علي اللافي
بعد انتفاضة الأحزاب الليبية، ومطالبتها بأن تكون حاضرة في الاستحقاقات الانتخابية، هل تستطيع أن تعيد حظورها في العملية السياسية القادمة؟
أولا، تزامناً مع معركة الإعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية التي لم تتضح معالمها أو مصيرها بعد في ليبيا، ورغم التقدم الحاصل في المسارات الأربع (العسكري/الأمني– الاقتصادي/الاجتماعي– السياسي/التنفيذي– الدستوري)، تعالت خلال الأيام الماضية أصوات الأحزاب السياسية المغيبة عن المشهد، مطالبة بعدم إقصائها مرة أخرى عن صناديق الاقتراع.
وفيما قد تكون محاولة لتوحيد الصف وتعميق التأثير في المشهد المعقد، نشطت أخيراً عدة أحزاب وبرزت في صور تكتلات حزبية جمعت حتى بعض الخصوم، كحزبي تحالف القوى الوطنية والعدالة والبناء، اللذين سيطرا سابقاً على جزء كبير من مسار الجسم التشريعي إبان وجود المؤتمر الوطني العام.
ثانيا، على عكس ما يعتقد البعض فان ليبيا عريقة في تبني النظام الجمهوري والحياة الحزبية ففي سنة 1918 تم تأسيس أو تجربة جمهورية في العالم العربي وعرفت يومها بالجمهورية الطرابلسية ولاحقا تأسست أحزاب وتيارات سياسية يسارية وقومية عربية وليبرالية وإسلامية، وعرفت أوجها خلال عقد الستينات من القرن الماضي ولكن نظام القذافي قمعها وفككها وأدخل قادتها السجون بما في ذك الناصريين ولم يعد هناك أي وجود علني للأحزاب منذ سنة 1973.
واضطرت أغلبها للدخول في السرية ولكن طول فترة النظام السابق تلاشى وجود كثير من الأحزاب والتنظيمات حتى أنه لم يعد اليوم أي وجود فعلي لليسار الماركسي ولا للتيار القومي العربي حيث يقتصر المشهد اليوم على بقايا انصار النظام السابق والاسلاميين والليبراليين وبعض أحزاب وطنية محافظة.
ثالثا، على عكس ما يحاول الاعلام العربي المناصر للثورات المضادة العربية فان التجربة الديمقراطية الليبية ما بعد 2011 لم تفشل بل عرفت النجاح والدليل هو تنظيم أربعة استحقاقات انتخابية (انتخابات يوليو 2012 التشريعية–الانتخابات البلدية – انتخابات هيئة الدستور– انتخابات يونيو 2014 التشريعية).
ولم تبدأ الأزمة في ليبيا الا بحدوث الانقلاب في مصر وبداية تداعياته على ليبيا إضافة الى تداعيات الأزمة الخليجية الأولى وظهور محورين اقليميين متصارعين وحتى لغة الحرب لم تبدأ الا كانعكاس مباشر للازمة الخليجية الثانية,
رابعا، تُجيب الدراسة/القراءة التحليلية على التساؤلات التالية:
أـ التساؤل الأول حول ماهية الانتفاضة الأحزاب الأخيرة وحيثياتها
أولا، انتفاضة الأحزاب على هندسة المشهد السياسي ليست جديدة بل تعود الى مطلع سبتمبر 2022، ويومها أعلن التحالف الوطني و العدالة والبناء و الجبهة الوطنية، و التغيير، و ليبيا النماء و العمل الوطني، و تيار يا بلادي، و تكنوقراط ليبيا، عن تأسيس شبكة تواصل.
وقبل ذلك، في مايو 2022، أُعلن عن تأسيس “تجمع الأحزاب الليبية” من 24 حزباً، وعلى وقع مساع لم تنجح بعد لإعداد قاعدة دستورية أو قوانين انتخابية من قبل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.
واستناداً إلى الضغط السياسي المتصاعد للمجتمع الدولي الذي يشدد على ضرورة أن تكون القواعد توافقيّة، بهدف إنهاء النزاع وإنتاج أساس دستوري مقبول يقود أطراف النزاع للتعجيل بإجراء الانتخابات. أجرى تكتل “تجمع الأحزاب الليبية” عدة لقاءات لبحث مصير العملية السياسية، بما فيها الانتخابات.
ثانيا، التكتل الحزبي سالف الذكر أعلاه طالب في بيان صدر عنه إثر انتهاء اجتماعاته، بأن تُشرّع أي قاعدة دستورية للانتخابات دور الأحزاب في العملية السياسية، باعتبار العمل الحزبي أساساً للممارسة الديمقراطية، مشككاً في أن تكون قوانين الانتخابات مقبولة “ما لم تقر مشاركة الأحزاب السياسية في العملية الانتخابية، وفق نظام القوائم الحزبية لأغلبية مقاعد البرلمان، وبما يضمن حق المستقلين في الترشح أيضاً”.
وشدد التكتل على ضرورة حذر البعثة الأممية من أن يتم تهميشه في مسارات التشاور وبلورة الحلّ الذي تقوده الأمم المتحدة، معبراً عن رفضه لما وصفه بــ”العبث بمقدرات الدولة ومستقبلها، واختزال المشهد السياسي في كيانات ومجموعات بعينها”.
ولكن، رغم مشاركة الأحزاب في أول تجربة انتخابية تشريعية في ليبيا عام 2012، إلا أنها اسُتبعدت من الترشح في انتخابات عام 2014، التي انتجت مجلس النواب الحالي، والأخير استبعدها من الترشح أيضاً عند إصداره للقوانين الانتخابية التي كانت تمهد للانتخابات التي لم تجر في نهاية عام 2021، فيما لم يوضح التعديل الثالث عشر، الذي أقره مجلس النواب الأسبوع الماضي، وضع الأحزاب في العملية الانتخابية المقبلة.
ثالثا، يُرجح رئيس حزب صوت الشعب والناطق باسم تكتل “تجمع الأحزاب الليبية” فتحي الشبلي استمرار ترسيخ إبعاد الأحزاب عن المشهد السياسي بناءً على القوانين السابقة التي منعتها من الترشح في الانتخابات، وقال في تصريح لاحدى اليوميات العربية إن “الذين صاغوا القانون لم يملكوا أي خبرة أو تجربة، ولم يستعينوا بخبرات من سبق، وكان القصد من البداية تفريغ الأحزاب من أي محتوى أو حصانة، ومنع مشاركتها في الحياة السياسية”.
واعتبر الشبلي أن اشتراط قوانين الانتخابات السابقة حصول المرشح للانتخابات التشريعية على مؤهل جامعي “أكبر دليل على إقصاء فئات كالفلاح والعامل وفئات أخرى من المشاركة السياسية”، ويطرح الشبلي سبباً آخر لضعف دور الأحزاب، وهو فقرها المالي وعدم دعم الدولة لها، ما يشكل وفق قوله “خطراً، لأنه تتم الاستعانة بالمال الفاسد”.
إلا أنه استدرك بالتأكيد على نضج العمل الحزبي، مستنداً في ذلك إلى أن الرؤى التي باتت تطرحها الأحزاب “تصب في صلب وعمق الحل”، على حد قوله.
رابعا، يمكن الجزم أن الاستمرار في إبعاد الأحزاب وراءه فعليا الأطراف السياسية المتنفذة في المشهد، والتي وصلت إلى مواقعها بصفة فردية أو مدعومة من قبل أطراف جهوية أو قبلية أو مناطقية أو عائلية، وكل من سبق ذكرهم حسب رئيس حزب التغيير جمعة القماطي “لا يملكون برنامجاً أو مشروعاً سياسياً ولا رؤية سياسية، وتُحركهم المصالح الشخصية وثقافة التعامل مع الدولة كغنيمة، وبالتالي هم لا يريدون إفساح الفرصة أمام الأحزاب، لأنها ستطرح مشروعاً سياسياً ورؤى وبرامج، وتكوّن كتلاً داخل البرلمان. وبالتالي ينتهي دور الأفراد والمشاريع الفردية”.
ومن المنتظر أن تسير القاعدة الدستورية المنتظرة أو القوانين التي ستنظم الانتخابات التشريعية القادمة على نهج منع الترشح نفسه على أساس القوائم الحزبية، ما لم يكن هناك ضغط حقيقي من الأحزاب نفسها والمجتمع الدولي والأطراف الفاعلة المدنية والشعبية”.
والثابت أن استبعاد الأحزاب “أفسح المجال أمام الاختيار على الأساس القبلي والجهوي والمناطقي”، وذلك حدا برئيس حزب التغيير إلى القول أن التجربة الحزبية “وليدة في ليببا”، موضحاً بالقول: “كان هناك انقطاع وتغييب للعمل الحزبي على مدى 60 سنة، بل كان هناك تجريم له بحكم القانون طيلة حكم القذافي، وبالتالي لم تتجذر التجربة في المجتمع الليبي، ولم تنتشر أفقياً وتستقطب وتبني قواعد شعبية”.
ومع إقرار القماطي بوجود العمل الحزبي، إلا أنه يراه محدوداً بسبب ضعف إمكانيات الأحزاب وتخلي الحكومات المتعاقبة عنها. ومع كل ذلك، يعتقد القماطي أن صوت الأحزاب “بات مسموعاً في الأشهر الأخيرة”، وذلك بعد تنسيقها في مجموعات وشبكات، وتجدد ظهورها الإعلامي، ومنح لجنة شؤون الأحزاب بوزارة العدل بالحكومات الليبية المتعاقبة تراخيص إنشاء الأحزاب، وقد منحت حتى نهاية العام الماضي تراخيص لقرابة الـ70 حزباً موزعة في أنحاء البلاد، أكثرها لا تعرف له فاعلية ولا انتشار.
…
يتبع
***
علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون المغاربية والافريقية
ما ورد في المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس عن وجهة نظر المركز
___________
المغاربي للدراسات والتحاليل