عماد غليون

لا أحد ينكر فعالية الشباب ودورهم المؤثر في أحداث الربيع العربي؛ فهم من أطلقوا شرارة الانتفاضات العربية ضد الأنظمة الديكتاتورية المستبدة؛ لكنهم في المقابل دفعوا الثمن الأكبر.

فقد ركزت الأنظمة حملاتها القمعية على الشباب المنتفض؛ إذ قامت باعتقالات وتصفيات ممنهجة للناشطين الشباب؛ ما اضطر كثيرين منهم إلى الهرب؛ فتحولوا نازحين أو لاجئين خارج بلدانهم.

وفي المقابل، فإن قيادات المعارضة لم تتح للشباب المشاركة بفعالية في الهيئات والمؤسسات السياسية المختلفة التي قامت بتشكيلها في ما بعد؛ وتعرض الشباب لإلقصاء والتهميش المقصود.

ومع أن الشباب هم أصل الحراك الثوري السلمي؛ إلا أن الحراك سُرق منهم بعد انطلاقه؛ إذ ركبت عليه حركات إسلامية وشخصيات وأحزاب تقليدية معارضة؛ وادعت أحقيتها في القيادة والتمثيل؛ كما تسببت في انحراف الحراك عن أهدافه ومبادئه الأصلية في الإصلاح والتغيير الشامل.

ظهر واضحا ضعف القدرات والخبرات التنظيمية لدى الشباب؛ وعلى الرغم من الدور المهم الذي لعبته أدوات الاتصال الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي في دعم حراكهم؛ إلا أن ذلك لم يكن كافيا في مواجهة حرب شرسة شنت ضد حراكهم السلمي.

من دروس الربيع العربي؛ تبدو الحاجة إلى العمل على تمكين الشباب من القيام بدورهم الفعال في المجتمع؛ ومن ذلك تأطيرهم وعملهم في منظمات المجتمع المدني المستقلة؛ ومنها الأحزاب السياسية.

يجب ألا تكون الأزمة السياسية الاجتماعية العميقة في البلاد العربية؛ أو المأزق التاريخي الذي تعيشه الأحزاب السياسية العربية على اختلافها؛ وفشل الأنظمة في تحقيق التنمية والحرية وتحولها إلى ديكتاتوريات تسلطية تعمل ضد مصالح شعوبها؛ والنتائج المخيبة للآمال من الحراك الشعبي في الربيع العربي؛ كل ذلك يجب ألا يكون سببا أو مدعاة لليأس والقنوط لدى الشباب؛ ويجب الاستمرار في زرع الأمل بينهم، ودعوتهم إلى العمل رغما عن كل الظروف والمصاعب.

هذا المقال حول الشباب والأحزاب السياسية؛ يسعى لدراسة الأحزاب وفهم طبيعتها وبنيتها، لمن يرغب في الدراسة فقط؛ ولكن الهدف الأساسي هو شرح كيفية المباشرة بالعمل التنظيمي والقانوني الحزبي؛ وكيفية انخراط الشباب في الأحزاب السياسية وتشكيلها.

من المهم العمل على تغيير الموروث العربي السلبي بخصوص السياسة والأحزاب والعمل الجماعي والاجتماعي؛ فالسياسة ليست هي فن الكذب، كما هو شائع؛ بل هي علم تحقيق المصالح العامة؛ والوصول إلى مجتمعات ديمقراطية تعددية؛ تحقق التنمية الشاملة للمجتمع؛ وتسود فيها قيم الحرية والعدالة للجميع.

ونستعرض هنا بعض الأهداف الأساسية للأحزاب السياسية والتي ينبغي على الشباب فهمها والتفاعل معها والسعي لتحقيقها إذا اختار الشباب الانضمام لها.

أهداف الأحزاب السياسية ووسائل تحقيقها

تختلف أهداف الأحزاب من حزب إلى آخر؛ ولكن مختلف الأحزاب لها أهداف رئيسة وأساسية مقررة في شعاراتها وأدبياتها وبرامجها السياسية والحزبية؛ تتمحور استراتيجية الحزب حول أهدافه، وتسعى الخطط والنشاطات الحزبية كافة إلى تحقيق تلك األهداف.

كما أن هناك أهدافا ثانوية أو مرحلية للأحزاب تتناسب مع طبيعة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في البلاد؛ ويكون هدفها تلبية حاجات الجماهير ومطالبها الآنية والملحة.

معظم الأحزاب أهدافها عامة؛ لكن هناك بعض الأحزاب قد يكون أهدافها الأساسية خاصة وليست عامة؛ مثل أحزاب البيئة أو الخضر؛ التي يكون اهتمامها الرئيس في مجال البيئة؛ وبالتالي فهي توظف برامجها ونشاطاتها لخدمة تلك الأهداف وتحقيقها.

وهناك أحزاب تطغى سمة أو صبغة غالبة على أهدافها الرئيسة، كالصبغة الدينية أو القومية أو الدولية أو الأممية.

هناك عدد من الوسائل قد تلجأ إليها الأحزاب لتحقيق أهدافها:

1 –الوسائل السياسية:

إذ يسعى الحزب إلى الحصول على تمثيل في المجالس النيابية أو المحلية عبر المشاركة الفاعلة وتقديم المرشحين الأكفاء لتلك الاستحقاقات.

كما يشارك الحزب في الحياة السياسية عبر المداولات والمناقشات في كل المحافل والمناسبات، وذلك لإبداء الرأي واتخاذ المواقف من القضايا العامة. ويعمل ممثلو الحزب الذي يشغلون مناصب إدارية مختلفة لتحقيق أهداف الحزب من خلال ممارسة عملهم.

ويضع الحزب إمكانياته كافة، ويوجه كل الوسائل والنشاطات المتاحة سواء داخل الحزب أو ضمن صفوف الجماهير؛ وذلك من خلال إطلاق الشعارات وإقامة التجمعات والتظاهرات والاحتجاجات، لإظهار مواقف الحزب والدفاع عنها.

2 –الوسائل الاقتصادية:

إذ يعمل الحزب لتأمين كل الأموال اللازمة لتغطية نفقات الحزب المختلفة؛ ويتم تأمين تلك الأموال من اشتراكات الأعضاء والتبرعات المادية والعينية والهبات والمساعدات والإعانات الحكومية.

تلجأ بعض الأحزاب إلى استثمار أموالها في مشاريع إنتاجية واجتماعية تؤدي إلى تشغيل العاطلين عن العمل، ومن ثم الاستفادة من الأرباح لدعم فعاليات الحزب ومساعدة الأعضاء وتقديم الإعانات للفقراء منهم لزيادة ارتباطهم بالحزب.

لكن القوانين الحديثة للأحزاب تضع شروطا صعبة على طريقة تمويل الأحزاب؛ كما تجري مراقبة موارد الحزب مراقبة دقيقة؛ ويعد خرق الحزب لقواعد التمويل انتهاكا لقواعد اللعبة الديمقراطية؛ كما يمكن أن تكون المخالفات المالية التي قد يرتكبها الحزب سببا كافيا للطعن بنتائج الانتخابات.

3 –الوسائل الاجتماعية:

تنظم الأحزاب نشاطات اجتماعية وحفلات فنية وزيارات اجتماعية متبادلة بين أعضاء الحزب من جهة، وصفوف الناس من جهة أخرى.

كما يشارك الحزب في المناسبات الاجتماعية المختلفة؛ ويشجع روح العمل والتضامن في سبيل الحزب؛ ويؤكد الالتزام بالقواعد الأخالقية ومبادئ الشرف والعدالة والكرامة والفضيلة.

يقدم الحزب خدمات اجتماعية مختلفة عبر الجمعيات والنوادي والهيئات سواء كانت أهلية أو مرتبطة به مباشرة.

4 –الوسائل التعليمية والثقافية:

تمثل الصحف والدوريات والمطبوعات التي يصدرها الحزب وجهة نظر الحزب في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ إضافة إلى ما تقوم به من دور تثقيفي ودعائي للحزب.

تقوم بعض الأحزاب بعقد المؤتمرات والندوات العلمية والثقافية؛ وتعمل على فتح مدارس ومعاهد حزبية لتوعية الأعضاء وزيادة فاعليتهم ونشاطهم.

5 –الوسائل الإعلامية والنفسية:

تستخدم الأحزاب كل وسائل الإعلام المتاحة التي تساعدها في توضيح رؤيتها ومواقفها وشرحها.

ينظم الحزب أو يشارك في اللقاءات والندوات السياسية والثقافية والاجتماعية لتأكيد حضوره الفاعل واستغلال ذلك في شرح مواقفه السياسية وتمريرها أو تبريرها.

تسعى الأحزاب إلى امتلاك وسائل الإعالم الخاصة بها، من إذاعة أو تلفزيون وصحف ومجلات ودوريات؛ وكذلك تقوم باستخدام كل منصات وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.

يحتاج الحزب باستمرار إلى الرد على الإعلام المضاد الذي يستهدفه؛ ويجب عليه الاستمرار في زرع الأمل في صفوف أعضائه ورفع معنوياتهم وإبقاء الأمل في نفوسهم بانتصار الحزب على الرغم من كل الصعاب والمعوقات.

6 –وسائل أخرى غير مشروعة ولا قانونية ولا دستورية:

قد تنحرف بعض الأحزاب بعيدا في سبيل تحقيق أهدافها ومراميها، وتنجرف نحو الحصول على ذلك بأي ثمن؛ حتى لو كان ذلك على حساب مخالفة الدستور والقوانين في البلاد.

وقد تلجأ بعض الأحزاب لاستغلال مناسبات أو أحداث عامة لتحشيد الناس عبر اللعب على عواطفهم؛ وكذلك من خلال استخدام الرموز والشعارات الدينية.

لكن أخطر ما يمكن أن تقوم به الأحزاب هو اللجوء إلى استخدام وسائل العنف أو الانقلابات العسكرية لتحقيق أهدافها.

وعلى الشباب الذين يتم استهدافهم للاستقطاب من بعض الأحزاب التي تعمل بهذه الوسائل غير المشروعة، أن يكونوا حذيرين حتى لا يجدوا أنفسهم مطلوبون من قبل الأجهزة الأمنية والعدلية بسبب انخراطهم في مثل هذه الممارسات.

تشكل هذه الوسائل غير المشروعة التي قد تلجأ إليها بعض الأحزاب تهديدا حقيقيا للعملية الديمقراطية في البلاد؛ وفي حال نجاح انقلاب عسكري في استلام مقاليد السلطة، سيقوم بتحويل نظام الحكم إلى نظام ديكتاتوري ويوقف العمل السياسي والحزبي في البلاد.

وقد تضاءل عدد الانقلابات العسكرية في العالم؛ وباتت الانقلابات جزءا من الماضي في الدول الديمقراطية، بعد أن كانت الانقلابات ترمز لحالة ثورية في مرحلة تاريخية؛ لكنها لا تزال تشكل تحديا حقيقيا يواجه الكثير من دول العالم الثالث التي تكافح للتخلص من حكامها المستبدين المتسلطين، وتسعى إلى نقل البلاد نحو مجتمعات تعددية ديمقراطية؛ وهو الأمر الذي يكرس الأهمية الأساسية للأحزاب في تحقيق ذلك.

الشباب ومستقبل العمل الحزبي

مع اندلاع الربيع العربي عاد الأمل من جديد بعودة الحياة السياسية ونشاطات المجتمع المدني؛ وبالتالي عودة الأحزاب السياسية للعمل، سواء القديمة أم تلك المنوي تشكيلها حديثا.

لا شك في أن صعوبات جمة ستواجه الأحزاب الناشئة؛ وربما لهذا السبب نشهد إحجام كثير من الناشطين عن الدخول في مغامرة سياسية لا يتوقعون منها تحصيل نتائج إيجابية؛ لإدراكهم المصاعب الناجمة عن ظروف موضوعية معقدة؛ إذ يأتي العمل الحزبي بعد سنوات طويلة من التصحر السياسي في المجتمع؛ ما أدى إلى اختفاء الممارسات والتقاليد الديمقراطية، وزاد من ذلك سلوك الأحزاب الحاكمة وتحولها إلى أحزاب تسلطية قمعية؛ ما شكل صورة جمعية سيئة عن العمل السياسي ككل؛ والأحزاب السياسية بشكل خاص.

باتت إعادة ثقة الناس بالعمل السياسي الحزبي أمرا ً صعبا، وتشكل تحديا حقيقيا قبل الشروع في تشكيل أحزاب جديدة.

يجب أن تقدّر الأحزاب الناشئة الصعوبات الموضوعية التي تنتظرها؛ وأن تضع الخطط لتجاوزها؛ ويساعد في نجاح الأحزاب وتخطيها المرحلة الأولى من التأسيس؛ التزامها العمل وفق القواعد المتبعة في الأحزاب العصرية؛ وعدم الالتفات لتجارب الأحزاب العربية التقليدية بكل اتجاهاتها؛ التي فشلت في إرساء قواعد عمل حزبي ديمقراطي مؤسساتي حتى ضمن المؤسسة الحزبية.

ينبغي على الأحزاب الناشئة ترسيخ المبادئ الليبرالية والعمل بها ضمن المؤسسات الحزبية أو المجال العام؛ وهي تتلخص بـ:

إرساء قيمة الفرد باعتباره القيمة العليا في المجتمع.

أن يكون هدف السلطة حماية الفرد وصيانة حقوقه وحرياته.

ضمان تعدد الآراء واختلافها والمصالح المتنافسة وخلق توازن بينها.

ضمان حرية التجمع والتنظيم.

ضمان التعددية وعدم القبول باحتكار السلطة.

ترسيخ ثقافة القبول بحكم الأغلبية عن طريق الانتخابات.

الفصل بين المناصب الانتخابية والإدارية لضمان استمرار السلطة بسلاسة.

الارتكاز بشكل دائم على الأسس القانونية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن اللوائح والأنظمة الداخلية للأحزاب يجب أن تلتزم المعايير القانونية في قوانين الأحزاب؛ وأن تلتزم الإطار الذي يحدده الدستور والقانون لبرامجها ونشاطاتها وأهدافها؛ وأن يضع الحزب أدوات للرقابة والتفتيش والمساءلة الداخلية؛ ويقوم بالتحديد الدقيق لصلاحيات الهيئات القيادية على اختلاف مستوياتها؛ ومنع تسلط رئيس الحزب على القرار الحزبي؛ ومنع تكريس شخصية القائد المؤسس وربط الحزب به.

والأهم هو إيجاد طرق للتواصل الاجتماعي الفعال؛ ووضع برامج واضحة مفصلة تلبي المطالب والحاجات الاقتصادية والاجتماعية؛ وإذاكان ينصح بتجنّب الإيديولوجيا الجامدة؛ فإن ذلك لا يعني بقاء الحزب من دونها؛ وإنما البحث عن المرونة والتطوير فيها؛ والأهم قدرة الحزب على تأمين موارد مالية لتسيير أعماله من خلال طرق مبتكرة لجمع الاشتراكات المنتظمة؛ من دون الوقوع تحت رحمة رجال الأعمال الأثرياء.

_____________

المصدر: كتاب الحزب السياسيللكاتب

مقالات مشابهة