أبوبكر مهدية

المفهوم

مفهوم التنمية السياسية مصطلح جديد على العلوم السياسية، توافق ظهوره مع ما عرف بالمدرسة السلوكية وكان هدفه مواجهة الازمات والتحديات التي تعيق سبل التنمية والتطوير والتغلب على حالات الضعف والقصور وتدني مستوى الظروف السياسية والاجتماعية لدى الدول الطامحة لذلك .

مصطلح التنمية السياسية يقع ضمن المفاهيم وليس المعاني ولذلك نجد أنه لم يتم تحديد معنى جامع شامل له حيث انه معقد ومتشابك ومرتبط بعديد المفاهيم والافكار وذلك قدر اهميته وحاجة المجتمع له.

ومما لا شك فيه ارتباطه بمفهوم النظام السياسي والحاجة اليه والى توطيده وتثبيت اركانه فالنظام السياسي مرتكز على ظاهرة السلطة حاكم ومحكوم وانه يقع ضمن اطار قانوني ينظم تلك السلطة ويحدد طرق حمايتها والتعاطي معها وان هذا النظام يحوي داخله نظاما اقتصاديا تنتهجه الدولة ونظاما اجتماعيا تأخذ به، ويؤطر علاقات المجتمع عموما.

ايضا اننا نعي جيدا اهمية النظام وأن انعدام وجوده يعني الفوضى وانعدام ضوابط موجّهة لحركة المجتمع وكونه يؤمّن ضوابط عامة للمجتمع بما يحفظ علاقاته ومصالحه وأمنه ويوفّر قيم مشتركة سرعان ما تتحول لقيم عامة يتم احترامها والاحتكام اليها، وكذلك يعمل على توجيه قدرات وامكانيات المجتمع وتنميتها وتطويرها.

كل ذلك يتأتى بما نحن بصدده مصطلح التنمية السياسية “. هكذا ارتبط المفهوم بعديد المصطلحات وتداخلت مع أهميته مفاهيم وافكار عديدة .

رغم حداثة مفهوم التنمية السياسية الاّ انه حظي باهتمامات البحاث والمفكرين على كل المستويات ولكن ولأهميته في عملية التنمية والحداثة والتطوير ارتبط كثيرا بدول ومجتمعات سادها التخلف وتأثرت بحقب الاستعمار والتبعية ومواجهة مشاكل البناء والتطوّر حيث اطلق عليها الدول النامية ودول العالم الثالث والدول المتخلفة وصارت هي مجالا للبحث والدراسة باعتبارها متميّزة بظروف وحالات كثيرة:

  • ضعف الوعي والثقافة السياسية

  • وانعدام الاستقرار السياسي

  • ويسودها الفساد السياسي والاقتصادي

  • وعدم تحقق العدالة الاجتماعية

  • وقصور في تطبيق مبدأ المواطنة والوعي القومي

  • وضعف الهيئات والمؤسسات الحكومية

  • وهيمنة أيديولوجيا موازية لسلطة الدولة

كل ذلك يعيق حركة النمو والتطوّر.

وهنا وجبت الاشارة الى تباين وكثرة الآراء والنظريات والمدارس الفكرية التي تناولت وعالجت قضايا التنمية ومتطلباتها كلّ حسب البيئة والظروف.

مقومات التنمية السياسية :

تهدف خطط وبرامج التنمية السياسية إلى خلق الظروف والبيئة الملائمة للحياة الديمقراطية والسياسية عموما من خلال التركيز على مقومات عديدة أختلف حول عددها ونسب تأثيرها وانواعها وقد حدث نوع من التداخل بينها وبين معوقات التنمية على اعتبار ان معالجة المعوقات حتما يقود بإجراءاتها الى تقويم واصلاح العملية السياسية برمتها واعتبارها من مقومات التنمية.

ولكن عموما يدرسها ويقدمها البحاث والمفكرون مرتبطة ومتداخلة حتى يتسنى الالمام بها واحتواءها، وقد عدّدها الكتاب والمفكرون وفق هذه النقاط الهامة وهي :

أولاالمشاركة السياسية

تعد المشاركة السياسية أهم مظهر من مظاهر الديمقراطية ، ولذلك لا بد من خلق درجة عالية من الوعي السياسي بالقضاء على الأمية والتخلف بين العامة ورفع سقف حرية وسائل الإعلام، وتفعيل التنظيمات والمنتديات والأحزاب السياسية وجماعات المصالح والضغط، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني وبناء المؤسسات السياسية للقوى المشاركة في العملية السياسية من روابط ونقابات. وبذلك تعرّف وتعني السلطة آراء ورغبات الجماهير وتوجهاتهم.

المفهوم العام والبسيط للمشاركة السياسية هو حق المواطن في أن يؤدي دوراً معيناً في عملية صنع القرارات السياسية، هذا في أوسع معانيها، امّا في أضيقها تعني حق ذلك المواطن في أن يراقب تلك القرارات بالتقويم والضبط عقب صدورها من الحاكم.

، يقول صموئيل هندنغتون وجون نيلسون عنها هي ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع قرار الحكومة ، سواء أكان هذا النشاط فردياً أو جماعياً ، منظماً أو عفوياً ، متواصلاً أو منقطعاً ، سلمياً أو عنيفاَ ، شرعياً أو غير شرعي ، فعالاً أو غير فعال ” .

وهذا ما ذهب إليه د/عبد المنعم المشاط حيث عرّفها بأنها شكل من الممارسة السياسية يتعلق ببنية النظام السياسي وآليات عملياته المختلفة ، إذ يكمن موقعها داخل النظام السياسي في المدخلات سواء كانت التأييد والمساندة أو المعارضة ، وهي تستهدف تغيير مخرجات النظام السياسي بالصورة التي تلاءم مطالب الأفراد والجماعات الذين يقدمون عليها ” .

والمعنى الأكثر تداولاً لمفهوم المشاركة السياسية هو قدرة المواطنين على التعبير العلني والتأثير في اتخاذ القرارات سواء بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين ينوبونهم في فعل ذلك ” .

وهناك عدد من الباحثين استخدم مفهوم المشاركة السياسية بمعنى أن تصدر القرارات العليا تعبيراً عن رغبة المجتمع ، ولهذا تتطلب الأمور ظهور العمل النيابي البرلمان ، ونظم الانتخابات والاستفتاء والاستعانة بالخبراء حيث ان العملية السياسية تتم عن طريق ممارسة جموع كثيرة من غير السياسيين، العمل السياسي وتفعيل سيكولوجيا الاندماج في العملية السياسية.

وهذا يعني إشراك الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم وتوجهاتهم الأثنية والعرقية في الحياة السياسية العامة ، وتمكينهم من أن يلعبوا دوراً واضحاً في العملية السياسية ، أي تكون السلطة عن طريق التمثيل فيها.

وتعتبر المشاركة السياسية بعداً أساسياً من أبعاد التنمية البشرية عموما، حيث عرفها إعلان ما عرف بــ الحق في التنمية الذي أقرّته الأمم المتحدة عام 1986م عملية التنمية بأنها عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية ، تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية كل السكان وكل الأفراد، التي يمكن عن طريقها اعمال حقوق الإنسان وحريّاته الأساسية .

يتضح مما سبق إن العلاقة بين المشاركة السياسية والتنمية البشرية ، هو ان الأولى لازمة لتحقيق الثانية ، إذ لا يمكن تحقيق أهداف التنمية ، بدون مشاركة فعلية وحقيقية من قبل شرائح المجتمع وبمختلف انتماءاتهم الأثنية والإقليمية والاجتماعية وعليه يمكن القول إن المشاركة السياسية تعتبر المظهر الرئيسي للديمقراطية، حيث إن ازدياد المشاركة السياسية من قبل الشعب في العملية السياسية يمثل التعبير الحقيقي عن الديمقراطية.

ولكن من أجل تحقيق مشاركة سياسية فعالة يتطلب تواجد مجموعة من الشروط لتحقيق ذلك، منها رفع درجة الوعي السياسي من خلال القضاء على الأمية والتخلف، وحرية وسائل الإعلام، وحرية الرأي والتعبير، وتقوية وتفعيل التنظيمات السياسية الوسيطة من الأحزاب وجماعات مصالح وجماعات ضغط وتفعيل دور المؤسسات والهيئات في الدولة ، كمؤسسات المجتمع المدني باعتبارها أداة مهمة من أدوات مراقبة أعمال الحكومة ، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي داخل المجتمع ، وبناء المؤسسات السياسية القادرة على استيعاب القوى السياسية الراغبة في المشاركة السياسية.

وعند توفّر الشروط المذكورة آنفاً من الممكن عندها الحديث عن وجود مشاركة سياسية فعالة من قبل الجماهير، وهذه المشاركة سوف تعود على المجتمع بفوائد عدّة يمكن استخلاصها في هذا الصدد كما يلي :
1
ـ إن المشاركة تعني تحقيق مساهمة أوسع للشعب في رسم السياسات العامة وصنع القرارات واتخاذها وتنفيذها
2
ـ
إن المشاركة السياسية أضحت أحد المعايير الرئيسية لشرعية السلطة السياسية في أي مجتمع .
3
ـ
إن المشاركة السياسية توفر الأمن والاستقرار داخل المجتمع .
4
ـ
إن المشاركة السياسية تعني القضاء على الاستبداد والتسلط والانفراد بالسلطة .
5
ـ
إن المشاركة السياسية تمثل شرطاً أساسياً لتحقيق التنمية في المجتمع .
6
ـ
إن المشاركة السياسية تلعب دوراً كبيراً في تحقيق الوحدة الوطنية وهي شرط لتحقيق التنمية في المجتمع .

يتبع

_____________

ورقة بحثية اعدت للمشاركة في ورشة عمل بالأكاديمية الليبية طرابلس بالتعاون مع المركز الليبي للدراسات والأبحاث وقسم الدراسات الإقليمية بمدرسة العلوم الإستراتجية والدولية بتاريخ 2021.05.19 م بعنوان: التنمية السياسية في بلدان الجنوب (الانجازات والتحديات).

مقالات مشابهة