ترجمة: بهاءالدين جلال
اشكاليات معظم الدول النامية في عملية البناء الديمقراطي أو التحوّل نحو الديمقراطية تنبع من النقطة التي تشير الى وجود اختلاف كبير في نمو العملية الديمقراطية من بين المسائل الديمقراطية المختلفة.
هذه الحالة بأمكانها أن تبرز في الموجة الديمقراطية الثالثة اكثر من الموجات الاخرى، ويعود ذلك الى أنه بعد سقوط جدار برلين و انهيار الاتحاد السوفيتي السابق بدأت موجة ديمقراطية واسعة، تلك الموجة الواسعة و التي كان يعتبرها الغرب انتصاراً لصيغة الحكم الديمقراطي الليبرالي اصبحت عاملاً للمزيد من التأكيد على اجراء الانتخابات و دعم منظمات المجتمع المدني و الإعلام الحر.
ولكن بعد سنوات قليلة تبينتْ أن الجهود التي بذلها الغرب لبناء الديمقراطية في الدول مابعد الشيوعية لم تُحقّقْ النتائج التي تم التخطيط لها، وهذا شبيه بالخارطة السياحية لكريستوف كولومبوس الذي وضع خطة لايجاد ممر الى الهند وكان قد نظم جولته بهذه النية للوصول اليه، ولكن وجد نفسه في ارض اخرى التي سُميتْ فيمابعد بأمريكا.
ولهذا نجد أن اشكاليات العملية الديمقراطية بعد سقوط جدار برلين ظهرت في الموجة الديمقراطية الثالثة، جعلت الباحثين و الساسة و وكالات الامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية يواجهون سؤالاً لا يمكنهم الاجابة عنه بسهولة، أو البرنامج الذي سبق أن صاغوه للتعامل مع العمليات الديمقراطية الحديثة لايستطيع هو الآخر الاجابة عنه لذا بدأوا يبحثون عن عوامل أخرى.
وبالنسبة الى هذه الحالة يعتقد بعض المختصين أن الدول الديمقراطية الغربية كثّفتْ كافة جهودها مع بدء الموجة الديمقراطية الثالثة لتتحول تلك الدول الى دولٍ ديمقراطية بسرعة، و ذلك لضمان السلام والامن الدوليين على أساس مبدأ (الدول الديمقراطية لاتتقاتل فيما بينها).
ولكن اشكالية العمليات الديمقراطية مع الموجة الديمقراطية الثالثة فجّرتْ معها هذه المرة المشاكل الداخلية ما جعلتْ في بعض الدول أن يصل مستوى العنف الى التطهير العرقي وصناديق الانتخابات بدلاً من أن يتمخض عنها صدى التعايش و التسامح.
نتج عنها عنف الرفض، هذه الحالة جعلتْ المختصين و الساسة أن يقتنعوا بالتفكير في (أن الدول الديمقراطية لا تتقاتل بينها غير كافية، بل على الديمقراطية أن تعمل على ازالة مستوى الاختلافات العرقية و الدينية في المجتمع).
ولتحقيق هذا الهدف تم ربط الديمقراطية بأسلوب تطبيق حكم الانظمة الديمقراطية في المجتمع، وهذا يعني تجسيد المساعي من أجل بناء الثقافة الديمقراطية في المجتمع، وقد فتح باباً أمام المزيد من البحث عن جواب هذا السؤال الذي هو سبب إثارة هذه الخلافات.
كما فتح الباب من أجل عدم الخلط بين موجات الديمقراطية، وحول هذا الجانب سألنا البروفسور رايان سالزمان استاذ فلسفة العلوم السياسية في جامعة نورث تكساس و المتخصص في العمليات الديمقراطية لدول امريكا اللاتينية، حيث عبّر عن رأيه في حديثه لـ ( كولان):
“اعتقد أن الاختلاف في نمو العملية الديمقراطية، هو انعكاس الاختلاف بين الناس، لأن لكل شخص أولوية وخلفية تأريخية و أساليب مختلفة في المجتمع، وعلى سبيل المثال في مسألة بناء الاسرة في امريكا اللاتينية، والولايات المتحدة تختلف عن العراق وتظهر تلك الانتخابات فيما بعد في المؤسسات السياسية،على غرار المؤسات الاخرى، أو المؤسسات الاجتماعية. وهذا هو سبب وجود الاختلاف بين الديمقراطيات.
اذن ما يشير اليه البروفسور سالزمان هو انعكاس ثقافة المجتمع على المؤسسات السياسية والديمقراطية. ولكن من الممكن أن يكون هذا جانباَ من المسألة مع وجود عوامل أخرى لها تأثيرها في هذه الاختلافات.
ولمتابعة هذا الجانب سألنا البروفسور بيتر مايكل سانشيز استاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو حيث قال: “بصدد أنواع الاختلافات في الديمقراطية، في الكثير من المرات المسألة تتعلق بالعلاقة بين الدول النامية والديمقراطية، وعلى سبيل المثال الدول التي لها علاقات مع بريطانيا العظمى، بأمكانها التحّول الى الديمقراطية البرلمانية، ومن جانب آخر الدول التي تربطها العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية، بأمكانها التحول الى الانظمة الرئاسية.
وعلى سبيل المثال، في امريكا اللاتينية جميع الدول الناطقة بالأسبانية ومعها البرازيل تمتلك انظمة سياسية رئاسية، وكذلك دول الاحتلال البريطاني لها أنظمة بريطانية، وبالرغم من أن الولايات المتحدة الامريكية تتبنى نظاماً رئاسياً، وبريطانيا العظمى نظامها برلماني.
،ولكن الجزء الاكبر من هذه المسألة مرهون بالعلاقات مع الدول الديمقراطية، “وكذلك بالرؤساء أنفسهم و كيفية صياغتهم لأنظمتهم.
__________________