محمد المبروك مسعود
نشرت مؤسسة لونج مان (Longman) لنشر الكتب كتاباً بعنوان القيادة Leadership لوزير الخارجية السابق “هنري كسينجر“. الكتاب عبارة عن دراسة لستة من القادة المشهورين، وهم:
1) كونراد أديناور، وهو أول مستشار ألماني في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية من 1949 حتى عام 1963م، وبفضل جهوده حققت ألمانيا الديمقراطية والاستقرار والازدهار الاقتصادي.
2) الجنرال شارل ديجول الذي انضم إلى الحلفاء وباستراتيجية الإرادة حول انتصارات الحلفاء في فرنسا إلى انتصارات فرنسية، واستعرض قواته في الشانزليزيه، وبذلك وسم شرعيته في فرنسا حتى استقالته في 1965م.
3) ريتشارد نيكسون، وهو الرئيس الأمريكي الذي ارتبط اسمه باستراتيجية التوازن، وهي تهدف لتحقيق التوازن بين دول العالم الكبرى، وتكون الولايات المتحدة هي المشكل الرئيس لهذا التوازن، وبذلك استطاع نيكسون تشكيل السياسة الخارجية لأمريكا.
4) أنور السادات، وهو الرئيس المصري الذي هزم إسرائيل، وتجاوز– حسب رأي الكاتب– النموذج السائد في مصر ليحقق السلام، وليستعيد كل الأراضي المصرية التي احتلتها إسرائيل.
5) مارجريت ثاتشر، وهي السياسية البريطانية الملقبة بالمرأة الحديدية، تولت رئاسة الوزراء في بريطانيا من مايو 1979 إلى نوفمبر 1990، وكان لسياساتها الاقتصادية تأثيراً كبيراً في الاقتصاد البريطاني.
6) لي كوان يو، وهو رئيس الوزراء ومؤسس دولة سنغافورا، والذي بقيادته حول بلد فقير إلى دولة متقدمة، ومن جزيرة من السهول الطينية والمستنقعات إلى حاضرة مزدهرة.
من سنغافورا إلى ليبيا
لن ينسى العالم كله، لي كوان يو، رئيس الوزراء ومؤسس دولة سنغافورا، فقد استطاع أن يعالج التفكك العرقي في سنغافورة، فقد كان معظم سكانها من الصينيين والماليزيين والهنود، مع عدد أقل من السكان العرب والأرمن واليهود، ونتيجة لهذا الانقسام العرقي، لم تكن هناك لغة مشتركة بينهم، ولا رابطة مشتركة ليشعروا بأنهم مواطنين في نفس البلد. ولتشجيع الوحدة والاختلاط العرقي والشعور بالهوية، تم إعطاء حصصاً عرقية في المناطق السكينة وحصصاً للدخل، وأدى هذا إلى القضاء على الفصل العنصري، وسمح هذا للأشخاص من خلفيات عرقية وثقافية مختلفة بتطوير وعي وطني.
ونجح “لي كوان” أيضًا في الإجابة على سؤال حول اللغة التي ستتبناها سنغافورة كلغة خاصة بها، نظرًا لأنه تم التحدث بالعديد من اللغات المختلفة في الجزيرة. كان حله هو اعتماد نظام تعليمي ثنائي اللغة، حيث تدرس جميع مدارس اللغة الإنجليزية لغة الماندرين والماليزية والتاميلية، وجميع المدارس الأخرى تفرض دروسًا في اللغة الإنجليزية. بهذه الطريقة، يمكن لكل أسرة الحفاظ على لغتها الأم والتواصل باللغة الإنجليزية.
وكان التعليم أولوية بالنسبة إلى “لي كوان“، فقد خصص، خلال السنوات التسع الأولى من حكمه، ثلث ميزانية سنغافورة بالكامل للتعليم. وكان هذا ممكنا بسبب تأكيد “لي” على القضاء على الفساد. حيث أصدر حزبه قوانين تفرض عقوبات قاسية على الانخراط في سلوك فاسد على أي مستوى من مستويات الحكومة. ومن الناحية الاجتماعية، أصبح الفساد نفسه رمزًا للفشل الأخلاقي وخيانة لقيم الأمة. وفي جميع المجالات، أصر “لي” على التميز – ليس فقط البقاء على قيد الحياة ولكن الازدهار.
كان عليه أن يؤسس لتوقع التميز كقاعدة للبلد، لذلك بعد فترة طويلة من رحيله، سيحمل خلفاؤه قيمه إلى المستقبل. يحتاج المجتمع كله إلى الاعتقاد بأن المستوى المتوسط أمر غير مقبول وأن التجاوزات لن يتم التسامح معها. من خلال الالتزام الجماعي بالنجاح، فإن السنغافوريين سوف يتكاتفون على الرغم من افتقارهم إلى الروابط العرقية أو الثقافية. واستعان “لي كوان” بأفضل العلماء والخريجين المؤهلين من جامعات رصينة ليكون هيئة التنمية الاقتصادية للاستثمار، ونجح في جذب الاستثمارات الأجنبية، وافتتحت حكومته مطار شانغي سنغافورا، واستثمرت في شركة طيران سنغافورا وفي ميناء سنغافورا.
وبفضل جهود “لي كوان“، أصبحت سنغافورة الآن واحدة من أكثر دول العالم نجاحًا، وهي من أغنى دول آسيا، وتحتل بانتظام مرتبة ضمن أعلى نسبة مئوية في مقاييس رفاهية الإنسان.
ونحن الليبيون يمكن لنا أن نستفيد من تجربة سنغافورا، ولكن قبل ذلك أقول أن موضوع القيادة موضوع كبير، وأعتقد أن القيادات التي تصلح لقيادة البلد وتوحد أقاليمه وسكانها، هي القيادات التي تتصالح مع الماضي بمعنى أنها تعرف كل الانتهاكات والأخطاء وتعترف بها، وتحاسب مرتكبيها تمهيداً للمصالحة الوطنية الشاملة، وتنهض بقطاعات التعليم والصحة والاقتصاد ضمن مشروع لنهضة البلد، وتحارب الفساد الذي يقوم بها الأفراد والمؤسسات.
وحيث أننا في ليبيا جربنا حكم الاستبداد والقبلية والفساد، لذا علينا نحتكم إلى صندوق الاقتراع، ونعطي أصواتنا للكفاءات ولنظيفي اليد الذين يحملون مشروع نهضة الوطن والمواطن. ويجب أن نهيئ مناخ الديمقراطية والتنافس والتداول السلمي للسلطة، ونعطي الفرصة لتقدم القيادات التي يحتاجها الوطن.
لو نظرنا نظرة واقعية لبلدنا ليبيا، فسنجد أنها مقسمة على أرض الواقع، والمتصدرون للمشهد الليبي ما انفكوا يؤكدون ذلك، فمن وقت لآخر تخرج علينا إنذارات لأناس يسردون مطالب، ويهددون بالانفصال عن الدولة الليبية إذا لم تنفذ مطالبهم، وللأسف لم تقم الحكومات المختلفة بأي إجراءات لرأب الصدع، بل اتخذت إجراءات تشير إلى تورطها في الفساد وفي خدمة منطقة دون غيرها، ناهيك عن انتشار السلاح والذي–حسب تقديرات الأمم المتحدة– يتراوح بين 25 إلى 30 قطعة سلاح، وانتشار خطاب الكراهية على صفحات التواصل الاجتماعي وعلى بعض القنوات الفضائية الليبية.
وكان الأجدر بالحكومات الانتقالية المتعاقبة أن تجرم خطاب الكراهية، وتمول البرامج التثقيفية والتعليمية التي تقرب المسافات بين أبناء الوطن الواحد، وتفتح الطرق وتشجع السفر والتنقل بين أبناء الوطن الواحد.
أما بالنسبة للغة العربية، وهي لغة القرآن، هي اللغة التي تجمع الليبيين، والثقافة الإسلامية بمفهومها الواسع هي وعاء جامع لكل الليبيين، ونظراً لوجود المكونات الثقافية في ليبيا، يجب علينا أن نعامل أفراد هذه المكونات كليبيين، لا ننقص من حقوقهم أو واجباته، ولابد من تشريعات نضمن بها المحافظة على لغتهم وثقافتهم.
ولابد لنا كليبيين أن نتبنى مشروعاً لتحسين جودة مدخلات التعليم، من مناهج ومباني مدرسية ومعلمين ومعدات وأدوات للأنشطة المختلفة، ويكون لهذا المشروع استراتيجية لتحسين العمليات التعليمية ومحاربة الفساد، ومنع المحاصصة القبلية أو الجهوية في التعيينات في قطاع التعليم، ولنبدأ بنشر فلسفة التعليم التي تبين بوضوح أهدافه بشكل عام، وأهداف كل مرحلة تعليمية، وتعيد تنظيم مؤسسات التعليم وعلاقاتها ببعضها البعض، ولابد من تنظيم التعليم الخاص وضبطه ليكون رافداً حقيقياً للتعليم العام.
وحيث أن ليبيا دولة ريعية تعتمد على انتاج الغاز والنفط، فلابد من اختيار هيئة للتنمية الاقتصاديةـ لتنظر في مشروع هيكلة الاقتصاد الليبي، وذلك بدراسته لمعرفة مواطن الخلل واصلاحها، وتنويع الأنشطة الاقتصادية، والاهتمام بالمشاريع الزراعية والصناعية التي يحتاجها الوطن، والاستثمار في مجالات الصيد البحري، والنقل والسياحة. ولابد من تشجيع الاستثمار في مشاريع التنمية في المناطق والأقاليم المختلفة، ولابد من مراجعة مشاريع الدولة المرتبطة بصندوق الضمان الاجتماعي، لتوفير التقاعد المريح والرعاية الصحية للمتقاعدين.
وأخيراً، لابد من محاربة الفساد، وذلك بنشر ثقافة الشفافية، وسن قوانين صارمة تفرض عقوبات صارمة على الفاسدين، ونعتبر أن الفساد سقوط أخلاقي وخيانة للوطن وللمواطنين، ولا يمكن لعائلة أو قبيلة أو حزب أو أي مجموعة عرقية أن تتدخل للدفاع عن المتورطين في الفساد أو مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.
_______________
المصدر: صفحات التواصل الاجتماعية