في العديد من الديمقراطيات الدستورية، ثمة افتراض بأن الدساتير والقوانين إذا حظرت الانقلابات، فإن الديمقراطية تصبح آمنة من الاستبداد العسكري. هذا ليس صحيحًا على الإطلاق، بحسب جين شارب وبروس جنكينز من معهد ألبرت أينشتاين وقد توصل العديد من الدول لهذا الاستنتاج بالطريقة الصعبة.
ألم تكن بعض الديمقراطيات التي لديها أحكام دستورية وقوانين مناهضة لمحاولات السيطرة على الدولة عن طريق الانقلابات نفسها من ضحايا الانقلابات؟
معظم الدول لديها قوانين تحظر تورط الجيش في السياسة –سواء نصت على ذلك صراحة في
دستورها أو أدرجته في تشريعات أخرى– ناهيك عن الاستيلاء التام على السلطة. علاوة على ذلك، أصدر عدد من المنظمات الدولية والإقليمية قرارات تهدف إلى ردع الانقلابات.
على سبيل المثال، تتبنى كل من «منظمة الدول الأمريكية OAS»، و«رابطة الكومنولث»، و«الاتحاد الأفريقي»، مبادئ مناهضة للانقلاب، كما فرضت –وإن بمعدلات متباينة– مجموعة متنوعة من العقوبات على أعضائها الذين استولوا على السلطة بالقوة العسكرية أو حتى حاولوا ذلك.
على الرغم من ذلك، فإن الانقلابات لا تزال تحدث في عالم اليوم. ووفقًا لبحث أجراه نونيهال سينج عام 2016، فإن 55% من الدول التي يزيد عدد سكانها عن 100 ألف قد قامت بمحاولة انقلاب واحدة على الأقل بين عامي 1950 و2000. خلال الفترة ذاتها، شهدت الدول غير الغربية محاولات الانقلاب أكثر من الانتخابات الديمقراطية بنسبة لا تقل عن 30%.
ومنذ بداية الألفية الجديدة، شهد العالم 66 انقلابًا أو محاولة انقلاب في أفريقيا وآسيا وأوروبا والمحيط الهادي وأمريكا الجنوبية.
يجب أن تكون المحظورات القانونية موجودة، لكنها كثيرًا ما عجزت عن منع وقوع الانقلابات. يرجع ذلك إلى حقيقة أن مهندسي الانقلابات يكونون عادة على أتم استعداد لاجتياز الحواجز الدستورية والقانونية مع سبق الإصرار والترصد.
هذا لا يعني أن مثل هذه الأحكام الدستورية والقانونية ليست مفيدة، لكنها ليست كافية، وثمة حاجة واضحة لإيجاد وسائل قادرة على فرض تلك المحاذير.
الجهود المبذولة لإزالة المظالم المبررة في المجتمع ضرورية أيضًا، لكنها غير كافية. لأن المظالم قد تعمل باعتبارها حوافز جوهرية للانقلابيين المحتملين، وتكون مجرد أعذار للانقلاب المدفوع بأسباب أقل نبلًا.
الإدانة الدولية والعقوبات من غير المرجح أيضًا أن تكون رادعًا للانقلابين إذا عقدوا العزم على التنفيذ. من السذاجة توقع أن التأثيرات الدولية ستكون قادرة على منع أو إلغاء الاستيلاء الداخلي على السلطة.
في أحسن الأحوال، قد يدعم الموقف الدولي الرافض للانقلاب قوة محلية فعالة لمنع محاولة اغتصاب السلطة. في أوقات أخرى، قد تدعم بعض التأثيرات الدولية الانقلاب، أو حتى تكون قوة رئيسية في التحريض عليه، مثلما فعلت حكومة الولايات المتحدة في العديد من الحالات.
الوقاية خير من المقاومة
من الواضح إذًا أن هناك حاجة إلى شيء أكبر: حواجز أقوى في وجه الانقلابات أو الاستبداد العسكري. هذا ما يسميه جين شارب وبروس جنكينز «سياسة دفاعية ضد الانقلابات»، ليس فقط لديها القدرة على هزيمة الانقلابات، بل أيضًا بمثابة رادع محتمل لهذا السطو، تكون متجذرة في القدرات الدفاعية الفعالة للدولة.
بدون الاستعدادات الجادة المبكرة لمقاومة الانقلاب، فإن تشكيل نظام ديمقراطي دائم يصبح أمرًا مشكوكًا فيه تمامًا في العديد من البلدان، خاصة تلك التي لديها تاريخ من الانقلابات. حتى في البلدان التي حققت وضعًا سياسيًا ديمقراطيًا نسبيًا، فإن تدابير مكافحة الانقلاب تكون مهمة على الرغم من وجود تصريحات عامة عن النوايا البريئة يدلي بها الأفراد والجماعات القادرين على القيام بانقلاب.
تُكَرَّس جهودٌ ضخمة ومبالغ باهظة بانتظام من أجل الاستعداد لمقاومة العدوان الأجنبي، لكن الباحثين جين شارب وبروس جنكينز يحذران من خطورة عدم بذل جهود كافية من أجل تأهيل المجتمعات للتعامل مع مشكلة الانقلابات نظرًا لتواترها على الساحة العالمية.
ما الذي يمنع حدوث انقلاب؟
في بعض البلدان، لا يمكن تصور حدوث انقلاب داخلي؛ إذ تميل الظروف إلى إعاقة الانقلابات. يضرب جين شارب وبروس جنكينز على ذلك مثلا النرويج وسويسرا. فحين توجد الإجراءات الدستورية الديمقراطية وتحظى بالاحترام، وتتوافر الوسائل المؤسسية السلمية لحل الصراعات الداخلية المتعلقة بتغيير الحكومات وتشكيل الحكومة ومساءلة المسؤولين، تتراجع احتمالية وقوع انقلاب.
وإذا كانت المجموعة القادرة على تنفيذ انقلاب –مثل الجيش– تؤمن بالعملية الديمقراطية وتحترم الحدود التي تقيد سلطتها، من غير المحتمل أن تحاول الانقلاب. كما أن الهيكل الاجتماعي للمجتمع له دور مؤثر في تحديد ما إذا كان من المحتمل حدوث انقلاب.
فحين تكون المؤسسات المدنية غير الحكومية قوية وتدار بطريقة ديمقراطية، وفي المقابل تكون المؤسسات العسكرية والسياسية المعادية للديمقراطية أضعف، من غير المرجح أن يحدث انقلاب.
وعندما يعمل المجتمع سويًا في وئام نسبيًا، لا يُرجح حدوث انقلاب. بيد أن هذا الموقف نادر
وليس ضروريًا لمنع الانقلاب. فإذا كانت المشكلات الداخلية محدودة ويمكن التعامل معها عبر الإجراءات المؤسسيةالسلمية الأخرى، تقل احتمالية وقوع انقلاب. إذا كانت هناك نزاعات حادة، لكنها غير عنيفة ولم تنزلق إلى مستنقع العنف الداخلي، فلن تكون الساحة مهيأة لانقلاب مجموعة تتعهد بإنهاء العنف الداخلي واستعادة القانون والنظام.
كما أن استفراغ السياسيين وسعهم في خدمة المجتمع، وعدم التورط في الفساد، ينزع أحد الفتائل المحتملة لوقوع انقلاب. وفي المجتمعات التي تُعبأ فيها الجماهير وتشارك سياسيًا وتتمتع بالقوة، هذا الافتراض لا يمكن أن يحدث.
استنادًا إلى أدلة مستقاة من 16 دراسة حالة، تخلص إيريكا دي بروين من كلية هاميلتون، إلى أن تحقيق التوازن بين الجيش وبقية المؤسسات الأمنية يقلل من احتمالية نجاح محاولات الانقلاب؛ عن طريق تحفيز بعض الجنود للمقاومة. ومع ذلك، لا يرتبط هذا التوازن بوقوع عدد أقل من محاولات الانقلاب. بل في الواقع، يزيد إنشاء قوة أمنية جديدة من احتمالات وقوع محاولة انقلاب في العام التالي.
_____________
المصدر: دراسة بعنوان “كيف تمنع الانقلابات وكيف تواجهها إذا وقعت؟” نشرت بموقع ساسة بوست