ريناس بنافي

هناك انسدادات اشكالية بخصوص الديمقراطية في الثقافة العربية وهذه الانسدادات الاشكالية تتجلى في فكرتين .

الفكرة الاولى التي تقول بان الديمقراطية ثقافة وان شرطها الثقافي هو العلمانية.

الفكرة الثانية تعتبر رد على الفكرة الاولى فتقول ان الديمقراطية ليست ثقافة ولكنها مجرد آلية ومجموعة من الاجراءات وهذه الفكرة يروج لها اتباع التيار الاسلامي عموما .

الديمقراطية ثقافة ولا يمكن ان تكون الا ثقافة ولا ديمقراطية من دون ثقافة للديمقراطية .

في هذه الورقة سنقوم بتحرير واظهار وكشف الملامح العامة والتضاريس الحقيقية للديمقراطية كثقافة وتحديد ما المقصود بالديمقراطية كثقافة

مقدمة

كانت الديمقراطية موضوع نقاش طويل، لم تنجح خلالها المناقشات والجدالات والتطبيقات والممارسات حول إعادة إنشاء الديمقراطية « في الوصول إلى اتفاق على بعض الأسئلة الأساسية عن الديمقراطية، كما لم تقدم أمثلة حقيقية عنها، حيث كانت موضوعاً لتنظير الفلاسفة أكثر منها نظاماً سياسياً يتبناه الناس ويمارسونه ».

يحدد روبرت . أ. دال معنى الديمقراطية بأنها: وضع مجموعة من القواعد والمبادئ – أي دستور – يحدد كيفية اتخاذ قرارات الجمعية، وفيه يعامل جميع الأعضاء (في ظل الدستور) كما لو كانوا جميعاً مؤهلين بشكل متساو للمشاركة في عملية اتخاذ القرارات بشأن السياسات التي ستتبعها الجمعية.

ثم ينتقل للحديث عن المقاييس التي يجب أن نستخدمها لتقرير ما إذا كانت الحكومة ديمقراطية ، وإلى أي مدى ، فيقول: إن المعايير العملية هي التي تصف نظاماً ديمقراطياً مثالياً أو كاملاً ، وبما أنه لا يمكننا ـ في غالب الظن ـ أن نصل إلى « نظام ديمقراطي كامل» وذلك نظماً للقيود الكثيرة التي يفرضها علينا واقع الحياة ، فإن المعايير تقدم لنا المقاييس التي يمكن أن توصلنا إلى درجة «أقرب من الوضع المثالي».

فالديمقراطية ـ طبقاً لما يقوله روبرت . أ. دال ـ تتيح لنا فرصاً في المشاركة الفعالة والمساواة في التصويت ، والحصول على فهم مستنير، وممارسة السيطرة النهائية على جدول الأعمال، وتضمين البالغين، وهذه الفرص الست هي معايير العملية للديمقراطية.

ويقدم روبرت . أ. دال جملة من الأسباب تجعل الديمقراطية خياراً عالمياً، فالديمقراطية تساعد على تجنب الاستبداد، كما تضمن لمواطنيها عدداً من الحقوق الأساسية، ومدىً واسعاً للحرية الشخصية، وتساعدهم على حماية مصالحهم الشخصية الأساسية، كما تعمل الحكومة الديمقراطية على إتاحة الفرصة القصوى للأشخاص لممارسة حرية تحقيق الذات، أي أن يعيشوا في ظل قوانين من اختيارهم.

إن الديمقراطية كفلسفة وكممارسة تُعد محصّلة من محصّلات المشروع السياسي الحداثي. الذي يسلّم بجملة من المقدمات النظرية الكبرى، وتوجّهه قواعد محددة تم إبداعها ، داخل سيرورة معقدة من الصراع السياسي التاريخي العقائدي الطويل، حيث تبلورت قناعات ومبادئ سياسية جديدة، في فكر وواقع النخب السياسية المتصارعة في التاريخ الحديث والمعاصر.

ومن هنا صعوبة عزل هذه التجربة عن مجراها التاريخي النظري العام، وكل عزل لهذه التجربة عن هذا المجرى، يفقرها، ولا يولّد ما يكفي من التصورات القادرة على إسنادها وتعزيز مساراتها الواقعية.

إن إيماننا بالحداثة السياسية، يصاحبه إيمان مماثل بنظرتنا إليها من زاوية أنها عبارة عن أفق مفتوح على كل ممكنات الإبداع الذاتي في التاريخ، فلا يمكن تصور إمكانية تحقق الحداثة بالتقليد، بل إن سؤال الحداثة في أصوله ومبادئه العامة يعد ثورة على مختلف أشكال التقليد.

إن الاقتناع بالمبادئ الكبرى الناظمة للمشروع الفلسفي الحداثي، في النظر إلى الإنسان والتاريخ والمعرفة، يتيح لنا إطارا جديدا للتفكير في حاضرنا ومستقبلنا، بصورة مختلفة عن سقف القناعات المهيمنة على ذهنياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية والسياسية، ويفتح أمامنا إمكانية تأسيس المشروع الديمقراطي، باعتباره مشروعا تاريخيا قابلا للتطوير والتجاوز، أي قابلا لبناء وإعادة بناء التوافقات السياسية التاريخية والعقلانية، المطابقة لإشكالاتنا السياسية والتاريخية.

يتعلق الأمر في موضوع أسئلة الحداثة السياسية في الفكر العربي، بالتفكير في ضرورة مراكمة رأسمال رمزي يوطّن مشروع الحداثة في فكرنا، لتعزيز فرص التحول الديمقراطي بإسنادها نظريا، وذلك بفتح نقاش معمق حول مجموعة من الأسئلة، من قبيل:

  • كيف يمكن تفكيك سقف القيم السياسية المنتشرة والمهيمنة في المجال السياسي العربي؟

  • ما هو دور التربية والتعليم في تفكيك الأنماط والبنيات الفكرية التقليدية السائدة؟

  • كيف يمكن بلورة وتطوير ثقافة ديمقراطية في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية؟

تفتح هذه الأسئلة موضوع الديمقراطية على فضاء التاريخ، إنها تفتحه على الفكر الديمقراطي، فكر الحداثة السياسية، لا لنقوم بنسخه، بل لنعمل على إعادة بنائه في ضوء الخصوصيات المحلية، والإشكالات المرتبطة بها.

ونحن نعتبر أن نجاح المعارك الديمقراطية في الجبهة السياسية والاجتماعية والثقافية مرهون بتوسيع دائرة النقاش في الجبهات الأخرى، وفي الأزمة العميقة التي تعاني منها الأنظمة التسلطية في أغلب البلدان العربية، ما يؤكد أهمية التفكير في أسئلة الحداثية السياسية في الفكر العربي، وأسئلة التحديث في الواقع العربي.

تتيح أسئلة التفكير في رسم حدود ومعالم المجال السياسي في الفكر العربي، إمكانية التخلص من كثير من الظواهر التقليدية الموروثة، حيث تنصب هذه الأسئلة على أشكال الاختلاط والتداخل القائمة في الفضاء السياسي العربي.

إن الدفاع عن استقلال المجال السياسي، ومحاولة بناء وترتيب المكونات المحددة لملامح هذا المجال وبصورة عينية، تجعلنا نفكر في إشكالات فلسفية هامة، من قبيل أشكال التقاطع القائمة بين المجال الأخلاقي ومجال القيم السياسية، تقاطع المقدس مع السياسي.

وعندما نضيف إلى هذه القضايا النظرية الكبرى الأسئلة الفرعية المتعلقة بالصراعات السياسية الاجتماعية والثقافية القائمة في الواقع، في مستوى مواجهة التأخر التاريخي المتواصل نتأكد من درجات الاختلاط الحاصلة، ونتبين أهمية الأسئلة المرتبطة بموضوع تعيين قسمات وملامح الفضاء السياسي في الفكر العربي المعاصر.

يتبع

***

ريناس بنافي باحث في الفكر السياسي والاستراتيجي

____________

مقالات مشابهة