مروان المعشر

إذا ما أرادت الأحزاب السياسية الجديدة، المشاركة الفاعلة في العملية السياسية، فينبغي عليها أن تتغلّب على تحدّياتها المؤسّساتية، وتحسّن قدرتها على توفير مايحتاج إليه الشعب على المدى الطويل.

***

نشأت عشرات الأحزاب السياسية الجديدة في مصر وليبيا وتونس منذ بداية الثورات العربية. وعلى الرغم من أنّ الكثير من هذه القوى لعبت دوراً نشطاً في إطاحة الأنظمة القديمة، إلا أنّها واجهت صعوبة في تطوير هويّات متّسقة، وإنشاء قواعد دعم فاعلة، وبناء قواعد انتخابية مستدامة.

سيلعب مصير هذه الأحزاب الناشئة دوراً هائلاً في تحديد نجاح مراحل الانتقال السياسي التي تشهدها المنطقة العربية.

توصيات للأحزاب السياسية الناشئة

  • وضع برامج واضحة ومفصّلة تتجاوز الحديث عمّا يعارضه الحزب لتحدّد ماتنوي عمله، أي تلبية حاجات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية.

  • تصميم برامج من خلال مشاورات شاملة مع الناخبين بدلاً من الاعتماد على مشورة مروحة صغيرة من الخبراء.

  • التخلّي عن البرامج الإيديولوجية البالية وإيجاد طرق جديدة للتوصّل إلى حلول بشأن تحدّيات توفير فرص العمل، وضمان الحراك الاقتصادي، وتحقيق المساواة أمام القانون، ومكافحة الفساد، وضمان تمثيل سياسي أوسع وأكثر عدلاً.

  • تعزيز السياسات التعليمية التي تشجّع على التعدّدية، والتسامح، واحترام مختلف وجهات النظر، والتفكير النقدي.

  • إقامة روابط حقيقية مع الناس، والتعلّم من الأحزاب الإسلامية التي بنت قواعد انتخابية على مدى عقود من خلال توفير الخدمات الصحية والتعليمية، وغيرها.

  • وضع استراتيجيات جديدة ومبتكرة لجمع التبرّعات الصغيرة، ولكن المنتظمة، من قاعدة واسعة من المواطنين.

  • إقناع مجتمع رجال الأعمال بتأدية دور أكثر فاعلية في تمويل الأحزاب السياسية الناشئة، من خلال التدليل على أنّ إنشاء نظام حزبيّ قويّ ومستقلّ ومستقرّ يصبّ في مصلحته.

  • تقليل التركيز غير القابل للاستمرار على شخصيات الأحزاب وقادتها منفردين.

  • التشجيع على توطيد الأحزاب السياسية العلمانية من خلال التركيز على سياسة الخيمة الكبيرةالتي تستوعب الجميع.

الصعوبات التي تواجهها الأحزاب الناشئة

فتح سقوط الأنظمة الحاكمة في مصر وليبيا وتونس بابَ المشاركة السياسية على مصراعيه. فتكاثرت الأحزاب نتيجة اغتنام الناس فرصة تنظيم أنفسهم سياسيّاً وجعل أصواتهم مسموعة في العملية الديمقراطية.

في مصر، خاض أكثر من 60 حزباً الانتخابات البرلمانية.

وفي تونس، فاق عدد الأحزاب المئة.

وفي ليبيا، تسجّل ما لايقلّ عن 142 حزباً سياسيّاً جديداً للتنافس في الانتخابات التشريعية الأولى في البلاد .

بيد أنّ الغالبية العظمى من هذه الأحزاب الجديدة فشلت في القيام بأكثر من التسجيل لدى الحكومة، بما أنّها لم تقم بشيء لتثبت وجودها على الأرض. إنّها لم تكن موجودة في الواقع إلّا على الورق.

وحتى تلك الأحزاب التي ظهرت على أنّها لاعبة رئيسة، فشلت عموماً في تحقيق أي تأثير انتخابيّ مهمّ في الانتخابات البرلمانية الأوّلية، وتميّزت عوضاً عنها المنظمات الأعرق والأكثر رسوخاً بالأداء الأكثر فاعلية.

كان الإسلاميّون من بين الذين سجّلوا الأداء الأفضل، مثل الإخوان المسلمين في مصر وحزب النهضة في تونس، وهما حزبان أنشآ قواعد فاعلة على المستوى الشعبي لعقود خلت، من خلال الأعمال الخيرية، والخدمات الاجتماعية، ووعود بحوكمة أفضل.

تمثّل الاستثناءُ في ليبيا التي كانت أساساً خالية من الأحزاب في عهد القذافي. ولذا، كانت جميع الأحزاب جديدة عمليّاً. وقد استطاع تحالف القوى الوطنية المشكّل حديثاً تأمين مقاعد أكثر من أي حزب آخر في ليبيا في انتخابات العام 2012، على الرغم من أنّ المستقلّين يهيمنون على السلطة التشريعية.

لكنْ، ومع تقدّم مراحل الانتقال، بدأت الأحزاب الناشئة تثبت وجودها بقوة أكبر، وبخاصّة في مصر وتونس. وقد انكفأت الأحزاب الأضعف، وبدأت الأحزاب الأكبر بتشكيل تحالفات لزيادة نفوذها على الساحة السياسية

في مصر، أسّست الأحزاب التي تشكّلت حول كبار رجال السياسة العلمانيين بعد الانتخابات الرئاسية في العام 2012 مع القوى الناشئة الأخرى جبهةَ الخلاص الوطني في تشرين الثاني/نوفمبر 2012.

وأدّى هذا التحالف دوراً رائداً في حشد المعارضة ضدّ إدارة مرسي، إلى حين بدأت حملة أطلقتها حركة تمرّد الشعبية تنال زخماً كبيراً في أيار/مايو 2013.

وفي تونس، انقلب المشهد الحزبي بسرعة في أعقاب الانتخابات البرلمانية في العام 2011، وظهر حزب علماني جديد، نداء تونس، باعتباره منافساً فعليّاً للحكومة التي يقودها حزب النهضة.

استطاعت أحزاب المعارضة في نهاية المطاف إقناع النهضة بتسليم السلطة إلى حكومة تصريف أعمال والالتزام بإجراء انتخابات جديدة.

في غضون ذلك، لايزال تحالف القوى الوطنية الحزب الأكبر في ليبيا، ويحظى بأعلى مستويات التأييد والوعي الجماهيري، في الوقت الذي لايزال فيه دور معظم الأحزاب السياسية الناشئة الأخرى هامشيّاً.

لاتزال الأحزاب السياسية العلمانية الناشئة في البلدان الثلاثة تجهد لإثبات وجودها في أنظمتها السياسية.

وعلى الرغم من تشكيل بعض التحالفات، لايزال مشهد الأحزاب السياسية في مصر وليبيا وتونس مجزّأ للغاية.

والأحزاب تفتقر إلى المستويات اللازمة من الوعي والدعم الجماهيري لتلعب دوراً سياسيّاً فاعلاً، مع استثناءين محتملين هما تحالف القوى الوطنية في ليبيا ونداء تونس في تونس.

***

مروان المعشر ـ نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيجي

______________

نشرت هذه الدراسة بمؤسسة كارنيجى بتاريخ 13 نوفمبر 2013 بعنوان الطريق نحو أحزاب سياسية مستدامة في العالم العربيوهي تستند إلى كتاب الصحوة العربية الثانية والمعركة من أجل التعدّدية وإلى مناقشات مع قادة أحزاب من مصر وليبيا وتونس في إطار ورشة عمل نظّمها برنامج الشرق الأوسط في كارنيغي في عمّان، الأردن، في 30 أيلول/سبتمبر 2013.

_____________________

مقالات مشابهة