المجتمع “السياسي” المدني، بما فيه من مؤسسات وأحزاب وروابط واتحادات يؤسس شبكة معقدة من الالتزام المتبادل، هذه الشبكة تحفظ القوة الاجتماعية وتكبح جماح القوة السياسية من خلال منظومة الحقوق والحريات.
المجتمع المدني القوي يمثل عائق مهم في وجه استبداد السلطة (أيا كانت سياسية أو عسكرية) لأنه يتبع نظامًا أخلاقيًّا يحمي قيم الحرية ويصونها. ومن خلال إلغاء أو إضعاف مؤسسات المجتمع المدني، يتمكن النظام السياسي الشمولي من أن يجرّد المواطن من دوائر الحماية التي تقيه من يد السلطة الشمولية الصائلة.
وحين تختفي هذه المؤسسات المدنية التي تفصل بين الفرد والحكومة، يصير الفرد مكشوفًا في مواجهة أعداء الحرية الذين يُخضِعون حرية الفرد لسلطة الدولة.
المجتمع الإنساني هو عبارة عن ميثاق عظيم، ليس فقط بين كل فرد من أفراده، بل يضم أيضًا أولئك الذين ما عادوا على قيد الحياة وكذلك الأجيال التي لم تولد بعد. فكل جيل لديه مسئولية تجاه الجيل الذي سبقه والجيل الذي يليه.
وهذا الميثاق يحثنا على أداء أدوارنا على نحو أفضل، بحيث تكون أدوارنا محكومة بهذه الالتزامات التي تتولد عنها روابط المجتمع الإيجابية وترشدنا لتأدية واجباتنا تجاه الآخرين مثلما نأمل أن تُؤدَّى تجاهنا.
وعندما تحاول وتفشل السلطة في تهميش شبكة المجتمع المدني، تلجأ إلى الحلول الأمنية، وهناك تتدخل القسوة والوحشية في التعامل مع المجتمع المدني ويكون أكثر ضحاياه “الإنسان” المواطن.
ولذلك، على التيار المدني أن يتصدى في هذه المرحلة لمهمة في غاية الأهمية وهي إعادة بناء المجتمع المدني التي تسببت الدولة الشمولية في تدميره.
ومن الخطأ الافتراض أن السلطات “التنفيذية والتشريعية والقضائية” القائمة يمكنها النهوض بهذه المهمة. فالمجتمع المدني نتاج للأفعال الإنسانية التلقائية لأشخاص أحرار. وهو يستلزم أن تبتعد السلطات الفاسدة عن مساعي الأفراد وأن تترك لهم حرية الارتباط بعضهم ببعض.
إن تدمير النسيج الأخلاقي للمجتمع أسهل بكثير من بنائه بحرص وتوريثه للأجيال القادمة. وما من شك أن الحرية لن تدوم طويلًا ما لم نبدأ في تنفيذ هذه المهمة. هذا يعني أن الأفراد لا بد أن يكونوا أحرارًا في شئونهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
__________