أحمد خميس أحمد و مصطفى أحمد فؤاد

الأحزاب السياسية هي التي تقدّم للهيئة الناخبة المرشحين الصالحين لتولي الوظائف النيابية، حيث تسعى البرلمانات إلى حماية مصالح الأفراد والمجتمع الاقتصادية وأهدافه الإستراتيجية والسياسية وبنيانه الاجتماعي وهويته الثقافية والحضارية ومن الطبيعي أن تزداد فعاليات السلطة التشريعية بعدما ترسَّخت أركان الديمقراطية وأصبحت الآلية الحقيقية لاستمرارية وشرعية النظم السياسية.

الجزء الأول

مقدمة

وفقًا لموسوعة بريتانيكا فإن الأحزاب السياسية هي: “جماعة منظمة من الأفراد تهدف لاكتساب وممارسة السلطة السياسية.”، ويعرفها جورج بيردو بأنها: “كل تجمع بين أفراد يؤمنون ببعض الأفكار السياسية، ويعملون على نصرتها وتحقيقها، وذلك بجمع أكبر عدد من المواطنين حولها، والسعي للوصول إلى السلطة، أو على الأقل التأثير على قرارات السلطة الحاكمة.”، أو هي: “جماعة سياسية منظمة لها شعارات وبرامج رسمية، وقادرة على تقديم مرشحين للانتخابات بهدف الوصول إلى السلطة.”، ويعرف الأستاذ موريس دوفرجيه الأحزاب بأنها: “تكتل المواطنين المتحدين حول ذات النظام”.

تُعد الأحزاب السياسية من أهم التنظيمات السياسية التي تؤثر بشكل مباشر على سير وحركة النظام السياسي وضمان استمراره واستقراره، فهي تؤدي دوراً مهماً في تنشيط الحياة السياسية وصارت تُشكل ركناً أساسياً من أركان النظم الديمقراطية، فأداء الأحزاب ينعكس سلباً أو إيجاباً على نوعية الحياة السياسية وعلى مستوى التطور الديمقراطي والتحديث السياسي وفاعلية النظام السياسي الذي يُعدّ انعكاساً للنظام الحزبي السائد في الدولة>

وتُعد الأحزاب إحدى قنوات المشاركة السياسية للمواطن، وكذا إحدى قنوات الاتصال السياسي المنظم في المجتمع، فهي تقوم بالتعبير عن اهتمامات الأفراد وحاجاتهم العامة والعمل على تحقيقها من قِبَل الحكومة، بفضل الضغط الذي تمارسه الأحزاب على صنَّاع السياسة العامة الرسميين، وكذلك نقل رغبات وسياسات الحكومة إلى المواطنين والعمل على تعبئة الجهود والمواقف المتباينة إزاءها، إما دعماً وإما ورفضاً.

ويعدّها علماء السياسة، الركيزة القوية والمنظمة للربط بين القمة والقاعدة وكمحطة اتصال لازمة بين المواطنين والسلطة، فهي تجمع المعلومات وتنقلها إلى السلطة، وكذا تنقل إليها مطالب الشعب. قد تكون الأحزاب مخططاً ومنفذاً للسياسة العامة إنْ وصلت إلى السلطة، وبالتالي ستقوم بتطبيق برامجها عن طريق القوانين التي ستسنها في “السلطة التشريعية” أو عن طريق تنفيذها للقوانين في “السلطة التنفيذية”، أو عن طريق وجودها في المعارضة وهنا قد تقوم باستخدام وسائل وطرق عديدة للضغط والتأثير على السلطة.

 الأحزاب السياسية ودورها في عملية صنع السياسات العامة في الدولة

يشير مصطلح الحزب إلى التعددية، من حيث تباين الأيديولوجيات ووجهات النظر والبرامج والوسائل، وبذلك فإن الحزب بتمثيله للآراء وأفكار معينة تتضافر في شكل متناسق يختلف عن جماعات المصالح، والنقابات والجماعات الأهلية، التي تتبنى أراءً ومصالح ضيقة، فالأحزاب تتنافس وتقتات على السلطة.

والحق أنه عند سعي الأحزاب للوصول للسلطة، فإنها تمارس أدوارًا من شأنها أن تبرز التأثير الجلي للأحزاب على السياسات العامة، كما أنها تعد وسيلة مهمة لنقل تفضيلات الناخبين إلى الهيئات والمؤسسات المنتخبة، ويمكن توضيح الدور الذي تلعبه الأحزاب السياسية في صنع (وفرض) السياسة العامة من عدة أبعاد: –

أولًا: دور الأحزاب في رسم وتخطيط السياسة العامة:

تعتبر السلطة التشريعية في الوقت الحاضر أهم السلطات في الدولة، فهي التي تقوم بسن القوانين أي بوضع القواعد العامة الملزمة للأفراد، وتكون المساهمة في هذه السلطة عن طريق مشاركة الأفراد في الحياة الحزبية والسياسية للدولة، وذلك في إطار المشاركة السياسية التي بواسطتها يتم المشاركة في صناعة القرار السياسي وخاصةً صنع ورسم السياسات العامة التي تهمه وتخصه والتي تهم وتخص المجتمع عامة، وذلك عن طريق التمثيل في المؤسسات السياسية المُنتَخَبة والتي تعبر عن اهتماماته أو جزء منها.

وبشكل عام ارتبط ظهور الأحزاب بظهور الأيديولوجيا الغربية وما رافقها من ديمقراطية نيابية، أدت إلى التكتل داخل المجالس النيابية تبعًا للأفكار الأيديولوجية، وتنوع الوسائل والأساليب لتحقيق أهداف المجتمع، لمحاولة كسب التأييد، مما دفع لظهور ما يُعرف باللجان الانتخابية ارتباطًا بفكر انتخاب الأعضاء، ومن هنا ظهرت الأحزاب السياسية لتقوم بدور الكتل البرلمانية، واللجان الانتخابي.

والبرلمان عبارة عن مؤسسة تتكون من نواب يمثلون جميع شرائح المجتمع وذلك من خلال “الأحزاب السياسية”، فهذه الأخيرة هي التي تقوم باختيار المرشحين إلى المجالس النيابية، وذهب “محمود صبري عيسى” في هذا السياق بقوله: “الأحزاب السياسية هي التي تقدّم للهيئة الناخبة المرشحين الصالحين لتولي الوظائف النيابية، حيث تسعى البرلمانات إلى حماية مصالح الأفراد والمجتمع الاقتصادية وأهدافه الإستراتيجية والسياسية وبنيانه الاجتماعي وهويته الثقافية والحضارية ومن الطبيعي أن تزداد فعاليات السلطة التشريعية بعدما ترسَّخت أركان الديمقراطية وأصبحت الآلية الحقيقية لاستمرارية وشرعية النظم السياسية.

تظهر أهمية الأحزاب السياسية، إذْ تعمل على تمكين الجماعات المختلفة من التعبير عن رغباتها واحتياجاتها ومعتقداتها بطريقة منظمة وفعَّالة تستحوذ على اهتمام صانعي السياسات العامة وضمّها ضمن أولويات الأجندة السياسية، بالتالي على الأحزاب الممثلة في هذه السلطة مناقشتها وايجاد حل لها عن طريق سن قوانين.

وبوجه عام يمكن رصد تأثير الاحزاب السياسية في رسم السياسات العامة من داخل أو خارج إطار البناء السلطوي، حيث تقوم الاحزاب بوظائف أساسية في المجتمع، أبرزها تجميع المصالح والتعبير عنها، والاتصال والربط بين الحكومة والمجتمع بهدف بلورة القضايا العامة الي يتم مناقشتها عند وضع السياسة العامة وإثارة الرأي العام حولها، لذا يمكن رصد تأثير الاحزاب عبر دائرتين أساسيتين: –

دائرة التأثير خارج السلطة:

يقصد بها مجموعة الوظائف السياسية التي تقوم بها الاحزاب خارج الحكم مثل:

  • إثارة الرأي العام حول القضايا العامة، فيعمل الحزب السياسي من خلال أيديولوجيته ومواقفه تجاه السياسات على توجيه الرأي العام لمناصريه، حيث يتبع أنصار الحزب توجهه نحو سياسة معينة أو ضدها في كثير من الأحيان، كما قد يتأثر الحزب بآراء أعضائه ومناصريه، وهو ما ينعكس في تشكيل السياسة العامة وإقرارها، فعلى سبيل المثال قام حزب الخضر في ألمانيا بإثارة الرأي العام حول ضرورة عدم تلويث البيئة في فترة الثمانينيات والتسعينيات، واستمر في تعزيز قضيته حتى وصل إلى المشاركة في حكم عدة ولايات المانية، ووصل إلى الائتلاف الحاكم في 2022، ويضم في عضويته أعضاء من مختلف الخلفيات الإثنية والقومية.

العمل على تعبئة الجماهير، فتساعد الأحزاب السياسية على تعزيز القيم السياسية للأفراد من خلال النص عليها برامجها باعتبارها قيمًا عقلانية، كما تساهم على تعزيز المشاركة السياسية من خلال إضفاء الطابع الاجتماعي على أدوار الأفراد وتعريفهم بكيفية تنظيم الحكومة، وكيف تؤثر الخدمات الحكومية على حياتهم، وكيفية التأثير على إدارة المناصب الرسمية، فيقوم بمهمة التثقيف والتوعية>

ففي جنوب إفريقيا على سبيل المثال قامت الأحزاب الممثلة للأغلبية السوداء بتعبئة الإثنيات التي تدافع عنها مطالبة حكومة الأقلية بالانفتاح الليبرالي، وإضفاء مزيد من الحقوق والحريات على السود، والمساواة بينهم وبين البيض في جنوب إفريقيا، مستغلة زيادة نسبة المتعلمين بين الأجيال الشابة من السود، والتطور المستمر في تلك الفترة في قدرات السود والضغط الدولي، مما دفع الحزب الوطني في النهاية للرضوخ والتفاوض معهم، مما ساهم بشكل كبير في التحول الديمقراطي في جنوب إفريقيا>

ومثال آخر لدور الأحزاب في التعريف بتنظيم الحكومة بل والتجنيد السياسي في المناصب الحكومية، ما حدث في مصر على سبيل المثال من تعزيز الأحزاب السياسية لدور أعضائها الشباب مستهدفة التدريب على القيادة والمشاركة في الفعاليات التي ترعاها الدولة على المستوى الرسمي مثل منتدى شباب العالم.

بلورة المسائل الرئيسية التي تناقش في النظام السياسي، فعملية تنفيذ السياسة العامة هي عملية تحويلها من حالتها الإعلانية (كقرار مثلًا) إلى حالة ميدانية أو فعلية (كعمل تنفيذي)، أي ترجمة ذلك القرار بما ينطوي عليه من أهداف وقواعد ومبادئ إلى خطط وبرامج عمل محددة عن طريق مراحل صنع السياسة العامة، وعلى ذلك فإن للأحزاب السياسية دور جوهري في هذه العملية، إذ أنها تقوم بتحويل طلبات معينة إلى سياسات، وذلك تبعًا لعدد الأحزاب الموجودة في النظام السياسي، سواءً أكان متعدد الأحزاب (فيتبنى الحزب طيفًا ضيقًا من المصالح)، أم نظام حزبين (فيتبنى الحزب سياسات ذات دعم شعبي عريض)، أم نظام حزب واحد (يكون الحزب جهازًا حكوميًا يتبنى أطروحاتها وفلسفتها)>

فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية تدور نقاشات حادة بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي حول قضايا مجتمعية مثل قانون الإجهاض وزواج المثليين، حيث يتبنى كل حزب موقفه بناءً على خلفيته الأيديولوجية المحافظة بالنسبة للحزب الجمهوري، والليبرالية بالنسبة للحزب الديمقراطي، وهو ما انعكس على تبني بعض الولايات التي يغلب عليها الديمقراطيون لهذه السياسيات، فيما لم تقنن ولايات أخرى هذه القوانين.

تستطيع الأحزاب السياسية كذلك التأثير على سير عملية صنع السياسة العامة من خلال العملية الانتخابية، فهي تقوم بتقديم المرشحين (البدائل) على الساحة السياسية، والذين من يتبنون الأيديولوجية أو البرامج الحزبية، وتقوم الأحزاب من خلال قنواتها المختلفة (الجرائدالقنواتالانترنت، وغيرها) بالعمل على توجيه الناخبين إلى صف هؤلاء المرشحين، وهذا ما من شأنه التأثير على صنع السياسات لاحقًا أثناء مناقشتها وإقرارها، أو إقصائها في البرلمان

 كما أن الأحزاب السياسية تقوم بتوفير المعلومات لأعضاء المجالس النيابية بعد، مما يساهم في نقل تصوراتهم عن الواقع الفعلي، وبالتالي التقدم خطوة أخرى في سلم وضع أهدافها على الأجندة، وتنفيذها، وبالتالي فالأحزاب تسعى إلى الحفاظ على متانة علاقاتها مع النواب من جهة، وبين أفراد الشعب من جهة أخرى، لأنه سبيل بقاء وتعزيز الجزب السياسي

فعلى سبيل المثال نجاح مرشحي الأحزاب اليمينية الشعبوية في بعض الدول الأوروبية مثل حزب البديل من أجل ألمانيا أو ازدياد شعبيتها مثل حزب التجمع الوطني في فرنسا يعكس نجاح هذا الحزب في استغلال آليته الدعائية في نشر وجهة نظره حول سياسة الهجرة والإسلاموفوبيا والدين والدولة بين دوائر المواطنين، سينعكس بالضرورة على تبني سياسات معينة سواءً على مستوى برلمانات الولايات أو البرلمان الفيدرالي، أو على الأقل سيثير حدة النقاشات حولها.

دائرة التأثير داخل السلطة:

يقصد بها الأدوار التي تقوم بها الاحزاب لتكوين السلطة أو تحديد بنيتها من خلال اختيار الحاكمين في الترشيح والانتخابات، أو للفصل والجمع بين الوظائف حيث إن عدد وقوة الاحزاب تؤثر في عملية رسم السياسة العامة إلا ان تأثيرها يبقي مرهون بالأنظمة السياسية القائمة.

فعند تولي الحزب السياسي لمقاليد السلطة يكون هو المحور الرئيسي في صنع السياسة، وخاصة في البرلمان، فالعضوية البرلمانية تفرض على العضو التصويت وفقًا للأيديولوجية الحزبية

فعلى سبيل المثال عند فوز حزب المحافظين بالأغلبية البرلمانية في 2019 في بريطانيا قام بطرح البريكست على أجندة البرلمان للتصويت عليها، وللبرلمان عدة وظائف وهي الوظيفة التشريعية وهي سن القوانين والتشريعات والمشاركة في صنع السياسة الخارجية، والوظيفة المالية من خلال القوانين المالية والميزانية، والوظيفة السياسية وتمثل في الرقابة على السلطة التنفيذية واستجوابها، وسحب الثقة من الحكومة أو أحد أعضائها.

قد تقوم الأحزاب بالمبادرة والدعوة إلى وضع السياسات التشاركية عن طريق الحث على وضع السياسيات التي تتماشى وتطلعات الناخبين، وبالتالي توليد النقاش حول السياسات، وتوفير مادة دسمة للإعلام لتغطية القضايا المهمة، وبالتالي يكون منشطًا للحياة السياسية، فعلى سبيل المثال برنامج الرعاية الصحية (أوباما كير) في الولايات المتحدة الأمريكية كان بمبادرة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وحزبه الديمقراطي، والذي استدعى العديد من النقاشات مع الوكالات المعنية لجذب الأنصار لتأييده.

يقوم الحزب بتحديد مسئولية السياسة العامة من خلال برامجه، ومواقفه تجاه السياسات والمشكلات الاقتصادية والسياسية، وبالتالي لا يستطيع الحزب إلقاء تبعة ما قام به في السياسة العامة على غيره من الفاعلين، فدائمًا ما تعكس اتجاهات الرأي العام النظام الحزبي في الدولة، ولذا فإن الدعاية الحزبية ضرورية لتعريف الرأي العام بموقف الحزب وأهدافه، ففي مثال حزب المحافظين والبريكست، لا يستطيع حزب المحافظين إلقاء نتيجة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي على غيره من الأحزاب أو الفاعلين السياسيين، فأدت الضغوطات المتزايدة وعدم مقدرة رئيسة الوزراء تيريزا ماي على موجهتها بالشكل المطلوب إلى الاستقالة في 2019 ليخلفها بوريس جونسون.

يتبع في الجزء الثاني

***

أحمد خميس أحمد ـ باحث سياسي في كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية ـ جامعة الإسكندرية

مصطفى أحمد فؤاد ـ باحث سياسي في كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية ـ جامعة الإسكندرية

______________

المركز الديمقراطي العربي

مقالات مشابهة