عبدالله الكبير

تتجدد هذه الأيام ذكرى ثورة فبراير، وكما جرت العادة كل عام، يعود الجدل حول الثورة ومآلاتها، وتطرح نفس الاسئلة، هل هي ثورة أم مؤامرة؟

ولن تخرج الإجابة عن سياق الانتماء. مع الثورة أم ضدها، من دون تجاهل مستويات الوعي، ومدى النضج الثقافي والفكري لمن يرغب في تشريح الثورة، للوصول إلى إجابات وافية عن كل الأسئلة التي تطرحها أو تثار حولها.

من المنطقي أحيانا أن تكون الإجابة عن السؤال بسؤال مضاد، أو حتى عدة أسئلة.

ما المؤامرة في مطالبة الشعوب بحقوقها وكرامتها وحريتها؟

ما المؤامرة في النهوض ضد الفساد والاستبداد والدكتاتورية؟

ما المؤامرة في مطالبة الناس بالديمقراطية لاختيار من يدير شؤونهم؟

ألا يكون الصمت والقبول بالقهر، والامتهان والاضطهاد، وتبذير مقدرات الوطن خلف أوهام المجد والزعامة هو المؤامرة؟

ثورات الربيع العربي الأول في 2011 ثم موجته الثانية بعد نحو عقد، ماتزال حدث يتفاعل، منذرا بمزيد من الموجات والانتفاضات، لأن الأهداف التي دفعت الناس للنزول إلى الميادين أغلبها لم يتحقق.

وطالما بقيت الأسباب التي تدفع الشعوب إلى الثورة، لن يأمن أحد عدم تفجرها في موجات جديدة، ولا أحد بوسعه التنبؤ بموعد تفجرها، لأن الثورة حدث استثنائي في تاريخ الشعوب، تستدعيها تظافر عدة عوامل وظروف.

 كانت الثورات العربية مطلع القرن الحالي، هي أنبل وأجمل لحظة في التاريخ العربي المعاصر ، خرج فيها الشباب معلنين عن مطالبهم العادلة والمشروعة بشكل عفوي، سلمي وحضاري، من دون قيادات أيديولوجية أو حزبية.

عفوية الأيام الأولى لكل الثورات العربية لا أحد ينكرها، ولكن استجابة أنظمة الظلم والطغيان، التي لا تجيد غير القمع والقتل، واجهت شباب الثورة بالرصاص.

ورغم تمسك شباب الثورة بالسلمية، إلا أن الأنظمة أصرت على العنف، ولكنه لم يكن مفرطا في تونس ومصر، بينما أظهر نظام القذافي استعداده لحرق البلاد بترسانته الحربية، ما دفع الثوار إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم، فاشتعلت الجبهات، واحتدم الصراع ما أدى في النهاية إلى التدخل الدولي عبر قرارات مجلس الأمن.

لم يستقر الأمر للثورة بعد اسقاط رأس النظام، فبرزت المشاريع السياسية الإسلامية العابرة للحدود، واستجمعت القوى المضادة للثورة صفوفها، مسنودة بقوى اقليمية ودولية ليس من مصلحتها نهوض الشعوب وسيطرتها على قرارها، لمحاصرة الثورة وإغراق البلاد في الفوضى.

وعاد العملاء الطامحون في الاستحواذ على ميراث القذافي وتأسيس دكتاتورية جديدة بنفس القواعد والآليات، وبذلك استمر الصراع بين الثورة واعدائها.

 كل هذه الفوضى وعدم الاستقرار يتحمل مسؤوليته النظام المنهار، والقوى المضادة للتغيير، فالثورة اسقطت النظام الدكتاتوري.

ولكن الثورة لم تحصل على أية فرصة لبناء نظام جديد يحقق أهدافها، بل استمرت تصارع القوى التي تكالبت عليها، في بلاد تصحرت سياسيا بفعل التخريب الممنهج الذي مارسه النظام السابق.

التركة:

لا احزاب ولا منظمات مجتمع مدني

ولا ممارسة سياسية تنمي الوعي الوطني، وتجمعه حول هوية موحدة،

ولا مؤسسات دستورية يمكن اللجوء إليها حين يتعرض الوطن لتهديد خطير، فضلا عما خلفه من ألغام الفتن بين مكونات الوطن

تحل ذكرى الثورة والأوضاع في كل مناحي الحياة لا تشهد تقدما واضحا، ومع ذلك يتدفق الناس بالآلاف إلى الميادين لاحيائها والاحتفال بها، من دون إجبار أو تهديد بقطع المرتب أو سلع الجمعية الإستهلاكية، كما كان يفعل النظام السابق، وهو يحتفل بذكرى استيلائه على السلطة,

لأن الناس يشعرون بأنها الحدث الأبرز في تاريخ ليبيا المعاصر، وأنهم شاركوا فيها بدرجات مختلفة، وعليها يعلقون الآمال الكبيرة، في إنجاز التحول التاريخي باستعادة الوطن، وتأسيس دولة العدل والحرية والديمقراطية.

فالثورة حطمت جدار الخوف، وأطلقت العنان للتغيير، وفتحت باب المستقبل على مصراعيه، ورغم كل الاحباط والتراجع وتردي الأوضاع، ستشق طريقها مهما تعاظمت العراقيل، حتى تتحقق كل الأهداف.

 ____________

المرصد الليبي

مقالات مشابهة