أبوبكر مهدية

ثانيا التعددية السياسية

التعددية السياسية تعني عموما الاختلاف في الرأي والرؤى والأفكار والتوجهات وايضا في المبادئ والايديولوجيا بأنواعها السياسية والدينية والعرقية شريطة أن تتوافق مع مصالح الوطن العليا، والمصالح الاقتصادية والاجتماعية.

ولذلك لا بد من وجود الأحزاب والمنتديات والمجاميع الرسمية والشعبية ذات البرامج المختلفة، تتنافس فيما بينها لخدمة مصالح الوطن والمواطن عن طريق الانتخابات والاحتكام الى الحوار وصناديق الاقتراع بطريقة حرة ونزيهة .

إن التعددية السياسية ظاهرة ليست بالجديدة في المجتمع الواحد وإنما هي ظاهرة قديمة برزت بوادرها بصور مختلفة وبطرق عديدة عبر حقب تطور المجتمعات، والذي نلاحظه من خلال استعراض سريع لتاريخ التعددية السياسية ، ما يهمنا هنا هو تعريف ظاهرة التعددية الحزبية، حيث يعرفها د/سعد الدين إبراهيم على إنها مشروعية تعدد القوى والآراء السياسية وحقها في التعايش والتعبير عن نفسها والمشاركة في التأثير على القرار السياسي في مجتمعها.

بينما يعرفها د/ محمد عابد الجابري بأنها مظهر من مظاهر الحداثة السياسية التي هي أولاً وقبل كل شيء وجود مجال اجتماعي وفكري يمارس الناس فيه الحربعن طريق السياسة أو بواسطة الحوار والنقد والاعتراض والأخذ والعطاء ، وبالتالي التعايش في إطار السلم القائم على الحلول الوسطية .

والخلاصة التي نستطيع أن نحددها إجمالاً ان التعددية السياسية لها نماذج عدة فمنها التعددية الحقيقية ومنها التعددية الشكلية.

التعددية الحقيقية قائمة على وجود أحزاب مختلفة لها برامج وأيديولوجيات ، وهذه الأحزاب تتنافس فيما بينها عن طريق الانتخابات الحرة التي تجري بصورة دورية.

والتعددية الشكلية هي في إطارها الخارجي تحمل مظاهر التعددية السياسية، أي تكون من عدة أحزاب، ولكن النظام القائم هو أقرب إلى نظام الحزب الواحد، وهو الحزب المسيطر,

ومن هنا فإن التعددية السياسية تعني الاختلاف في الرأي والطروحات الفكرية واختلاف في البرامج والأيديولوجيات والمصالح والتكوينات الاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية.

وعليه فمن الممكن أن نميّز بين التعددية السياسية والتعددية الحزبية، فالتعددية السياسية تتصف بالشمولية، أي انها يجب أن تتضمن تعددية حزبية، لأنها تمثل قوة اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية مختلفة.

أما التعددية الحزبية والتي تعني دخول عدد من الاحزاب في منافسة للفوز وتصدر المشهد السياسي ، ولذلك فإن التعددية الحزبية تعتبر جزءا مكملا للتعددية السياسية .

  • التعددية السياسية تعتبر أحد الشروط الأساسية لتحقيق الديمقراطية ومظهرا من مظاهرها الأساسية وعنصرا من عناصر وجود الديمقراطية، مع ملاحظة إن مسألة تحقيقها ليس بالأمر السهل، لذلك لا يمكن تحقيق الديمقراطية، بين عشيةً وضحاها فإرساء نظام ديمقراطي معناه إقامة بنيان متكامل يشمل مكونات عديدة تحوي ضمانات متعلقة بصيانة حقوق الإنسان بما في ذلك:
  • حرية التعبير العلني،
  • وتكوين الجمعيات وسبيل الانضمام إليها،
  • وسيادة القانون،
  • وإجراء انتخابات حرة نزيهة يتنافس فيها الجميع على فترات دورية،
  • ووجود نظام متعدد الأحزاب يسمح بتداول السلطة بصورة رسمية ومنظمة،
  • وفوق ذلك ضرورة وجود نظام للضبط والمراقبة يجعل المنتخبين للمناصب العامة مسؤولين مسؤولية كاملة أمام الناخبين .

لذلك فانّ مبدأ إقرار التعددية السياسية لا يعني تحقيق الديمقراطية، فالديمقراطية تعني قبل كل شيء منع احتكار السلطة والثروة من قبل فئة أو جهة واحدة أو طائفة اجتماعية معينة، أو بدون التداول السلمي للسلطة، وتوزيع الثروة بين الجميع وفقاً لمبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ الاستحقاق والجدارة، وبدون ذلك فانه من الصعب الادّعاء بتحقيق الديمقراطية .

بهذا المعنى تعتبر الديمقراطية شكل من أشكال ممارسة السلطة، على أن يكون هناك اتفاق ووئام بين جميع أعضاء الجماعة الوطنية والقوى والأحزاب السياسية، على شكل الممارسة.

فالمسألة الديمقراطية تبقى شكلية دون مساهمة الجميع في ممارستها، بحيث تحقق في النهاية الوحدة الوطنية عن طريق مشاركة جميع القوى الوطنية السياسية والاجتماعية المؤثرة في المجتمع التي بإمكانها المشاركة في عملية صنع واتخاذ القرار السياسي والحفاظ على مبدأ تداول السلطة عن طريق مبادئ متعارف عليها اهمها:

  • مبدأ سيادة القانون
  • ومبدأ عدم الجمع بين السلطات
  • ومبدأ لا سيادة لفرد ولا قلة على الشعب
  • وأخيرا مبدأ ضمان حقوق الافراد .

ووفقاً لذلك فالديمقراطية بهذه الحالة ليست فقط أحزاب أو انتخابات، وإنما هي مجموعة من الأفكار والقيم التي ينتجها أفراد المجتمع عن طريق مؤسسات التنشئة السياسية والتوجيهية.

وإن أهم هذه القيم هي الإيمان بالتعددية الحزبية والتسامح السياسي والفكري وقبول الآخر.

وبعبارة أخرى إن الديمقراطية هي المشاركة السياسية وحقوق الإنسان، وهذا جوهر التعددية الحزبية ، فالتعددية الحزبية تعني التسامح واحترام حقوق الآخرين وحق الفرد في اختيار من يمثله في السلطة وضمان حقه في عملية صنع القرار السياسي.

إن الإطار القانوني والمؤسسي لنظام التعددية السياسية والحزبية الذي يجب أن يقوم عليهِ النظام السياسي في أي بلد هو :

1ـ إن الشعب هو مالك السلطة ومصدرها، ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة، كما يمارسها بطريقة غير مباشرة عن طريق المجالس المحلية والمنتخبة .

2ـ يجب أن يقوم النظام السياسي على التعددية السياسية والحزبية وذلك من أجل تداول السلطة سلمياً وتنظيم الأحكام والإجراءات الخاصة بتكوين التنظيمات والأحزاب السياسية وممارسة النشاط السياسي، ولا يحق استغلال الوظيفة العامة أو المال لمصلحة خاصة بحزب أو تنظيم سياسي معين.

3ـ يجب أن يقوم المجتمع على أساس التضامن الاجتماعي القائم على العدل والحرية والمساواة .

4ـ جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة .

5ـ يجب أن تكفل الدولة حرية الفكر والتعبير عن الرأي وحرية الصحافة والاعلام .

6ـ كل مواطن له الحق في الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء .

7ـ الاعتماد على مبدأ حرية النشاط الاقتصادي .

8ـ العمل على مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً .

يتبع

_____________

ورقة بحثية اعدت للمشاركة في ورشة عمل بالأكاديمية الليبية طرابلس بالتعاون مع المركز الليبي للدراسات والأبحاث وقسم الدراسات الإقليمية بمدرسة العلوم الإستراتجية والدولية بتاريخ 2021.05.19 م بعنوان: التنمية السياسية في بلدان الجنوب (الانجازات والتحديات).

مقالات مشابهة