أحمد ابراهيم وعلي بن طاهر

ماهية السياسة العامة

يطلق على السياسات العامة عدة تسميات منها السياسات الحكومية، المشاريع الحكومية، أو البرامج الحكومية، وغيرها من التسميات الأخرى.

وعلى الرغم من تعدد التسميات إلا أنها تبقي برنامج عمل حكومي، بمعنى مجموعة النشاطات التي تقوم بها مؤسسات رسمية للدولية، التي تسعى من خلالها إلى محل المشاكل القائمة في المجتمع.

وقد شهدت السياسة العامة باعتبارها علم قائم بذاته عدة تطورات علمية ومنهجية كبيرة، لا سيما من حيث مداخل صنعها وطرق تحليلها، الأمر الذي ازداد من اهتمام الدارسين والباحثين بها باعتبارها عنصر استجابة حيوية للمشاكل القائمة في المجتمع نظرا للتحولات الوظيفية الكبيرة التي عرفتها الدولة مؤخرا وسعيها الدائم لخدمة المصلحة العامة من أجل تحقيق التنظيم والتنسيق في مجالات الحياة المجتمعية المختلفة.

***

تقوم السلطة التشريعية في كثير من الأنظمة السياسية بوظيفة التشريع كونها المؤسسة المخوّل لها دستوريا صياغة النصوص القانونية، ولها سلطة التعديل أو الإلغاء لبعض المشاريع التي تعدها الحكومة.

فالسياسات العامة ليست حكرا على الجهاز الحكومي فقط باعتبارها يدرك جيدا ما الذي يقبل ويرفض من قبل العامة، إذ أن للسلطة التشريعية كامل السيادة بأن تسعى لتحقيق الأهداف ويتكرس دور السلطة التشريعية في الدول ذات الطابع الديمقراطي أن تكون القرارات السياسية مشتركة، ويتكون الجهاز التشريعي من عدة لجان دائمة تملك صلاحيات الدراسة القانونية في جميع المجالات.

يقوم أعضاء السلطة التشريعية، بالتشاور والنقاش حول السياسات العامة المعبرة عن القضايا المعروضة عليهم من قبل الجهات المعنية، ومجتمع الدولة الذي انتخبهم للتعبير عن مواقفه.

فمعظم السياسات العامة، والقوانين والقواعد المهمة التي تحتاج إلى النظر فيها والموافقة عليها رسميا أو شكليا، إنما تتم من قبل هؤلاء المشرّعين قبل أن تصبح قوانين نافذة.

كما أن دور المشرعين أو مجالسهم، يختلف من حيث التأثير في صنع السياسة

عامة بين القوة والمحدودية، تبعا لطبيعة النظام السياسي القائم في الدولة ويتضح هذا الدور مثلا في قوة المشرعين بالنسبة للدول الديمقراطية أو المتقدمة عن محدودية دورهم بالنسبة لدول في العالم الثالث.

فمرحلة صنع السياسة تناط من ناحية المبدأ ومن الناحية الرسمية إلى السلطة التشريعية

ولكن من ناحية الممارسة الميدانية، فإن كل الفواعل تساهم فيها على غرار الأحزاب السياسية، التي تعتبر الأحزاب السياسية من صناع السياسة غير الرسميين، التي تمارس دورها في رسم السياسات العامة من خلال الشخصية وليس الرسمية، حيث تسعى للاهتمام بمشكلة معينة وتقترح لها الحلول.

بالإضافة إلى الجمعيات المهنية كمؤسسات المجتمع المدني التي تلعب دورا بارزا في رسم السياسات العامة التي تقع في نطاق تخصصاتها وهي مجموعات غير حكومية تشارك في صنع السياسة العامة من خلال التأثيرات والضغوط التي يمارسونها على الصناع الرسميين لما يحوزون عليه من قوة فهم يشكلون تأثيرا خارجيا هاما على طبيعة السياسة العامة.

تختلف وظائف الأحزاب السياسية، ودرجة تأثيرها وفعاليتها في صنع السياسة العامة بتنوع واختلاف الأنظمة السياسية، وتلك تعكس بدورها في البنية التشكيلية للنظام الحزبي القائم.

تقوم الأحزاب السياسية بمجموعة من الوظائف الأساسية في المجتمع أبرزها تجميع المصالح، ثم التعبير عنها، لتقوم بعد ذلك بوظيفة الاتصال والربط بين المجتمع والحكومة، بهدف بلورة المطالب والقضايا العامة التي تناقش عند رسم السياسة العامة وإثارة الرأي العام حولها ومحاولة إقناع المواطنين.

بناء على ما سبق فإن للأحزاب السياسية القدرة على التأثير على رسم السياسات العامة سواء كانت خارج السلطة أو داخلها. ويمكن رصد هذا التأثير عبر دائرتين أساسيتين:

أولا، دائرة التأثير خارج السلطة: وهي مجموعة الوظائف السياسية التي تقوم بها الأحزاب خارج الحكم مثل:

ـ إثارة الرأي العام حول المسائل والقضايا العامة.

ـ بلورة المسائل الأساسية التي تناقش في النظام السياسي

ـ نقل رغبات وسياسات وقرارات الحكومة إلى المواطنين.

ـ العمل على تعبئة الجماهير.

ثانيا، دائرة التأثير داخل السلطة: ويقصد بها الأدوار التي تقوم بها الأحزاب لتكوين السلطة أو لتحديد بنيتها من خلال اختيار الحاكمين سواء في (الترشيح والانتخابات) أو للفصل والجمع بين الوظائف، حيث أن عدد وقوة الأحزاب تؤثر في عملية رسم السياسة العامة (من خلال تأثيرها على النشاط التشريعي للسياسة العامة)، إلا أن تأثيرها يبقى مرهونا بنوعية الأنظمة السياسية القائمة.

دور الأحزاب السياسية في تقييم السياسة العامة:

لا تحقق السياسة العامة مقصدها وأهدافها بشكل تام وفعلي ما لم تصاحبها عملية التقييم، التي تقوم على معرفة علمية، حقيقية، موضوعية بالانعكاسات السلبية أو الإيجابية المترتبة عن السياسة العامة عن تنفيذها، لأن التقييم الفعلي والحقيقي والموضوعي للسياسات العامة وعن تنفيذها، لأن التقييم الفعلي والموضوعي للسياسة العامة يعد أساس نجاحها في تحقيق أهدافها ومقاصدها.

فعملية تقييم السياسة العامة تشمل جميع المراحل، إذ لا تتوقف على فقط على نتائج عملية تنفيذ السياسة، وبالتالي فإن التقييم يبدأ بتحديد المشكلات والقضايا وصياغتها أثناء وضع الخطط والبرامج وكذلك البدائل من أجل توفير المعلومات حول النتائج المقترحة والأراء العامة.

وهكذا فإن السياسة العامة تجمع بين صانعي السياسة العامة ومنفذيها ومقيميها انطلاقا من الترابط والتفاعل بين نتائج ومعطيات السياسة العامة يكون التقييم أيضا مسؤولية الجهات التي تصنعها وأيضا من الجهات التي تنفذها.

خاتمة

من خلال ما سبق، نستنتج أن الأحزاب السياسية هي حلقة الوصل بين المواطن والدولة فهي تنظيمات دائمة لجماعة من الناس لها أيديولوجية وأهداف مشتركة وتتبنى برنامجا معينا بغية كسب أكبر عدد من المؤيدين بهدف الوصول إلى السلطة.

كما أن الناس التف حولها عندما شعروا بأن هناك فراغ بينهم وبين السلطة الحاكمة، وبذلك تعتبر الأحزاب السياسية أداة تسمح للمواطن بالمشاركة في الحياة السياسية، فانتماء مواطن ما إلى حزب سياسي معين دليل على شعوره بقدر من المسؤولية لتحقيق ذاته في المجتمع، حيث أن الإنتماء لجماعة تنادي بفكرة أو عقيدة تؤمن بها وتتمنى تحقيقها هو التزام واع من التفكير المسؤول، إذ

تعد الأحزاب السياسية الفاعل الأكبر في عملية رسم السياسة العامة من خلال ممارسته المختلفة كدوره في التعبئة الجماهيرية حول القضايا العامة ويتحلى دور الأحزاب السياسية في عملية رسم السياسة العامة من خلال صنع، تنفيد، وتقييم السياسة العامة.

كما يظهر دورها جليا في المواعيد الانتخابية من خلال التعبئة الجماهيرية وتقديم اقتراحاتها داخل الجماعات البرلمانية، كما تسعى للوصول إلى السلطة بشتى الطرق والوسائل، حيث تعمل وتساهم أيضا في ترسيخ الديمقراطية من خلال يفتح المجال لحرية الممارسات السياسية وحرية التعبير.

***

أحمد ابراهيم و علي بن طاهر ـ باحثان في جامعة بلقايد بتلمسان، الجزائر

______________

المصدر: مجلة أبحاث ـ العدد 2 (2021)

مقالات مشابهة