أحمد خميس أحمد و مصطفى أحمد فؤاد
الأحزاب السياسية هي التي تقدّم للهيئة الناخبة المرشحين الصالحين لتولي الوظائف النيابية، حيث تسعى البرلمانات إلى حماية مصالح الأفراد والمجتمع الاقتصادية وأهدافه الإستراتيجية والسياسية وبنيانه الاجتماعي وهويته الثقافية والحضارية ومن الطبيعي أن تزداد فعاليات السلطة التشريعية بعدما ترسَّخت أركان الديمقراطية وأصبحت الآلية الحقيقية لاستمرارية وشرعية النظم السياسية.
الجزء الثاني
ثانيًا: دور الأحزاب في تنفيذ السياسة العامة:
وفي هذا الإطار فإن الحكومة تتولى السلطة في الدول الديمقراطية بناءً على انتخابات حرة يفوز بها الحزب أو الأحزاب الحائزة على الأغلبية البرلمانية، حيث تقوم الحكومة خلال فترة ولايتها بتنفيذ سياستها العامة المعلنة في البرنامج الانتخابي الذي انتخبت بناءً عليه، فصارت موكلة من الشعب بتنفيذه، كما تقوم الحكومة في إطار تنفيذ سياستها العامة في الحفاظ على الحقوق والحريات العامة للأفراد والجماعات وحمايتها>
وهنا تسهر الأحزاب من خلال الحكومة على ضمان هذه الحريات واستمرارها بكل الطرق والوسائل الممكنة التي هي في حوزتها لكسب التأييد الجماهيري، وإلا ستنهار شعبيتها، فعلى سبيل المثال ركزت الحملة الانتخابية لدونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري على الفخر الوطني الأمريكي (أعد أمريكا عظيمة مجددًا) بهدف جذب الناخبين.
وبالفعل فاز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، ولكن تنفيذ برنامجه الانتخابي الذي يتمحور حول هذا الشعار واجه العديد من المشكلات التي حالت دون نجاحه بالشكل المطلوب، ففشل ادارته في احتواء وباء كورونا أو تقليل المهاجرين غير الشرعيين على النحو المطلوب على سبيل المثال، مما أدى إلى فشلة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التالية ليخلفه جو بايدن.
كما تسعى النظم الديمقراطية إلى تحقيق المساواة بين الأفراد والطبقات الاجتماعية، حيث تعمل الأحزاب المكونة للحكومة جاهدة لتحقيق ذلك، كما تسعى الحكومة أيضاً نحو تحسين مستويات الحياة لمجتمعاتها، بما يلبي حاجاتهم وحاجات أبنائهم، مما يتطلب ذلك وجود الدعم الاقتصادي الكافي والحرص من قبل الحكومة لتأمين وضمان الحياة الأفضل لمجتمعاتها.كما نجد وزراء ينتمون لأحزاب معينة، ومن خلال مواقعهم يسعون لتطبيق برامجهم الحزبية عن طريق تفسيراتهم للقوانين، إضافةً إلى لجوء بعض الأحزاب إلى تشكيل حكومات ائتلافية عند غياب أغلبية حزبية في البرلمان، وبذلك تلجأ إلى تحالفات ومساومات من أجل إيجاد مصالح مشتركة فيما بينها.
كما تعمل الأحزاب السياسية على تقليل مدى الاستبداد الحكومي، فوجود أحزاب قوية في المعارضة، يفرض على الحكومة العمل بحذر تفاديًا للانتقاد، وربما تأليب الرأي العام عليها، حيث يعمل كل حزب على الحصول على الأغلبية، فيقوم بتصيِّد أخطاء الحكومة لتقليل شعبيتها، ففي الولايات المتحدة في عهد ترامب على سبيل المثال كان مجلس النواب ذي الأغلبية الديمقراطية يقف بشكل شبه دائم ضد سياسات ترامب، ويسعى لإبراز أوجه القصور أو الفشل في إدارته
قد تعمل الأحزاب السياسية على التوسط بين المصالح المختلفة، وقد تتوسط النقاشات بين الديكتاتوريات والقوى المدنية في حالات الانتقال الديمقراطي، فدائمًا ما يكون للأحزاب السياسية علاقات قوية مع غيرها من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية كالجيش، والمجتمع المدني، والبيروقراطيات، وفي حالات الاستقرار السياسي فإن هذه العلاقات توفر المتبادلة بين هذه الأطراف.
ثالثًا: دور الأحزاب في تقييم السياسة العامة:
للأحزاب دور مهم وفعال في تقييم هذه السياسة من خلال التعرف على الانعكاسات الإيجابية والسلبية الناجمة والمترتبة عن تلك السياسة بعد تنفيذها، وأيضاً عن أثر مخرجاتها ومدى فعاليتها وكفاءتها في تحقيق الأهداف المرجوة والمقصودة، فالسياسة العامة لا تحقق مقاصدها وأهدافها بشكل تام وفعلي ما لم تصاحبها عملية هامة وهي “عملية التقييم” التي تقوم على معرفة عملية وحقيقية وموضوعية بالانعكاسات السلبية أو الإيجابية المترتبة عن السياسة العامة وعن تنفيذها، وعن أثر مخرجاتها ومدى فاعليتها أو كفاءتها في تحقيق تلك الأهداف، لأن التقييم الفعَّال والموضوعي والحقيقي للسياسة العامة يُعد أساس نجاحها في تحقيق أهدافها ومقاصدها.
وعليه تعد الأحزاب السياسية أحد الجهات الأساسية التي تتولى عملية تقييم السياسة العامة، وذلك من خلال وجودها في الحكم أو وجودها في المعارضة، فمشاركة الحزب خارج نطاق السلطة تتجسد في قيامه بدور المعارضة، والأحزاب إذا لم تحكم أو لم تشارك في الحكم، فإنها تعارض من يحكم، والمعارضة كصورة للمشاركة الحزبية تتجلى في نقدها لنظام الحزب الحاكم وكشف أخطائه وتحديد مسؤولياته، ومع أن الهدف الأساسي للأحزاب هو الوصول إلى السلطة، إلا أنها تقدم فائدة كبيرة للمواطنين بما تضعه بين أيديهم من معلومات عن نشاطات السلطة الحاكمة في البلاد، يتعذر عليهم الوصول إليها بوسائلهم الشخصية
لذلك يُعد تنظيم المعارضة من أهم الأدوار التي تقوم بها الأحزاب السياسية للتأثير على صنع ورسم السياسات العامة أو تعديلها أو تغييرها، وهذا الدور ليس مجرد مجابهة بين أحزاب الأقلية وحزب الأغلبية، ولكنه دور محدد الأبعاد، يقتضي من حزب المعارضة أن يقوم بتوجيه النقد إلى الحكومة، على أن لا يكون هذا النقد مجرداً، بل مقروناً بالحلول البديلة التي يتضمنها برنامج متكامل يمكن ترجمته إلى قرارات وسياسات نافذة إذا سنحت الفرصة للحزب المعارض أن يتولى الحكم، ولاشك أن قيام المعارضة على هذا النحو، لا يمكن أن يتم إلا إذا استندت إلى ما تتيحه لها النظم الديمقراطية من وسائل تساعد على نجاح المعارضة وعلى الأخص ما تكفله هذه النظم من حماية للحقوق والحريات العامة.
وعند ممارسة الحزب السياسي للرقابة في موقع المعارضة، فإنه يمثل ضغطًا على السلطة التنفيذية وبالتالي يكون مؤثرًا في تشكيل السياسات العامة، وإجراء التعديلات لما يظهر من أخطاء أثناء التنفيذ.
وعلى ذلك العرض المبسط فإننا يمكن أن نستنبط أن الأحزاب السياسية تلعب على عدة أبعاد وهي: البُعد المؤسسي الرسمي في سعيها للهيمنة على المناصب العليا، والبُعد الشعبي عن طريق العمل على التعبئة، والتوعية السياسية، وحشد أكبر عدد من التابعين للفوز بالانتخابات، وكذا البُعد غير الرسمي عند قيامها بالدور الرقابي من موقع المعارضة، وتوفير الضغط على المناصب الرسمية لتغيير أو إقرار سياسة ما.
كما تضمن الوسائل السلمية للأحزاب السياسية وجود رقابة شعبية على السياسات وأعمال الحكومة، كما تقوم بمراقبة بعضها البعض بما يؤدي إلى تكشُّف الحقيقة – إلى حد ما– لدى الشعب، وبالتالي تكوين رأيه.
كما وتبرز أهمية الأحزاب من خلال وظائفها التي تقوم بها، إذ يمكن تحديدها وفقًا للدكتور أحمد تهامي عبد الحي في: –
- تحديد البوصلة والاتجاه للحكومة، وتشكيل الحكومات.
- تقديم بدائل من السياسيات، والأشخاص للناخبين.
- التجنيد السياسي، وإعداد أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية، والتنشئة والتعبئة السياسية.
- تجميع المصالح، وصياغتها، وتنظيمها، وترتيبها في برامج وحزم معينة.
رابعًا: دراسة الحالة المتعلقة بالأحزاب السياسية “حزب العمّال، المملكة المتّحدة”:
يحدّد دليل أنظمة حزب العمّال ما هي البنى والسلطات المسؤولة عن صياغة السياسات ضمن الحزب، أي: المنتدى الوطني للسياسات، اللجنة المشتركة للسياسات، واللجان المعنيّة بالسياسات، مع أنّ مؤسسات صنع السياسات محدّدةٌ بوضوح في نظام الحزب، إلا أنّ النظام يستخدم مصطلحاتٍ أكثر عموميةً لوصف عملية صنع السياسات نفسها؛ فيضمن عمليةً أكثر شمولية بالنسبة للأعضاء، من دون أن يحدّد بشكلٍ واضح ونهائيّ طبيعة هذه العملية.
أفسح هذا الأمر المجال أمام قدرٍ مع من المرونة، وإجراء التنقيحات، ومراجعة عملية صنع السياسات ضمن الحزب، بشكلٍ سمح بتكييفها، وفق رأيٍ قابل للأخذ والردّ، مع الأوضاع الانتخابية على اختلافها.
دورة صياغة السياسات:
1) تصدر في المرحلة الأولى وثيقة عامّة واحدة أو عدة وثائق صغيرة تعرض القضايا أو المواضيع الأساسية التي يتوقّع الحزب معالجتها خلال صياغته السياسات استعداداً للانتخابات القادمة.
2) في المرحلة الثانية، تصدر الوثائق التي توجز السياسات المقترحة بالنسبة للقضايا الأساسية، أي الخيارات المقترحة على الحزب من أجل معالجة كلّ قضية.
3) في المرحلة الثالثة، تصدر وثائق السياسات النهائية، ثم تحال إلى المنتدى الوطني للسياسات كي ينظر في مسألة تعديلها خلال أحد اجتماعاته، ويحقّ لكلّ وحدة حزبية، من خلال ممثّليها في المنتدى الوطني للسياسات، أن تقترح تعديل وثائق السياسات عند هذه المرحلة، وبعد أنّ يعدّل المنتدى هذه الوثائق ويقرّها، تحال إلى المؤتمر الوطني للمصادقة عليها. وما إن يتمّ ذلك، حتى يشكّل المسؤولون برنامج السياسات الخاصّ بالحزب الذي يستندون إليه عند صياغة البيان الحزبي الخاص بالانتخابات المقبلة.
جديرٌ بالذكر أنّ المسؤولين يقومون بتصفية القضايا الراهنة التي تستدعي معالجةً خارج نطاق حلقة المراحل الثلاث، ومن ثم يناقشونها عبر اللجان المعنيّة بالسياسات. وتكون هذه اللجان مسؤولةً عن حثّ أصحاب المصلحة في الحزب على الالتزام بهذه القضايا
ربط أعضاء الحزب بعملية صنع السياسات:
ما زالت قيادة الحزب تحاول إقامة توازنٍ بين عنصرَي الشمولية والفعالية. ففي العام 2008، دُعي أعضاء الحزب الأفراد إلى إرسال تعديلاتٍ محدّدة على وثائق السياسات في مرحلتها الأخيرة، فوصل إلى المنتدى الوطني للسياسات عددٌ هائل من التعديلات.
من التقنيات والأدوات التي يستخدمها حزب العمّال للتشجيع على مشاركة الأعضاء الأفراد ومجموعات أصحاب المصلحة في صياغة سياسات الحزب، نذكر:
التزم الحزب بصياغة وثائق سياسات على قدر من الوضوح والإيجاز والالتزام، وبعقد اجتماعاتٍ أصغر حجماً للمجموعات من أجل مناقشة صياغة السياسات، كلّ ذلك كي يتسنّى للمزيد من الأشخاص فرصة المشاركة في النقاش.
في مؤتمر العام 2007، عدّل الحزب قواعده بحيث سمح لكلّ المنظّمات المنتسبة وفروع الحزب المحلية بطرح قضية معاصرة واحدة على المؤتمر، على أن تكون قضيةً أغفلت تقارير المنتدى الوطني للسياسات أو اللجنة التنفيذية الوطنية معالجتها بشكلٍ متعمّق. فمكّن هذا الأمر القواعد الشعبية من التأثير على برنامج السياسات الخاص بالحزب
تجدر الإشارة إلى أنّ عملية «الشراكة في السلطة» تمكّن الحزب من استشارة منظّماتٍ خارجية بشأن صياغة السياسات، على غرار السكان المحليين، ومنظّمات المجتمع المحلي، والهيئات المهنية، يتيح هذا الأمر للحزب الاستفادة من الخبرات التقنية التي يمكن ألا تكون موجودة في صفوفه الداخلية، ويساعده على التواصل بشكلٍ أفضل مع المنظّمات المرتكزة على الناخبين؛ كما يعزّز، في رأيٍ قابل للأخذ والردّ، ثقافةً أكثر انفتاحاً نحو الخارج ضمن الحزب.
الخاتمة: –
يظهر من هذا العرض الموجز للسياسات العامة والأحزاب الساسي، ودورها في صنع السياسيات، أن الأحزاب السياسية برغم أنها من الفاعلين غير الرسميين، إلا أنها تتمتع بدور مركزي في عملية صنع السياسات العامة، وذلك نتيجة أدوارها ووظائفها في المجتمع، واعتبارها القناة الأساسية التي تربط بين المواطنين والسلطة السياسية العليا، فتعد ظاهرة الأحزاب التي برزت في القرن التاسع عشر ثورة في المجال السياسي، بالنظر إلى تنامي دورها في الحياة السياسية، وباعتبارها فواعل جديدة.
ويمكن القول إنها أضحت إحدى الآليات التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية، فهي إما تعبير عن تعددية ناتجة عن سياسة متوازنة ونابعة من تعددية مجتمعية، وأما أنها تعبير عن نظرة شمولية يحملها حزب لتوطيد سلطة أوليغارشية، كما أن صنع السياسة العامة في الدولة ليست عملية بسيطة بأية حال من الأحوال، بل هي على درجة من الصعوبة والتعقيد، فهي عملية حركية بالغة الحساسية والتشابك، وتشتمل على العديد من المتغيرات والمؤثرات وعوامل الضغط التي يؤدي تداخلها وتفاعلها المستمران إلى إنتاج سلسلة من الأفعال وردود الأفعال، التي تنصرف بدورها إلى كل جوانب العمل داخل النظام السياسي.
***
أحمد خميس أحمدـ باحث سياسي في كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية ـ جامعة الإسكندرية
مصطفى أحمد فؤادـ باحث سياسي في كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية ـ جامعة الإسكندرية
______________
المركز الديمقراطي العربي