د. إبراهيم الديب
للنظم الإستبداية أركان أربعة بحكم دراستنا الميدانية وما قمنا به من تحليلات معاصرة تتماشى مع ما توصل له علماء المجتمع والسياسية سابقا.
أركان الإستبداد أربعة:
أولا، أكثرها اهمية هو غياب الوعى لدى المجتمع، المعزّز بمنظومة أفكار التضليل ــ هوية مجتمعات القطيع والعبيد.
ثانيا، القوة الصلبة ــ قوة البطش ــ الجيش والامن.
ثالثا، الحاكم المستبد القاهر لشعبه.
رابعا، يدعم ذلك شبكة العلاقات والأمان المحلية والدولية مع رجال المال والثقافة والفن والسياسة والطرف الثالث الخفي عصابات الجريمة المنظمة والبلطجية وأجهزة العمليات الغير معلنة والمعروفة بالطرف الثالث.
من هنا وبحكم دراستنا في الأسباب الجوهرية العميقة التى تجيب على أسئلة أسباب التحولات الإجتماعية والإنحدار المستمر في حياة الإنسان والمجتمع ليتحول تدرجيا وطوعا إلى مجتمعى القطيع اللاإنسانى، أدركنا ان أزمة الإستبداد هى في جوهرها أزمة قيم وأن أزمة السياسة ما هى إلا ظاهرة لأزمة شعب فقد قيمه وإنسانيته فحوّل نفسه الى قطيع يبحث عن مستبد ليحكمه.
لذلك سنتناول التحليل القيمى لظاهرة الاستبداد لنكشف فيه عن منظومة قيم التحرر وكيف تم إنتزاعها، ومنظومة قيم الاستبداد وكيف تم غرسها بشكل ناعم ومتدرج حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، باحثين في العمق عن أسباب التحرر الحقيقي الكامل الذى تسترد فيه الشعوب وعيها وإنسانيتها وكرامتها وحقها في الاختيار والسلطة والثروة والحياة الحرة الكريمة التى أرادها الله تعالى للانسان.
وفى هذا يقول رسول التحرر وأستاذ البناء الحضارى محمد صلى الله عليه و سلم: إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ (حديث صحيح رواه أحمد) كاشفا النقاب عن حقيقة ومضمون رسالته التحررية للخلق من عبادة العباد المستبدين إلى عبادة رب العباد العادل.
حقيقة الإستبداد هى شعب يتصف بالتالي:
-
ضعيف العقل محدود التفكير.
-
مرتبك ومشتت في تفكيره.
-
مرتبك منظومته القيمية، هش ومتناقض فيما تبقى لديه من قيم، سىء السلوك والأداء والإنجاز.
-
محدود المعرفة، مستهلك غير ذكى لها، بعيد كل البعد عن إنتاجها وإستثمارها.
-
مشوه في معتقداته ومسلماته الخاطئة التى تتحكم في تفكيره وتصوراته وإتجاهاته وميوله وقراراته.
-
مغيب الوعى بذاته وحقوقه وواجبته.
-
ممسوخ الشخصية نزعت منه خصائصه الإنسانية من حرية وعزة وكرامة وإرتفاع الرأس وشموخ الهامة إلى عبودية ومذلة ومهانة وخسة وندالة وطأطأة الرأس وإنكفائها نحو الأرض مستسلمة للاستبداد والطغيان والقهر، حتى أصبح لا يعرف ذاته ولا رسالته ومهمته في الحياة.
-
مستخف به لا يعرف صديقه من عدوه، فقد قدرا كبيرا من إنسانيته التى كرمه الله تعالى بها وفضله عن باقى المخلوقات وسخر له مافي السموات والأرض لرسالة الإعمار ومهمة البناء والتجديد للحضارة المستمر.
-
لا يعرف حقوقه في ثروات بلاده، ولا ميراثه من عظيم أجداده، فقط هو يحفظ ويردد ما علمه له المستبد، لا أقول ماذا اعطتنى بلادى ولكن قل ماذا سأطعى لدولة المستبد وهو بذلك راض قنوع صابر محتسب فقد علّمه شيوخ السلطان سَحَرة الشعوب أن الدنيا دار الفناء ليست لهم إنما هى للمستبدين، والجنة في الآخرة مثوى لكم فهنيئا لكم بفقركم ومرضكم ورضاكم بسرقة كل حقوقكم فكلها مدخرة لكم في الآخرة.
مثل هذا الشعب فاقد الإنسانية، حقّ أن نطلق عليه شعب القطيع، تراه مفككا متصارعا فيما بينه على فتات الحياة، بالرغم من كونه عاملا أجيرا ليل نهار بالمجان عند المستبد.
شعب القطيع هذا بطبيعته اللاإنسانية هذه وبتمرده على تكريم الله تعالى له أصبح بحاجة لمن يقوده وينظم شؤون رعيه في حقول المستبد، وإدارة صراعاتهم البينية على فتات حياتهم ومن ثم أصبح جاذبا لمستبد يقوده وينظم حركته للعمل في خدمته وسيادته.
وفي سبيل لذلك سيحتاج إلى:
معاونين منهم ليدير بهم شأن هذا القطيع البشرى المليونى الكبير،
فيختار أسوأ من فيهم ليستعين بهم في أجهزة معلوماته الإستخبارية والقوة الصلبة من جيش وأمن ،
ومن يصلح منهم لإدارة شؤون دولته مثل الإقتصاد والإدارة ..الخ ،
مع تخصيص بعض السحرة والأرجوازات ليتولوا مهمة الإعلام والفن والثقافة ليتولوا مهمة المحافظة على تغييب وعى هذا القطيع البشرى،
وغسيل مُخّه ليستمر في العمل لدى حقول دول المستبد بكل جد وإجتهاد صابرا محتسبا جوعه وفقره ومرضه في سبيل حياة الزعيم المستبد.
***
د. إبراهيم الديب ـ كاتب ومفكر متخصص في تخطيط وبناء القيم والمحافظة على الهوية، رئيس مركز هويتى لدراسات القيم والهوية كوالالمبور
____________
الجزيرة