ليس في المؤسسات الدستورية، فالحكومات باتت وكأنها مجلس لإدارة لبنان“.
ويعتبر مراد أن “الأحزاب السياسية اللبنانية ضربت مفهوم الدولة وحولت النظام إلى فيدرالية طائفية، وأضافت أعرافاً لا وجود لها في الدستور مثل ما بات يُعرف بالفيتو الطائفي أو الميثاقية، وحَصرها بالأحزاب المهيمنة داخل كل طائفة، بالتالي إسقاط المشروعية السياسية عن أي ناشط أو حزبي معارض للأحزاب الكبرى“.
ولفت إلى أن “الممارسة الحزبية في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية أفرغت الانتخابات النيابية من مضمونها، حيث باتت المشاركة محصورة بذات الأحزاب بغض النظر عن نتائج الانتخابات، لا سيما أن الحكومات باتت صورة مصغرة عن الكتل النيابية، بالتالي فقد المجلس دوره في محاسبة السلطة التنفيذية“.
أمراء حرب وزعماء طوائف
وعلى الرغم من مرور أكثر من 30 عاماً، لم يطو لبنان صفحة المواجهات المذهبية بعد انتهاء الحرب الأهلية، إذ شهدت البلاد خلال مرحلة السلم، فترات دامية من الاقتتال، في موازاة المواجهات في البرلمان والحكومة، حول حصص الطوائف، حيث يُعطل البلد لأشهر بسبب الخلاف على تقاسم الحصص في الحكومة، أو على تمثيل الطوائف في القانون الانتخابي، أو حتى على طائفة مدير عام، ما يزيد التساؤلات حول مسؤولية الأحزاب أو إشكالية نظام الحكم في ترسيخ الفكر الطائفي في الحياة السياسية اللبنانية.
ويرى مراقبون، أن الإصلاح الجذري في لبنان غير ممكن، في ظل استمرار النهج السياسي المتبع من قبل الأحزاب اللبنانية، على اعتبار أن تلك الأحزاب التي صنعت الحرب الأهلية، هي نفسها من صنع السلام في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف في عام 1990، وهي نفسها تسببت بالأزمة السياسية والاقتصادية التي يمر بها لبنان حالياً، بالتالي على اللبنانيين الانتقال إلى مقاربة حزبية حديثة بعيدة عن أمراء الحرب الأهلية الذين باتوا زعماء سياسيين للطوائف اللبنانية.
***
ثالثا: كثرة الأحزاب التونسية تعمق الأزمة السياسية
وإلى تونس حيث يفوق عدد الأحزاب 200 حزب، إذ عرفت الساحة السياسية في فترة ما بعد الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي عام 2011، طفرة من حيث عدد الأحزاب، بعد عقود عاشت فيها البلاد في ظل الحزب الواحد.
وفي حين ينظر البعض إلى كثرة الأحزاب على أنها مؤشر على الديمقراطية، إلا أن بعض المراقبين للشأن العام يرون أن تزايد عددها من شأنه تعميق الأزمة السياسية، بخاصة أن بعضها ولد من رحم الانقسامات.
صراعات الأحزاب
في هذا الصدد، يقول رئيس الهيئة السياسية لحزب “أمل“، حديث التأسيس، نجيب الشابي، إن “حرية تأسيس الأحزاب حق يكفله الدستور، بالتالي لا يمكن وضع سقف لعددها“، مشيراً إلى أنه “بالمقارنة مع تجارب أخرى، فإنه خلال أي فترة انتقال ديمقراطي سواء في إسبانيا أو بولونيا أو تونس تكون أعداد الأحزاب بالمئات“.
ويضيف الشابي “نجد في فرنسا التي لديها تقاليد ديمقراطية أكثر من 500 حزب“، مستدركاً “لكن أقل من عشرة منها هي الفاعلة في الحياة السياسية“. ويوضح أن “العدد لا يهم، فأغلب الأحزاب مجرد ترخيص، والفاعلة فعلاً هي التي ستبقى في الساحة“.
من جهة أخرى، يرى الشابي أن الساحة السياسية في تونس “تفتقد إلى أحزاب عصرية، يجب أن تتوفر فيها على الأقل عدة شروط، وهي أن تكون منغرسة في المجتمع، وتملك رؤية وبرنامجاً“.
ويقول، إن “صراعات الأحزاب في تونس على الكراسي عرت حقيقة أنها لا تملك رؤية وبرنامجاً واضحين، يخرجاننا من الأزمة التي نعيشها“.
ديمقراطية عقيمة
من جهته، يرى المحلل السياسي نزار مقني أن “تزايد عدد الأحزاب في فضاء ديمقراطي قد يعد مؤشراً على التعددية“، لكن “إذا كانت الأخيرة عقيمة ولا تسهم في إثراء الجانب الفكري، فإنها تعد عاملاً معرقلاً للفعل السياسي، بخاصة إذا كان ذلك في فترة التحول الديمقراطي وهي سمة مميزة لها“.
ويضيف أن كثرة الأحزاب “تأتي عادة بسبب الانفجار الاجتماعي ودلالة على تعطش الأفراد أو الجماعات أو التيارات الفكرية للتمثل السياسي والتعبير عن الآراء المكبوتة سابقاً“، مفسراً “في تونس نمر بهذا المسار.
ولكن بانتكاسة، إذ إن هذه الكثرة لا تؤدي إلى وجود مشاركة سياسية، بل العكس تماماً، بخاصة أن الفعل السياسي منحصر في فئة احتكرته برسمها علاقات وتحالفات مع طبقة من رجال الأعمال تسعى إلى الحفاظ على نفوذها، ما يعرقل مسار التحول الديمقراطي“.
ويشير مقني إلى أن “ضعف المشاركة السياسية نتاج للنظام الذي أتى به دستور 2014″، مستنتجاً بأن ما تعيشه تونس هو تعدد صوري.
…
البقية في الجزء الثاني
_______________