سالم الكبتي
لقد أدرك الملك إدريس طوال حياته السياسية أن وطنه يقوم أساسه في الأصل على مجتمع لا يزال (قاصراً) في كثير من النواحي بحكم عوامل كثيرة ليس آخرها قلة المعرفة والثقافة والوعي، مجتمع قاصر عن فهم ماهية الأحزاب وطبيعتها، مجتمع تتجاذبه التقاليد وأعراف القبيلة أكثر من مبادئ الحزب الذي ينشأ بلا جذور قوية في هذه البيئة المحدودة معرفة ووعياً. كانت القبيلة تقع في الغالب في المقام الأول وما عداها فهو هش وضعيف.
كان الملك أيضاً يعرف أن الفشل سيكون نصيب تلك الأحزاب في هذا المجتمع البسيط المتباعد الأطراف الذي يشكل ليبيا بكل أطرافها وتناقضاتها، والذي يسعى إلى الاستقرار والسكينة أكثر مما يسعى إلى تسويه نداءات الأحزاب والحاجة إليها.
أذكر أن السيد حسين مازق في لقاء لي معه في مايو 1991 أخبرني بأنه خلال رئاسته للحكومة.. في العام 1966 قابلت الملك واقترحت عليه تأسيس ثلاثة أحزاب تساند حرية الرأي والتعبير والحراك السياسي لدى المواطنين، وتدعم البرلمان بالتوجيه والنصح للسير نحو الأفضل وكذا الحكومة. هذه الأحزاب تكون بهذا الشكل واحداً محسوباً على الحكومة والآخر معارضاً، والثالث مستقلاً ومحايداً في الوسط.
أيد الملك من فوره هذا الاقتراح. كان يشعر بأن البلد تتعرض لصوت قوي من الخارج على الدوام، لكنه تساءل في ذات الوقت عن الضامن لعدم وقوع أي من هذه الأحزاب على حد سواء في شراك أية جهة خارجية، وكان له الحق في هذا التخوف والتساؤل.
وأذكر أن السيد عمر الشلحي مستشار الملك أخبرني أيضاً في لقاء جمعني به منذ أكثر من عشر سنوات بأن الملك: «عاش في مصر فترة طويلة منذ أن كان أميراً. كان مهاجراً هناك كما يعرف الجميع، وواصل نشاطه السياسي رغم القيود التي فرضها الإنجليز والطليان تلك الأيام عليه.
هذا النشاط جعله يدرك حقيقة الأحزاب السياسية في مصر وغيرها، واقترب من رجالها وزعمائها وناقشهم وتحاور معهم، الوفد، الدستوريين، الإخوان المسلمون، وغيرهم. وتابع صحفهم ونشاطتهم وارتبط بعلاقات جيدة مع كثير من قادتها وأبرز أعيانها وشاهد الصراعات بينهم، وخلص إلى أن ذلك لا فائدة منه، ويقود الأوطان إلى الهلاك. وعلى هذا انطبعت هذه الصورة القاتمة في ذهنه ولم تفارقه أيضاً عقب عودته إلى البلاد خلال الحراك الذي شهدته ليبيا قبيل الاستقلال وبعده.
في الحقيقة كان يخشى أن تنجر البلاد وراء الصراعات والانقسامات الحزبية والبلاد غير مهيأة لذلك. كان يرى أن الأحزاب خراب شامل سيؤدي إلى كوارث. باختصار كان يخشى على البلاد منها». رأيان سمعتهما من رجلين عرفا الملك عن قرب واقتربا من تفكيره ورؤيته للأمور عبر فترة من الأعوام من المعايشة والتجربة، وقد تكون هناك آراء أخرى في نفس الاتجاه لدى كثيرين غيرهم.
إضافة إلى أن عديد الأمثلة والوثائق تؤكد أن الملك منذ أن كان أميراً وعبر تصريحاته وخطبه في كثير من المناسبات ومراسلاته تؤيد ذلك تماماً، ومن هذا نداؤه الذي وجهه في الثاني عشر من فبراير 1948 إلى إخوانه الطرابلسيين الأعزاء، الذي ورد فيه قوله:
«بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أوجه إلى حضراتكم جميعاً باسم الوطن المقدس هذه النصيحة وهي حل جميع الهيئات والأحزاب على اختلاف أنواعها وتشكيل هيئة واحدة بأسرع ما يمكن لتواجه الأحداث المنتظرة إن كان هذا يروق لكم. ولله الأمر من قبل ومن بعد».
قد تكون رؤية الملك السياسية للأحزاب صائبة، وقد تكون غير ذلك، لكنه ظل ينظر إليها بصورة عامة بنظرة لا تخلو من الشك والريبة والخوف على مستقبل البلاد.
إن هذه البلاد في رأيه في مرحلة توحيد الصفوف وتكاتف الأيدي وهي تحتاج إلى ذلك بدلاً عن بعثرة الجهود وتشتتها. كان يرى أن هذه النظرة تعني الواقعية ولا تعني التردد ولا تحتمله على أي من الوجوه.
ولهذا توقفت الأحزاب بشكلها القديم عشية الاستقلال ولم تعد ثمة جماعات تعمل على أرض الواقع بشكل سياسي ظاهر وعلني ومسموح به من قبل السلطة التي ظلت تمثل لدى الكثيرين جبل الثلج.
اختفت الوجوه والزعامات وركنت إلى الراحة أو لجأت إلى نشاطات أخرى توارت خلفها ومارست في الغالب نشاطها الجديد، وهي تحمل ذكرياتها القديمة ونضالها السابق دون أي تطور أو تقدم بهذا التاريخ إلى الأمام.
خاض بعضها الانتخابات النيابية الأولى في ليبيا في فبراير 1952 وما تلاها أيضاً من انتخابات في دورات أخرى على مستوى مجلس النواب في المملكة والمجالس التشريعية في الولايات، وفاز مجموعة من هؤلاء (حزب المؤتمر مثالاً) بعضوية خمسة من رجاله في أول برلمان.
واتجه العديد في مراحل متعاقبة من زمن دولة الاستقلال إلى النشاط الاقتصادي الخاص.. الشركات والمقاولات والمكاتب وغيرها، فيما اختيرت مجموعات منهم أيضاً لتقلد المناصب في الدولة، وزراء في عدة حكومات ونواباً وشيوخاً وقضاة ورؤساء محاكم وسفراء ورؤساء جامعات، وخبت الروح القديمة وماتت القيم الحزبية السابقة عند كل هؤلاء.
وأقارب القول هنا بأن «احتواء» هذه الجماعات أنجز بذكاء من السلطة لصرفهم عن العمل السياسي وإقحامهم في الإسهام في بناء الدولة، والاقتراب من المشاكل التي تخوضها دون أحزاب.
ونجحت في الواقع هذه الطريقة الاحتوائية حتى وإن لم تقصدها السلطة بطريق مباشر إلى حد بعيد والأمثلة كثيرة. وستصادف المتابع للحياة السياسية الليبية المعاصرة بأن الطريقة ذاتها تكررت أو تجددت عندما خبت روح التنظيم السياسي لدى بعض من المجموعات الأخرى التي ستعود من الدراسة في الخارج إلى البلاد، وكانت قد انتمت خلال دراستها إلى تنظيمات وأنشطة حزبية خاصة في مصر ولبنان.
وعلى مستوى مجلس النواب وفي أغلب دوراته، صار هؤلاء الأعضاء السابقون في التنظيمات السياسية قبل الاستقلال يشكلون (معارضة) داخل البرلمان ويتصدون للحكومة في برامجها المختلفة، وأُتيحت لهم بحكم الحصانة البرلمانية فرص التحدث والتحرك والتعبير بحرية تامة، ورأينا أو سمعنا أو قرأنا عن العديد منهم من الذين وقفوا ضد جملة من المشاريع التي عرضت لنيل الموافقة من البرلمان من مختلف الحكومات.
على سبيل المثال عقد المعاهدة البريطانية العام 1953 ثم الاتفاقية الأميركية العام 1954 ثم المعاهدة الفرنسية العام 1956 ورفض وجود القواعد في البلاد وبعض مظاهر الفساد وتزوير الانتخابات ونقد الحال الذي يجري، وتنبيه المسؤولين إلى شكاوى المواطنين، وغير ذلك من القضايا.
ولعل هذا شكل ضِيقاً أو تبرماً لدى السلطة نتيجة علو الصوت المعارض واضطرتها إلى قطع الطريق أمام هذا الحراك بمنع هؤلاء النواب من التواجد أو الفوز في دورات جديدة. إن ذلك تم داخل البرلمان العتيد بعيداً عن الأحزاب والتنظيمات والتكتلات رغم ما يعتري اللحظات أحياناً من وصف هؤلاء النواب بأنهم من جماعة المؤتمر أو جماعة الجمعية، وسواهما.
ولوحظ في الواقع بطريقة جلية أنه لم تكن هناك عداوات أو أحقاد سادت هذه الحقبة رغم أوجه الاختلاف ولم تكن ثمة تصفية جسدية بين الفرقاء. لم يكن العنف من طبيعة المجتمع أو طبيعة السلطة أيضاً حتى في أمور السياسة. يحدث الاختلاف والتجاذب والصراع، ولكنه لا يصل إلى مراحل التصفية على الإطلاق.
وبالقطع لم يعد هناك والحال كذلك، أية تنظيمات محلية سياسية على هذا النسق. لقد ولدت سريعاً وانتهت أيضاً على وجه السرعة، وكل ما هنالك كما أشرنا لأن كل الوجوه القديمة اندمجت اندماجاً كاملاً في هياكل الدولة وظلت تتحرك وتعمل من خلال هامش الحرية المتاح الذي كفله الدستور وخلقه وجود الصحف والنوادي والجمعيات الثقافية والاجتماعية والرياضية.
ورغم ذلك حدث المتوقع نتيجة للفراغ الذي ظل واسعاً ويضرب أطنابه في كل المفاصل، وسيسمح بكل سهولة لنهوض العمل السياسي السري، الذي سيأتي من الخارج في تنظيمات لم تشهدها ليبيا سابقاً. كانت البلاد بالفعل مهيأة، مع وجود هذا الفراغ السياسي الهائل، لأن يملأ ولا يظل هكذا يتفرج عليه. لا بد من حدوث عمل يغير الرتابة الموجودة رغم التخلف والفقر والأمية التي تعيشها البلاد.
ولاحقا ظل الخطاب القومي الجارف والحركات السياسية في المنطقة القريبة منا تتكفل بتعبئة هذا الفراغ. وصلت الشظايا إلينا. ظهرت المزيد من الإرهاصات والتأثرات بالتيارات السياسية والفكرية التي ترج المنطقة رجا بكاملها ودون استثناء إلا في ما ندر. تغيير يحدث بوضوح غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية وغداة انتصار الحركات الوطنية أو بروزها.
ونحن كنا جاهزين تماما لاستقبالها في الطريق المؤدي إلينا من كل الاتجاهات. وكان هذا الطريق حقيقة معبدأ أمام هذه التيارات بكل سهولة ويسر. لم تكن ثمة أحجار أو صخور أو ألغام. البلاد جاهزة وأجيالها التي تستقبل نهاراتها كانت كذلك أيضا. حدث هذا رغم أن ما وصلنا كان بعيدا في برامجه وعقائده كل البعد عن واقعنا وعن حال بلادنا المتناهية البساطة والمترامية الأطراف بالمعنى الصحيح للكلمة.
لم تكن الحركات والتيارات السياسية موغلة في القدم تاريخيا منذ نشأتها بل إن بعضها لامس أعوام مخاض الاستقلال المرتقب لليبيا. في الإسماعيلية بمصر كان حسن البنا يؤسس لحركة الأخوان المسلمين بالقرب من القناة عام 1928. وفي ربيع 1947 انطلقت مع إيقاعات الدبكة في الشام دقات طبول حزب البعث. ميشيل عفلق وصلاح البيطار وأكرم الحوراني ومن بعيد تنظيرات زكي الأرسوزي.
ردود أفعال على حال الأمة المتردي وضياع الأسكندرونة.. اللواء الذي استلبته تركيا وماتزال. وفي بيروت عند أعتاب الجامعة الأمريكية وفي رحاب مطعم فيصل يؤسس جورج حبش وأحمد الخطيب وجهاد ضاحي وغيرهم حركة القوميين العرب عام 1951 ردا على نكبة فلسطين وخيانة الزعماء العرب مع الوعيد بتصفيتهم وإنهائهم من الوجود. الحركة كانت امتدادا طبيعيا للنشاط القومي السابق من خلال العروة الوثقى والنادي العربي وكتائب الفداء.
تيارات وأحزاب وحركات تهز شوارع المنطقة بالانفجارات والمظاهرات والاغتيالات والخطب. يختلف الخطاب في إحياء الأمة بالإسلام والدعوة إليه والتبشير بالنهوض بالقومية العربية والوحدة والاشتراكية والحرية. شعارات جديدة لم يألفها المواطن من قبل وظلت صداها يرن في أذنيه ويرددها صباحا مساء مع الأناشيد والإذاعات والحماس الذي لا يتوقف.
ذلك عصر مضى اختلط فيه اليمين باليسار وتشابكت الآراء وتقاطعت ولم تلتق على الإطلاق فيما دخل العسكر على الخط في مرحلة تالية وصارت الأمة تعاني من النخب المثقفة والعسكر الذين برعوا في ركل بوابات الإذاعات مع نسائم الفجر الباكر. وبهذا الذي ذكرناه مختصرا ويعرفه الجميع فإننا على هذا النسق لم نكن استثناء مما يدور في المنطقة.
أصبحنا صدى لذلك كله وكان من الضروري أن يستغرق بعضنا في هموم الأمة ويضع حلولا لمشاكلها وأزماتها بعيدا عن مشاكل الواقع الليبي المتخلف. صورة المنطقة هموما كانت في أواخر الأربعينيات ثم الخمسينيات وبعدها الستينيات مفعمة بهذا (النضال). ومن لم يتأثر بما يجري اعتبر سلبيا أو من العائشين في عالم آخر. صورة مكثفة لحركة تتدفق من الشعوب وجماهيرها مثل النهر الغاضب بعد سكون وتهدر بأصواتها حتى تبح حناجرها.
كان لا بد لليبيا نتيجة للفراغ أن يؤثر فيها هذا الهدير الصاخب. ولم يكن ثمة سبيل أو خطة أو منهج أو حيلة لردم هذا الفراغ بسياج من الوطنية والانتماء الحقيقي. وقعت ليبيا ضحية أو فريسة لهذا الهياج وكان من الطبيعي جدا أن يحدث ذلك بسهولة بالغة. انشغلت الجماهير عن واقعها ببريق الخطاب القادم بقوة واستلبها تماما وشدها مع أذنيها دون أي فعل مقابل.
ولاحت مع الوقت بوادر التردد والخوف من السلطة من حدوث المزيد من الشروخ في الواقع، فالظروف اختلفت والأجيال أيضا اختلفت ولم تعد بحاجة إلى من يذكرها بتاريخها وتضحيات أجدادها بل رأى بعضها في الاستقلال الذي تحقق استقلالا كاذبا وأن ليبيا محكومة باحتلال القواعد وعوامل الرجعية والعمالة!
والواقع أن أولى الحركات والتنظيمات حلت بالبلاد قبيل استقلالها بعامين وترافق ظهورها على استحياء مع وجود التنظيمات المحلية الأخرى وكان ذلك يعتبر أول اتصال تنظيمي يتأثر بالخارج في الفترة المعاصرة. في التاسع من يوليو 1949.
وكان القيظ لاهبا وشهر رمضان بأيامه ولياليه يعم المدينة وما حولها لجأ إلى بنغازي ثلاثة من شبان جماعة الأخوان المسلمين. وصلوا بعد معاناة واجتياز للحدود الشرقية عن طريق التسلل والتهريب وقضاء ليلة في درنة وهم: محمود يونس الشربيني (المحامي) وعزالدين إبراهيم مصطفى (الطالب بمرحلة الليسانس بجامعة فؤاد) ومحمد جلال الدين سعده (الطالب بنفس المرحلة والجامعة) كانوا شبابا متقاربين في العمر من مواليد العشرينيات الماضية وطرقوا باب الأمير إدريس في قصر المنار، كان يستعد للسفر باكرا لزيارة لندن.
لم تكن له بهم سابق معرفة ولم يكن هو في ذات الوقت على علاقة بنهج الأخوان المسلمين. كانت ليبيا تعيش إسلاما وسطيا معتدلا وكان هو سليل طريقة دينية إصلاحية تتوخى التربية وتهذيب النفوس وصقل العقول وإعداد الرجال وبناء المجتمع بالكلمة الحسنة والتعايش والاحترام.
قدموا له طلبا للجوء من ورقتين كتبها بخط جميل عزالدين إبراهيم وبينوا عبر الطلب مايلي:
(ياسمو الأمير. في غرة هذا الشهر الذي تتفتح فيه أبواب الجنان وفي هذه الأرض المباركة بأذن ربها المتشرفة بالدعوة السنوسية الحقة وفي رحاب أمير برقة المستقلة ذي الغيرة الدينية والأنفة العربية والروح الإنسانية العالية.. في هذه الأوضاع مجتمعة يستقر بنا المقام فنلقي عصا التسيار بعد سفر طويل شاق ونحن أشد مانكون أملا في تحقيق ما ابتغيناه وسعينا إلى إدراكه.
ياصاحب السمو: نحن ثلاثة من شباب هيئة الأخوان المسلمين بمصر الشقيقة أصابنا من الاضطهاد والعسف ما أصاب كل ما يمت بصلة إلى هذه الجماعة التي لم يكن لها من مقصد إلا إقامة (الدولة) على قواعد (الدين) بتطبيق الشريعة الإسلامية الغراء فلم يكن أمامنا يا صاحب السمو وقد اشتدت بنا حركة الظلم والتنكيل وأن شر الرعاء الحطمه.
إلا أن نهاجر من بلدنا إلى بلد نستطيع العيش فيه آمنين مطمئنين نعبد الله مخلصين له الدين حنفاء فاتجهنا نحو سموكم وكلنا أمل أننا سنجد في رحابكم الطمأنينة خاصة وقد أجمع القوم من حضر وبادية أننا لن نجد الأمان إلا في كنف سموكم. يا صحب السمو: حقيقة أننا متهمون وأن الحكومة جادة في البحث عنا ولو كنا مطمئنين إلى أن العدالة في مصر تأخذ مجراها وأن أهواء السلطة الحاكمة لما تحملنا كل هذا السفر الطويل الشاق.
أيها الأمير العربي المسلم. لقد جئنا إليكم نطلب الأمان في وقت عز فيه على الفرد أن يجد الطمأنينة على حياته ونفسه إلا في كنف سموكم ..).
اهتم الأمير قبل سفره المرتقب في اليوم التالي لمجئيهم إليه بالطلب اهتماما بالغا وشدد في أوامره وتعليماته على حمايتهم وأكد على أن تكون: (الحراسة عليهم كافية وأن يكون المسؤول عنهم في هذه الحراسة ضابط أمين ومأمون خوفا من أن تحصل فيهم هتيكة). وبهذه الطريقة ووفق على لجوئهم واعتبروا ضيوفا على الأمير في قصر المنار.
كانوا من الشباب الناشطين في الجماعة بالقاهرة التي ظلت تشهد المزيد من أعمال العنف والاغتيال من قبل الجهاز السري للجماعة. لم يشتركوا في قتل الخازندار أو النقراشي باشا كما تردد ولكن تهمتهم كانت واضحة وتتعلق بالأوكار وتخزين الأسلحة في بعض أحياء القاهرة.
وفي بنغازي القائظة بدأوا تحركاتهم وعلاقاتهم ووجدوا ترحيبا بهم من الكثيرين خاصة من الشباب مثلهم الذين استهوتهم أفكارهم ومنهجهم. في العام السابق 1948 كان مجموعة من شباب بنغازي يترأسهم إبراهيم حماد شكلوا مجموعة لمحاربة حانات الخمر ومهاجمتها وبيوت البغاء ومحلات القمار.
بقى الأخوان الثلاثة في بنغازي ثلاث سنوات إلى يوليو 1952. وذكر لي السيد عز الدين بنفسه في العام 2008 حيث كان يقيم في أبوظبي ويوالي تجهيز مذكراته تلك الأيام أنه تم جمع الشباب في بنغازي ليس على أساس (تنظيم سياسي) وإنما (على طريقة ومنهج تربوي إصلاحي ).
هذا النشاط نجح تماما نتيجة للفراغ الحاصل إلى درجة أن جمعية عمر المختار تحسست من ذلك لأن أغلب شبابها وهم كثر بدأوا في التحلق حول أولئك اللاجئين الثلاثة.. وهذه طبيعة الأشياء!.
…
يتبع في الجزء التالي
______________
المصدر: صفحات التواصل الاجتماعي نقلا عن بوابة الوسط