يرتكز مفهوم الأحزاب على تناقض أساسي؛ إذ يستحيل وصف مكانيكية الأحزاب السياسية وصفاً مقارناً وجدّياً.
فالأبحاث المتخصة السابقة والمتعددة والعميقة، وحدها تتيح يوماً ما بناء النظرية العامة للاحزاب. ولكن هذه الابحاث المتخصصة لا يمكن أن تكون معمقة حقاً ما لم تكن هناك نظرية عامة عن الأحزاب.
ومفهوم الحزب لم يكن بالحاضر قبل الربع الثاني من القرن التاسع عشر. كما لم يكن لكلمة (حزب) المدلولات والمعاني نفسها تماماً المعروفة اليوم.
كانت أغلبية الدراسات الصادرة في الغرب والمتعلقة بالأحزاب السياسية تكتفي، لفترة غير بعيدة، بتحليل عقائدها فقط. وهذا الاتجاه ناتج عن المفهوم الذي ينظر إلى الحزب كجماعة عقائدية. فالأحزاب منظمة من الأفراد يتفقون في الرأي، لهم مصالح مشتركة يسعون الحصول على السلطة وتحقيق برنامجهم. مستعملين كل الوسائل المتاحة لديهم والتي يسنها القانون.
يبدو الحزب السياسي اليوم عاملاً طبيعياً ملازماً لكل نظام سياسي معروف فالحزب السياسي موجودة في أغلب الأنظمة، ويندر أن يكون هناك دولة لا وجود لحزب سياسي واحد فيها.
تعريف الأحزاب السياسية:
صدرت حول هذا المفهوم مؤلفات مهمة وعديدة تدخل في تاريخ الأفكار السياسية أكثر منها في التحليل السوسيولوجي. إلا أن تعريف الحزب، خاصة بعد الخمسينات من القرن العشرين، لم يعد يستند فقط على (العقيدة) حتى في المفهوم الليبرالي نفسه، فباتت الأحزاب السياسية منظمة اجتماعية لها جهاز إداري وهيئة موظفين دائمين، ولها أنصار من أفراد الشعب من بيئات متعددة لهم عادات مختلفة، وهذا التباين بين أبناء الشعب يدفعهم إلى تشكيل الأحزاب السياسية والعمل باسمها لتحقيق أهداف محددة.
وقد عرَّف قاموس لو روبير – le Robert الفرنسي يعرف الحزب بأنه: تنظيم سياسي يقوم أعضاؤه بعمل مشترك لإيصال شخص واحد، أو مجموعة أشخاص، إلى السلطة وإبقائهم فيها بهدف نصرة عقيدة معينة.
أما موسوعة لاروس – La Grand Larousse Encyclopédique فتدخل عنصر المصالح في تعريفها للحزب فتحدده بأنه: مجموعة أشخاص تعارض مجموعة أخرى بالآراء والمصالح.
ويُعرَّف الحزب أنه اجتماع من الناس ينادون، بمذهب سياسي واحد. كما تسعى الأحزاب إلى السيطرة على السلطة، ومن ثم تسخير كافة الإمكانات لتحقيق أهدافها العامة والخاصة، ومن أجل الوصول إلى السلطة تقوم الأحزاب السياسية بأعمال ترمي إلى تحقيق هذا الهدف، وبالمقابل تحقيق خدمات للمجتمع وفقاً للمبادئ التي تتحكم بطبيعة العمل السياسي.
نشأة الأحزاب السياسية:
يعتقد موريس دوفرجيه – Maurice Duverger أن نشأة الأحزاب المعاصرة تعود إلى عام 1850حيث لم يكن قبل ذلك أي بلد في العالم (باستثناء الولايات المتحدة) يعرف الأحزاب السياسية بالمعنى العصري للكلمة. ويرى أن هناك أصلين للأحزاب:
ـ الأصل الانتخابي والبرلماني،
ـ والأصل غير الانتخابي وغير البرلماني أو الأصل الخارجي.
يتبلور الأصل الأول في تكوين الأحزاب من خلال إنشاء الكتل البرلمانية أولاً ثم اللجان الانتخابية في مابعد، وأخيراً يقوم في المرحلة الثالثة تفاعل دائم بين هذين العنصرين. وتكون وحدة العقائد السياسية المحرك الأساسي في تكوين الكتل البرلمانية. ومع ذلك فالوقائع لاتؤكد دائماً هذه الفرضية.إذ يبدو غالباً أن المجاورة الجغرافية أو إرادة الدفاع عن مصالح المهنة (المصلحة المهنية المشتركة) هما اللتان أعطتا الدفقة الأولى، أما العقيدة فجاءت فيما بعد.
وإلى جانب العوامل المحلية الإقليمية والعوامل الإيديولوجية، يجب أن يحسب أيضاً حساب للمصالح. كقيام بعض الكتل بصورة صريحة أوضمنية. بالدفاع عن مصالحها البرلمانية، شأنها في ذلك شأن أي نقابة. والاهتمام بإعادة الانتخاب يلعب هنا بالطبع دوراً كبيرا.
ويكاد نشوء اللجان الانتخابية، الذي جاء كرد على نشوء التكتلات البرلمانية، أن يكون مبادرة من اليسار، لأنه بفضلها، يمكن التعريف بالنخبة الجديدة القادرة على منافسة النحبة القديمة.
وقد اضطر اليمين بحكم الضرورة إلى أن ينشئ بدوره لجاناً انتخابية. ويكفي بقيام هاتين الخليتين الرئيسيتين: الكتل البرلمانية واللجان الانتخابية، أن يقوم تناسق دائم بينهما وأن ترتبطا بروابط منتظمة حتى يتكون منهما حزب حقيقي.
وفي كثير من الحالات، يتم إنشاء الحزب، بصورة أساسية، بفضل مؤسسة قائمة من قبل، وذات نشاط مستقل خارج البرلمان، وعندها يمكن الكلام عن نشأة خارجية للأحزاب.
فتكتل المنظمات التي تعمل على إنشاء أحزاب سياسية كثيرة ومتنوعة. ومثال النقابات هو الأشهر:
والكثير من الأحزاب الاشتراكية مدين لها بوجوده بصورة مباشرة. والحزب الاشتراكي البريطاني هو أكثرها دلالة. فقد ولد على أثر القرار الذي اتخذه مؤتمر النقابات Trades Unions عام 1899 القاضي بإنشاء تنظيم انتخابي وبرلماني يقرِّب من تأثير النقابات العمالية على نشأة الأحزاب، ذلك التأثير الذي تمارسه التعاونيات الزراعية والتكتلات المهنية الفلاحية.
وإذا كانت الأحزاب الفلاحية أقل نمواً من الأحزاب العمالية. إلا أنها أظهرت نشاطاً كبيراً في بعض البلدان. وعلى الأخص في البلدان الاسكندينافية. وفي أوروبا الوسطى. وفي سويسرا وأوستراليا وكندا، وحتى في الولايات المتحدة. ويدل دور الجمعية الفابية في نشأة حزب العمال البريطاني على أثر الجمعيات الثقافية والتكتلات الفكرية في ولادة الأحزاب السياسية.
كما أن هناك أحزاباً سياسية تنشأ على هذا الأساس من إيجاد قاعدة شعبية تمكنه من النجاح في ظل نظام يعتمد الانتخابات طريقاً للوصول إلى السلطة.
كما كان للكنيسة دور أيضاً في إنشاء الأحزاب، كالأحزاب المسيحية اليمينية سنة 1914. وفي ظهور الأحزاب الديمقراطية المسيحية. وبعد النقابات والجمعيات الثقافية والكنائس. يمكننا إدراج جمعيات المحاربين القدامى في ظل التنظيمات الخارجية القادرة على خلق الأحزاب في أوروبا. إذ كان دورها كبيراً عقب الحرب العالمية الأولى. في خلق الأحزاب الفاشية أو الشبيهة بها. ويجب أيضاً ذكر دور الجمعيات السرية والتكتلات والتجمعات الصناعية والتجارية.
ومهما كان أصل الأحزاب ذات المنشأ الخارجي أي خارج الأساليب البرلمانية والانتخابية فإنها ذات صفات تميزها عن الأحزاب التي تحدرت برلمانياً وانتخابياً. وأهم هذه الصفات أن الأحزاب ذات المنشأ الخارجي أكثر مركزية وتماسكاً وانضباطاً من الأحزاب ذات المنشأ البرلماني والانتخابي.
وقد كانت غالبية الأحزاب السياسية حتى عام 1900 ذات نشأة برلمانية، إلا أنه في القرن العشرين أصبحت النشأة الخارجية هي القاعدة في حين ارتدت النشأة البرلمانية طابع الاستثناء.
وتجدر الإشارة، اخيراً إلى الملاحظة التي أبداها جوزف لابالومبارا – Joseph LaPalombara، وميرون واينر – Myron Weiner بالنسبة لنشأة الأحزاب في دول العالم الثالث: بأنه ثمة أنظمة استعمارية كانت قد أقامت في البلدان المستعمرة مجالس تمثيلية، وأحياناً نظاماً انتخابياً محدوداً. وغالباً مارفضت الحركات القومية العمل من داخل النظام البرلماني، واضطرت حركات التحرر الوطني، نتيجة لعداء أغلب النظم الاستعمارية لها، أن تلجأ إلى السرية…
وهناك أخيراً، حالات تظهر فيها أحزاب جماهيرية في غياب كل نظام استعماري أو برلماني. وأشار هذان الكاتبان إلى دور القادة الكاريزميين في نشأة أحزاب العالم الثالث وخصوصية هذه الأحزاب واختلافها الكبير عن الأحزاب الغربية.
تصنيف الأحزاب السياسية:
في البداية يجب علينا أن نذكر أن هناك فارق كبير وجوهري بين أنواع الأحزاب وتصنيف النظم الحزبية، فالأول تصنيف للحزب نفسه من الداخل، أما تصنيف النظم الحزبية، فهو أمر يهدف إلى وصف شكل النظام الحزبي القائم في الدولة.
ولتصنيف الأحزاب بشكل عام يمكننا القول أن هناك ثلاثة أنواع من الأحزاب: أحزاب إيديولوجية، وأحزاب برجماتية، وأحزاب أشخاص.
الأحزاب الإيديولوجية أو أحزاب البرامج: وهي الأحزاب التي تتمسك بمبادئ أو أيديولوجيات وأفكار محددة ومميزة، ويعد التمسك بها وما ينتج عنها من برامج أهم شروط عضوية الحزب. ومن أمثلة أحزاب البرامج الأحزاب الاشتراكية والشيوعية والدينية، إلا أنَّ منذ منتصف القرن الماضي، أصبحت هناك مرونة في التعامل مع الأيديولوجية، فأصبح هناك أحزاب برامج أيديولوجية وأحزاب برامج سياسات عامة، وهذه الأخيرة هي الأحزاب السياسية البرجماتية.
الأحزاب البراجماتية: يتسم هذا النوع من الأحزاب بوجود تنظيم حزبي له برنامج يتصف بالمرونة مع متغيرات الواقع، بمعنى إمكانية تغيير هذا البرنامج أو تغيير الخط العام للحزب وفقاً لتطور الظروف. تتضمن أحزاب المصالح والأقليات
أحزاب الأشخاص: هي من مسماها ترتبط بشخص أو زعيم، فالزعيم هو الذي ينشئ الحزب ويقوده ويحدد مساره ويغير هذا المسار، دون خشية من نقص ولاء بعض الأعضاء له، و هذا الانتماء للزعيم مرده لقدرته الكاريزمية أو الطابع القبلي أو الطبقي الذي يمثله الزعيم، وتظهر تلك الأحزاب في بعض بلدان الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، حيث إنتشار البيئة القبلية، وتدني مستوى التعليم.
وسائل الأحزاب السياسية:
تقوم الأحزاب بتأدية خدمات عامة ليست غاية في حد ذاتها، و إنما هي وسيلة للسيطرة والوصول إلى الحكم، و للأحزاب السياسية وسائل متعددة للوصول لإشباع الرغبات، و تحقيق الأهداف العامة و الخاصة، وأهم هذه الوسائل:
- الوسائل السياسية و تشمل التمثيل النيابي و منافسة القضايا المهمة و الإشراك في الأعمال الإدارية.
- وسائل ربط المصلحة الخاصة للأحزاب بالمصلحة العامة عن طريق التمسك بالشعارات القومية، و تتخذ تلك الأحزاب هذا السلوك لضمان التأييد الشعبي حتى و لو كانت أهدافه هدامة.
- وسائل الاتصال حيث تتبع بعض المظاهر التي تميز الحزب عن غيره من الأحزاب كأن تصدر باسمها صحفا لنشر أفكارها و برامجها.
وظائف الأحزاب:
تعمل الأحزاب السياسية في محيط معقد متشابك بعناصر شخصية و مصالح متعددة للجماعة التي لديها العضوية في تلك الأحزاب، التي تسعى لحماية تلك المصالح عن طريق الوصول إلى السلطة، كما تقوم الأحزاب السياسية بوظائف هامة و متعددة، و أهم هذه الوظائف:
- الوظيفة السياسية، و إثبات فاعليتها يتوقف على قدرة الحزب الفنية في التأثير على جماهير الشعب والتأثر به و مدى علاقته بالمؤسسات السياسية الأخرى في النظام السياسي.
- كما تساهم في تحقيق الوحدة القومية بتقوية الروابط بين الناخبين و الجهاز السياسي.
- كما تعمل بدور الرقابة الفعلي على أعمال الحكومة مما يجعلها مسئولة أمام الشعب.
- تجميع و صياغة الاحتياجات و التحديات التي يعبر عنها أعضاؤها و المتعاطفين معهم.
- القيام بنشاطات اجتماعية و تثقيف الناخبين و المواطنين بشكل عام حول النظام السياسي والانتخابي و تشكيل القيم السياسية العامة.
- موازنة المتطلبات و التطلعات المتناقضة و تحويلها إلى سياسات عامة.
- تحريك و تفعيل المواطنين للمشاركة في القرارات السياسية و تحويل آرائهم إلى خيارات سياسية واقعية.
- إيجاد قنوات لنقل الرأي العام من المواطنين إلى الحكومة.
- استقطاب و تأهيل المرشحين للمناصب التمثيلية.
- تقديم المعلومات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية لعامة الشعب.
- تمكين الجماعات و الأفراد من التعبير عن رغباتهم و معتقداتهم.
______________