عماد غليون
تقوم الأحزاب السياسية بنشاطات مختلفة؛ منها نشاطات داخلية موجهة لأعضاء الحزب بشكل مباشر، أو لشرائح يستهدف الحزب ضمها في صفوفه؛ ومنها نشاطات خارجية يقوم بها الحزب بالتواصل مع جهات خارج الحزب سواء رسمية أو من أحزاب أخرى.
تختلف طبيعة الأنشطة والفعاليات الحزبية باختلاف طبيعة الأحزاب نفسها؛ ففي حين يستمر نشاط الأحزاب الإيديولوجية في كل الظروف والأحوال؛ إلا أن الأحزاب الأخرى تكون نشاطاتها أقل، وتركز الأحزاب الانتخابية نشاطاتها أوقات الحملات الانتخابية فقط.
من أهم النشاطات الحزبية الداخلية:
– التنسيب:
وهي عملية زيادة عدد أعضاء الحزب عن طريق ضم المزيد من المنتسبين إلى صفوفه. فالأحزاب الوطنية والإيديولوجية تهتم بضم المزيد من الأعضاء الجدد إلى الحزب، وتعمل تلك الأحزاب بما يشبه العمل الدعوي؛ إذ تعمل لنشر مبادئها وأفكارها ولا تقبل في صفوفها سوى المؤمنين برؤية الحزب من دون تحفظات.
أما الأحزاب الانتخابية فهي لا تهتم كثيرا بزيادة عدد أعضائها، وإنما تركّز على استقطاب الشخصيات الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة والكوادر الفاعلة المنتشرة في القطاعات الانتخابية.
وفي المقابل تسعى الأحزاب الحاكمة في الأنظمة الاستبدادية إلى تجنيد أكبر عدد من المنتسبين إلى صفوفها من دون وضع شروط واعتبارات خاصة لذلك؛ بهدف ضمان ولاء الناس بمختلف الطرق الممكنة.
هناك اختلاف واضح في نظرة كل حزب إلى عدد أعضائه؛ فبينما لا تسعى الأحزاب الانتخابية إلى زيادة واسعة في أعضائها، وتركز على اختيار المنتسبين ضمن شروط خاصة تضعها أمامهم لقبول انتسابهم؛ فإن الأحزاب الشمولية التسلطية تسعى إلى ضم أكبر عدد من الأعضاء إلى صفوفها، بصرف النظر عن مستوى كفاءاتهم والفائدة منهم للقضايا الوطنية.
– تدريب الكوادر الحزبية:
تركز الأحزاب الإيديولوجية أكثر من غيرها من الأحزاب على تدريب كوادرها على مبادئ الحزب النظرية والتمسك بها والتزامها تماما ؛ ويعتبر الحزب انتقاد أي عضو لمبادئ الحزب أو عدم قبوله بها سببا قد يكون كافيا لفصله نهائيا من الحزب.
وتعمد الأحزاب الشمولية لعملية مراجعة نقدية مستمرة في عمل هيئاتها وسلوك أعضائها؛ وتفرض على الأعضاء ممارسة النقد الذاتي طواعية، في حالات ترى فيها القيادة أن العضو قد خرج بسلوكه أو تفكيره عن منهاج الحزب.
تعتبر الأحزاب الدينية أن عقيدتها ومبادئها مقدسة مثلها تماما مثل التعاليم الدينية التي تؤمن بها؛ ولذلك فهي لا تقبل انتقادا لها أو انتقاصا منها؛ وتصبح عملية تدريب كوادر الأحزاب الدينية هي نفسها عملية دراسة التعاليم الدينية وفهمها، مع إضافة البعد الحزبي التنظيمي، لأنها على الأغلب تكون ممنوعة من العمل أو تعمل بشكل غير مباشر لتراخي السلطات تجاهها.
تركز الأحزاب الوطنية العصرية على تدريب نوعي وعملي لكوادرها؛ فتهتم بالنواحي التنظيمية والإدارية واستخدام وسائل التواصل والاتصالات الحديثة؛ وممارسة طرق التأثير الفعال في المجتمع وكسب تأييد واسع لسياسات الحزب وبرامجه.
وفي النتيجة فإن اختيار الحزب لأساليب وطرق تدريب كوادره يعتمد على حاجات الحزب العملية؛ وهي تساعده في تنفيذ نشاطاته وبرامجه؛ ومن الضروري أن يشمل التدريب الأمور النظرية والعملية؛ وأن يبتعد عن الإطار الإيديولوجي الخالص.
– الاجتماعات والاستحقاقات الحزبية:
من واجبات أعضاء الحزب حضور الاجتماعات الحزبية بانتظام والمشاركة فيها بجدية والتزام؛ وكما هو معروف فإن النظام الداخلي ينص على أن تعقد الاجتماعات الحزبية بالحضور الشخصي، وربما يجري التحول نحو عقد الاجتماعات أو بعضها عبر وسائل الاتصال الحديثة كوسيلة الزوم مثلا.
ولذلك فإن من أهم واجبات الأعضاء المشاركة في الاستحقاقات الحزبية الداخلية؛ مثل المشاركة في الانتخابات الداخلية والاجتماعات الحزبية المركزية، وورش العمل، والحملات الحزبية وغيرها من النشاطات.
تنمي النشاطات الاجتماعية الحزبية روح المحبة والتعاون بين أعضاء الحزب؛ وتجري الاستفادة من الأعياد والمناسبات العامة والخاصة والمشاركة الجماعية فيها.
كما ينبغي أن يشارك الأعضاء في مختلف النشاطات التي يقيمها الحزب أو يشارك فيها خارجيا؛ ومنها الانتخابات العامة والحملات الانتخابية؛ وكذلك الاحتجاجات والمسيرات ضد السياسات الحكومية عندما يكون الحزب خارج السلطة وفي المعارضة؛ وأيضا في المظاهرات تفاعلا مع أحداث عامة؛ وفي حملات التضامن مع مناطق منكوبة في البلاد؛ وكذلك المشاركة في فعاليات عامة منظمة بالاشتراك مع أحزاب أخرى.
ربما يتطلب النشاط مشاركة بعض أعضاء الحزب في اعتصام في مكان عام؛ أو يطلب من بعضهم القيام بتوزيع نشرات حزبية تبين موقف الحزب من قضية ما؛ أو إعلان يتضمن دعوة الناس إلى نشاط عام يقيمه الحزب؛ أو يطلب من الأعضاء المشاركة في حمالت التوقيع على عرائض احتجاج ضد انتهاكات لحقوق الإنسان، أو ضد اعمال إرهابية أو ضد نشوب حروب.
ومن البدهي ألا يكون كل أعضاء الحزب على السوية نفسها في النشاطات التي يقومون بها؛ وتتفاوت المشاركة من عضو إلى آخر؛ والأهم أن يكون هناك مشاركة واسعة من الأعضاء في النشاطات كافة؛ وأن يتحلى الجميع بالإيجابية ويبتعدوا عن السلبية؛ ومعروف أن الأعضاء المتميزين بالمشاركة يتقدمون في المراتب الحزبية، إذ يتحلون بروح المبادرة والفعالية.
من أهم النشاطات الحزبية الخارجية:
– الحملات الانتخابية:
يسعى الحزب من خلال نشاطاته وفعالياته إلى تحقيق الفوز لقياداته المترشحة في الانتخابات على اختلاف مستوياتها الرئاسية والبرلمانية والمحلية؛ ثم العمل على تنفيذ برامجه من خلال المناصب والمواقع التي يتسلم دفة القيادة فيها.
تشكل الحملات الانتخابية العمود الفقري لنشاطات الأحزاب؛ فهي تكثف نشاطاتها بشكل كبير خلال الاستحقاقات الانتخابية؛ ومن خلالها يطرح الحزب ويقدم للناس برامجه العملية التي ينوي القيام بها في حال فوزه بالانتخابات؛ والتي يجب أن تلامس بواقعية الحياة اليومية للناس ومتطلباتهم المستجدة؛ بعيدا عن الشعارات البراقة أو الوعود غير القابلة للتنفيذ.
تواجه الأحزاب على الدوام تحديات كبيرة بعد فوز قياداتها في الانتخابات؛ إذ تخضع الأحزاب لامتحان حقيقي يكشف صدقها وشفافيتها أمام ناخبيها؛ وغالبا ما تبرز الكثير من المشاكل والعقبات العملية التي تجعل الأحزاب تتراجع عن الكثير من وعودها وبرامجها الانتخابية؛ وربما يكون ذلك أيضا بسبب تنازلات يضطر الحزب إلى تقديمها لصالح أحزاب أخرى، في مقابل إنجاز تحالف برلماني لتشكيل حكومة ائتلافية، أو المشاركة فيها.
يصبح من السهل فهم عملية تناوب حزبين أو كتلتين رئيستين على السلطة؛ وذلك بسبب تراجع شعبية الحزب الحاكم باستمرار، لاضطراره واقعيا إلى تنفيذ سياسات غير ذات شعبية بسبب المشاكل الاقتصادية التي تولّد متاعب اجتماعية؛ ما يساعد أحزاب المعارضة على التقدم من جديد بشكل مطرد والفوز في الانتخابات المقبلة.
فور انتهاء الانتخابات تبدأ الأحزاب عملية المراجعة والتقييم لنتائجها؛ والأسباب التي أدت لحصولها على تلك النسبة من الأصوات أو المقاعد؛ ويلي الانتخابات مباشرة اجتماعات حزبية على مستوى قيادات الحزب التي فشلت في تحقيق نتائج جيدة؛ وقد تضطر قيادات إلى تقديم استقالاتها على الأغلب.
تقوم الأحزاب الوطنية باستخدام الوسائل القانونية المتاحة أمامها خلال حملاتها الانتخابية؛ وبعض الأحزاب قد لا يتوانى عن اللجوء إلى وسائل غير مشروعة؛ ويتمثل ذلك في الحصول على تمويل غير قانوني؛ أو من خلال دفع رشى أو خدمات للناخبين أو اللجوء إلى عمليات تزوير؛ أو التأثير في الرأي العام بتشويه صورة الطرف الآخر المنافس عبر نشر معلومات ملفقة أو صحيحة (أخلاقية أو مالية) تمس قياداته.
على الرغم من أن المفاصل الحزبية كافة تتحرك وتستنفر خلال الحملات الانتخابية؛ إلا أن ذلك لم يعد كافيا في الوقت الحاضر؛ وأصبح الموضوع الانتخابي وإدارته يحتاجان إلى شركات وخبراء مختصين في إدارة الحملات الانتخابية وكيفية التأثير في الرأي العام وتحويل اتجاهاته لصالحها؛ وباتت الحملات الانتخابية وإدارتها تشكل عملا مهنيا ً اقتصاديا ً رائجا يحتاج الإلمام به والنجاح فيه إلى خبرات ومهارات كبيرة.
صارت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة تلعب الدور الأول في الحملات الانتخابية؛ وبات تأثيرها واضحا وملحوظا ومباشرا، أكثر من الوسائل التقليدية التي تعتمد التواصل المباشر مع الناخبين، والتي ينبغي الاستمرار بها على الرغم من ذلك.
– النشاطات الاجتماعية:
يعتمد نجاح الأحزاب على مدى استمرار حصولها على ثقة الناس وقبولهم بها؛ تسعى الأحزاب الانتخابية إلى كسب الشعبية من خلال البرامج والوعود التي تقدمها للناس؛ وعلى ضوء نجاحها أو فشلها في التنفيذ يمكن قياس درجة القبول الشعبي والجماهيري بها؛ وباتت الأحزاب تتمتع بالبراغماتية الشديدة بحيث أنها تنظر إلى النتائج المرتقبة وربما المباشرة التي ستحصل عليها من أي برامج تقدمها للناس أو من أي نشاط اجتماعي تقوم به بينهم؛ وقد تنعكس مصلحية الحزب سلبا عليه، ويظهر ذلك في عزوف الناس عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية لصالح تلك الأحزاب.
تقدم استطلاعات الرأي العام صورة واضحة عن المشهد الانتخابي ومدى شعبية الحزب قبل موعد الاستحقاق؛ وهي تمثل وسيلة مهمة لقيام الأحزاب بتعديل وضعها وتصحيح مسارها قبل فوات الأوان؛ وعلى الرغم من إمكانيات التأثير في الاستطلاعات وتغيير توجهات الرأي العام بوسائل مختلفة غير مشروعة؛ إلا أنها تبقى وسيلة عصرية حديثة وفاعلة لتطبيق مراقبة مسبقة للعملية الانتخابية، وغالبا ما تعطي نتائج صحيحة.
بالنسبة إلى الأحزاب الإيديولوجية والشعوبية فإنها لا تستطيع الابتعاد عن حاضنتها الشعبية، بصرف النظر عن حاجتها إلى الأصوات الانتخابية؛ لأن العلاقة متبادلة وعضوية بين تلك األحزاب ومنتسبيها ومناصريها؛ وأي ابتعاد من تلك الأحزاب عن جماهيرها يعني بداية تراجعها وانحسارها بسبب خسارة قاعدتها الجماهيرية التي تستند إليها؛ بينما تكون علاقة الأحزاب الانتخابية مع الجماهير علاقة مصلحية تخضع للمد والجزر.
تهدف اللقاءات الاجتماعية إلى تحقيق مزيد من التعارف والتقارب بين قيادة الحزب والناس؛ ومن خلالها يجري عرض أفكار الحزب واستقطاب المزيد من الأعضاء إلى صفوفه.
ويمكن أن يقوم الحزب باستغلال المناسبات الاجتماعية والأعياد؛ والنشاطات العامة الثقافية والرياضية والشعبية؛ حيث يتحقق اللقاء بالناس وتقديم بعض الخدمات والمساعدات لمن يحتاجها؛ كما أن وجود الحزب وظهوره بشكل فاعل هو أمر مهم ومؤثر خاصة في الأحداث الخطيرة على المستوى الوطني؛ كالحوادث الإرهابية والطبيعية من زلازل وفيضانات وكوارث؛ والتي تستدعي التضامن والتعاضد الاجتماعي من كل فئات الشعب، وتقديم أشكال المساعدة الممكنة.
يجب التوضيح أن القوانين الحديثة تمنع الأحزاب من تقديم مساعدات مادية أو عينية مباشرة للناس؛ لأن ذلك يعتبر نوعا من الرشوة السياسية؛ ولا شك أن هذا التوجه يحمل الكثير من الوجاهة، مع معرفتنا بممارسات الكثير من السياسيين الذين ينتظرون الاستحقاقات الانتخابية ليقوموا بشراء الأصوات من خلال تقديم مساعدات مختلفة لهم؛ ويبقى تقديم الدعم المعنوي للناس والتواصل معهم مهمة أساسية للأحزاب على اختلاف مشاربها.
– العمل البرلماني والحكومي:
ينتقل أعضاء الحزب للعمل في المناصب والمراكز التي يفوزون بها بموجب الانتخابات، سواء في الحكومة أو البرلمان أو المجالس المحلية.
من خلال المواقع التي حصل عليها الحزب في الانتخابات يصبح مطالبا بتحقيق الوعود والبرامج التي أطلقها خلال حملته الانتخابية.
يرتبط العمل الحكومي للحزب بقوته الانتخابية ونسبة مشاركته في الحكومة وطريقة تشكيلها؛ وهل هي حكومة أغلبية أو ائتلافية؟ ولا يمكن للحزب أن ينفذ برامجه الأصلية كما طرحها فيما لو كان تمثيله ضعيفا وغير مؤثر في الحكومة؛ ويستطيع ذلك فقط في حال استطاعته تشكيل حكومة أغلبية بمفرده؛ وحتى في مثل هذه الحالة فإن الكثير من الأحزاب تتراجع عن وعودها الانتخابية بعد أن تكتشف عدم واقعيتها وصعوبة تحقيقها.
في الأنظمة البرلمانية يحتاج الحزب إلى تشكيل حكومة تحظى بأغلبية مطلقة في الدورة البرلمانية حتى يستطيع تمرير سياساته وبرامجه وإقرارها، وكذلك القوانين والموازنات اللازمة لتنفيذها؛ ويعتمد تشكيل الحكومة في النظام البرلماني على نسب مقاعد الأحزاب في البرلمان؛ والاضطرار إلى تشكيل حكومة ائتالفية عبر تحالفات برلمانية يضعف من قوة الحزب الفائز بالانتخابات، لأنه سيضطر إلى تقديم تنازلات للأحزاب المتحالفة معه.
في الأنظمة الرئاسية يحظى رئيس البلاد بصلاحيات واسعة؛ ولكنه يحتاج إلى أغلبية برلمانية قوية ومستقرة تدعم سياساته؛ وفي حال عدم حصول رئيس البلاد على أغلبية برلمانية حزبية يتحول إلى رئيس ضعيف يخضع لابتزاز مستمر من الأحزاب الأخرى؛ وقد تصل الأمور إلى استقالة الرئيس عندما يصل إلى مرحلة العجز عن تنفيذ برامجه؛ ويتعلق ذلك بمدى الصلاحيات الدستورية الممنوحة للرئيس، لأن دساتير بعض الدول تعطي الرئيس صلاحيات واسعة قد تتيح له اتخاذ بعض القرارات منفردا.
ربما يكون العمل ضمن الدوائر البلدية والمحلية هو الأقرب التصاقا بحياة الناس؛ حيث يشعر المواطنون بالخدمات التي تقدم لهم مباشرة؛ ويستطيع رئيس بلدية ما أن يكسب أنصارا ومؤيدين لحزبه من خلال تواصله المباشر والمستمر مع الناس وتفهم طبيعة مشاكلهم واحتياجاتهم، وتجاوبه معها وتنفيذها.
ويصبح عمل المجالس المحلية أكثر أهمية في ظل اللامركزية الواسعة التي تمنحها القوانين الحديثة في البلاد الديمقراطية؛ وتستطيع الأحزاب تحقيق مكاسب كبيرة في حال قيامها بأداء ناجح من خلال عملها في المجالس المحلية.
تحتاج الأحزاب، من خلال عمل ممثليها في الحكومة والبرلمان والمجالس المحلية، إلى الالتقاء مع ممثلي الأحزاب الأخرى وعقد تفاهمات واتفاقات وتحالفات وائتالفات معها، بما يتفق مع سياسات الحزب وبرامجه.
____________
المصدر: كتاب “الحزب السياسي” للكاتب