محمد أبوفلغة
دور الحكومة في مواجهة التغير المناخي
ثمة دعم واسع عبر المنطقة من المواطنين لفكرة أن على الحكومات أن تبذل المزيد من الجهود للتصدي لتغير المناخ. تتباين المستويات من قرابة الثلثين (64 بالمئة) في تونس، إلى 4 من كل 10 أشخاص (39 بالمئة) في الأردن، ممن يقولون إن على حكوماتهم بذل المزيد من الجهود للتصدي لتغير المناخ.
بالإضافة إلى تونس، يعتنق هذا الرأي أكثر من النصف ً في الجزائر (62 بالمئة) والكويت (55 بالمئة). يتفق مع هذا الرأي النصف تقريبا في كل من موريتانيا (52 بالمئة) ومصر (52 بالمئة) والعراق (49 بالمئة) ولبنان (48 بالمئة). كما يقول الأمر ذاته 4 من كل 10 أشخاص في كل من السودان (41 بالمئة) والمغرب (40 بالمئة).
بالمقارنة، هناك أقليات ضئيلة نسبيا عبر المنطقة ترى أن على الحكومة بذلت جهود أقل في التعامل مع التغير المناخي. أكبر أقلية تجمع على هذا الرأي كانت في المغرب، حيث يريد الربع (26 بالمئة) أن تقلص الحكومة عملها في التصدي لتغير ُ المناخ. في السودان، يعتنق هذا الرأي الخمس (22 بالمئة). وفي الدول الأخرى، أقل من الخمس يقولون الأمر ذاته.
الرغبة في أن تفعل الحكومات المزيد للتعامل مع تغير المناخ تبلغ أقصاها في أوساط الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يظهر هذا بأقوى صوره في موريتانيا حيث الثلثان (68 بالمئة) من الشباب (18 -29 عاما) يقولون إنهم يرغبون في أن تفعل حكومتهم المزيد في هذا الملف، مقارنة بأربعة من كل عشرة أشخاص (41 بالمئة) في الفئة العمرية 30 عاما فأكبر.
هذا بصورة خاصة نتيجة لتدني مستوى الرغبة في أن تفعل الحكومة المزيد إزاء تغير المناخ في أوساط الموريتانيين في عمر 60 عاما فأكبر (24 بالمئة). هناك ظاهرة مشابهة في لبنان حيث 56 بالمئة من الشباب يرغبون في أن تعمل حكومتهم أكثر ً للتصدي لتغير المناخ مقارنة بـ 44 بالمئة في الفئة 30 عاما ً فأكبر. الثلث فقط (35 بالمئة) ممن تبلغ أعمارهم 60 عاما فأكبر ً في لبنان يشاركون هذا الرأي مقارنة بنصف نظرائهم الأصغر من 60 عاما.
هناك فجوة كبيرة بين الشباب والأجيال الأكبر في هذا الصدد في المغرب أيضا، حيث نصف الشباب بين 18 و29 عاما يرغبون في بذل الحكومة المزيد لمواجهة تغير المناخ، مقابل الثلث من شريحة 30 عاما فأكبر (35 بالمئة). الفجوة أصغر في الكويت (60 بالمئة شباب مقابل 53 بالمئة من الأكبر سنا) في حين لا توجد فجوة تُذكر في باقي دول الاستطلاع الأخرى.
يميل مواطنو المنطقة ذوو التعليم العالي إلى دعم زيادة التحركات الحكومية لمواجهة تغير المناخ، أكثر من الأقل تعليما. الفجوة بين المجموعتين تبلغ أقصاها في المغرب، حيث أكثر من النصف (56 بالمئة) من الحاصلين على تعليم جامعي فأعلى يقولون إن على الحكومة بذل جهود إضافية لمواجهة تغير المناخ، مقارنة بثلث الحاصلين على تعليم ثانوي فقط أو أقل (34 بالمئة).
وفي مصر، يقبل على هذا الرأي 6 من كل 10 أشخاص حصلوا على التعليم العالي مقابل النصف فقط من أصحاب المستويات التعليمية الأقل. الفجوة أصغر في الجزائر (7 +نقاط) والسودان (7 +نقاط) وتونس (6 +نقاط). وفي الكويت وموريتانيا والعراق ولبنان والأردن، لا توجد اختلافات كبيرة حسب المستوى التعليمي.
الوضع المادي يشكل عاملا فاصلا أكبر فيما يخص الآراء حول دور الحكومة في التصدي لتغير المناخ. في ست دول من عشر تم طرح السؤال فيها، يتبين أن المواطنين القادرين على تغطية مصاريفهم هم الأكثر إقبالا على القول بضرورة أن تفعل الحكومة المزيد تجاه المناخ. يسري هذا بصورة خاصة على المغرب حيث أكثر من النصف (58 بالمئة) من هذه الفئة يعبرون عن هذا الرأي مقارنة بالربع فقط (26 بالمئة) ممن لا تسمح لهم مرتباتهم بتغطية الاحتياجات الأساسية.
الفجوة واضحة أيضا وإن كانت أصغر، في موريتانيا (12 نقطة) ومصر (11 نقطة) ولبنان (10 نقاط) والسودان (10 نقاط) والكويت (6 نقاط). في كل من تونس والجزائر والعراق والأردن، لا توجد اختلافات واضحة تُذكر بحسب مستوى الدخل.
وفي أغلب دول استطلاع الدورة السابعة من الباروميتر العربي، يتبين أن القاطنين في المناطق الحضرية ينزعون أكثر إلى دعم زيادة التدخل الحكومي لمكافحة تغير المناخ، مقارنة بسكان المناطق الريفية.
في المغرب والسودان يقبل على هذا الرأي سكان الحضر بواقع 11 نقطة مئوية أكثر من سكان الريف. وثمة فجوة مماثلة في لبنان (10 نقاط) ومصر (9 نقاط) بينما هي أقل في كل من العراق وموريتانيا (6 نقاط في كل دولة). لا توجد اختلافات تُذكر بين سكان الريف والحضر حول هذا السؤال في تونس والجزائر والأردن.
على أن هذا لا يعني أن الناس في المناطق الريفية يرغبون في أن تبذل حكوماتهم جهوداً أقل في التصدي لتغير المناخ. إنما القصد أن الناس في الريف يميلون إلى التعبير عن رضاهم عن مستوى الأداء الحكومي الحالي في هذا الملف.
يظهر هذا بوضوح في موريتانيا والمغرب والسودان حيث سكان الريف هم الأكثر قولا بأنهم يرغبون في أن تستمر الحكومة في نفس مستوى مجهوداتها بشأن تغير المناخ، مقارنة بسكان الحضر، بهامش 11 نقطة و10 نقاط و10 نقاط في كل من الدول أعلاها على التوالي. نرى التوجه نفسه – بفجوات أصغر – في كل من لبنان (7 نقاط) والعراق (5 نقاط).
رغم أن الكثير من المواطنين في كافة دول الاستطلاع يرغبون في أن تلتزم الحكومات أكثر بمكافحة تغير المناخ، فهناك تحديات أكثر إلحاحا حصدت مستوى أولوية أعلى.
أولويات الإنفاق الحكومة
لدى السؤال عن أهم أولويات الإنفاق الحكومي في نظر المواطن، يذكر أقل من 1 من كل 10 أشخاص عبر المنطقة ملف الحد من التلوث البيئي، وبالتالي يتذيل هذا الملف قائمة الأولويات.
المجال المفضل للمساعدات الأجنبية
يسري الأمر نفسه على ترتيب المواطن للمجال المفضل للمساعدات الأجنبية، أو أهم أولوية لعمل الأمم المتحدة في الملفات الاجتماعية–الاقتصادية بالمنطقة. لم يقل أكثر من 1 من كل 10 أشخاص في أي دولة إن حماية البيئة أو التعامل مع التغير المناخي هو القضية الأكثر إلحاحا، قياسا إلى قضايا مثل التنمية الاقتصادية أو إصلاح التعليم.
عادات إعادة التدوير
يلجأ العديد من المواطنين عبر المنطقة إلى عادات إعادة تدوير بسيطة، مثل إعادة استخدام القوارير البلاستيكية أو الزجاجية. يقول ثلاثة أرباع المواطنين (74 بالمئة) في فلسطين والثلثان (67 بالمئة) في مصر إنهم كثيراً أو أحيانا ما يعيدون استخدام القوارير، في حين يقول هذا 6 من كل 10 أشخاص في تونس وأكثر من النصف (53 بالمئة) في المغرب.
هناك نسب أقل تمارس العادات نفسها في الأردن (50 بالمئة) والجزائر (47 بالمئة) والعراق (39 بالمئة) وليبيا (38 بالمئة). ويفعل الأمر نفسه الثلث أو أقل في لبنان (34 بالمئة) والكويت (32 بالمئة) وموريتانيا (31 بالمئة) والسودان (28 بالمئة).
وينتشر سلوك إعادة التدوير أكثر في أوساط من لا يستطيعون تغطية مصاريفهم. في الأردن، بينما أكثر من النصف (53 بالمئة) من غير القادرين على تغطية مصاريفهم يقولون إنهم كثيراً أو أحيانا ما يعيدون استخدام القوارير لتبريد المياه في الثلاجة، فإن 4 من كل 10 (39 بالمئة) فقط ممن يستطيعون تغطية مصاريفهم يقولون المثل.
الفجوة بين الفئتين كبيرة في كل من العراق (11 نقطة) وفلسطين (10 نقاط) وتونس (10 نقاط) ومصر (9 نقاط). وهي أصغر – وإن كانت لا تزال بيّنة – في لبنان (8 نقاط) والمغرب (7 نقاط). الفروقات في عادات إعادة التدوير بحسب الدخل تعكس الدوافع الرئيسية وراء هذا السلوك من الأساس.
إعادة التدوير لتوفير النفقات
نسب كبيرة (دون مستوى الأغلبية) على الأقل في كافة دول الاستطلاع – باستثناء الكويت – تقول بأن السبب الرئيسي لإعادة التدوير هو توفير النفقات. يسري هذا بصورة خاصة على مصر (71 بالمئة) ولبنان (70 بالمئة) حيث يذكر 7 من كل 10 أشخاص هذا السبب.
ويذكر السبب نفسه أكثر من النصف في فلسطين (56 بالمئة) والعراق (55 بالمئة) والأردن (53 ً بالمئة) والنصف في المغرب (51 بالمئة) والجزائر (49 بالمئة). توفير النفقات هو أيضا السبب الرئيسي وراء إعادة التدوير في تقدير 45 بالمئة من الليبيين و43 بالمئة في السودان و4 من كل 10 أشخاص في تونس وموريتانيا. في الكويت فقط توجد أقلية (21 بالمئة) تقول إن إعادة التدوير دافعها توفير النفقات.
إعادة التدوير بدافع حماية البيئة
الكويت هو البلد الوحيد الذي يقول نحو النصف فيه (47 بالمئة) إنهم يعيدون التدوير بدافع حماية البيئة. وفي كل من السودان وليبيا يقول 3 من كل 10 أشخاص تقريبا (28 بالمئة) الأمر نفسه بينما يوافق على هذا الرأي أقل من الخمس في الدول الأخرى التي يشملها الاستطلاع.
الختام
تُظهر نتائج الدورة السابعة من الباروميتر العربي أن المواطنين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعتريهم القلق إزاء جملة من التحديات البيئية التي تواجه بلدانهم، حيث المياه هي القضية الأبرز والأهم في تقديرهم من بين القضايا البيئية.
كما يقر المواطنون بتشارك المسؤولية مع الحكومات فيما يخص المساهمة في هذه التحديات، بينما يطالبون بتدخل حكومي أكبر للتصدي لتغير المناخ. لكن في مواجهة التحديات الأكثر إلحاحا – مثل انعدام الأمن الغذائي وانعدام الاستقرار الاقتصادي – يركز المواطنون على هذه التحديات أكثر من التحديات البيئية في الحاضر.
في الوقت نفسه، يتبين من نتائج الباروميتر العربي أن المواطنين بالمنطقة يمارسون بالفعل إعادة التدوير لأسباب شخصية، ما يظهر أن على الحكومات تشجيع هذه السلوكيات، مع تسليط الضوء على أهميتها في حماية البيئة.
***
محمد أبوفلغة ـ باحث في جامعة برينستون
____________
المصدر: تقرير التغيّر المناخي ـ الباروميتر العربي ـ الدورة السابعة
والباروميتر العربي هو شبكة بحثية مستقلة وغير حزبية، تقدم نظرة ثاقبة عن الإتجاهات والقيم الإجتماعية والسياسية والإقتصادية للمواطنين العاديين في العالم العربي