لا يزال الوضع في ليبيا يشهد انقسامًا سياسيًا، وتنافسًا مستمرًا علي السلطة بين الأطراف الفاعلة في الشرق والغرب، وقد أخذ هذا التنافس أشكالًا متنوعة؛ سياسية وعسكرية واقتصادية.

ومن المتوقع أن تتزايد حالة الانقسام السياسي في ليبيا، في ظل تصاعد التدخلات الخارجية سوء الإقليمية منها أو الدولية. وهو ما يمكن توضيحه من خلال استعراض أبرز التطورات علي الساحة الليبية خلال الفترة من سبتمبر 2023 إلي إبريل 2024 كما يلي:

لا تزال ليبيا منقسمة بين السلطات السياسية المتنافسة، حيث تخضع طرابلس وغرب البلاد لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية بقيادة رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة والمجلس الرئاسي الليبي بقيادة محمد المنفي والمجلس الأعلى للدولة برئاسة محمد تكالة.

ويقع شرق البلاد ومناطق كبيرة من وسط وجنوب ليبيا تحت قيادة حكومة موازية بقيادة أسامة حماد ومجلس النواب في طبرق برئاسة عقيلة صالح والقيادة العامة للجيش بقيادة خليفة حفتر. وهو ما يمكن توضيحه كما يلي:

أولًا: الانقسامات الداخلية

1- سياسيًا:

أ– صدور القوانين الانتخابية:

أصدرت لجنة “6+6” المشكلة من مجلسي النواب والأعلي للدولة، في 6 يونيو 2023، عقب مباحثات في مدينة بوزنيقة المغربية، القوانين التي ستجرى عبرها الانتخابات، إلا أن بنودًا فيها لاقت معارضة من بعض الأطراف. وقد لخص المبعوث الأممي إلي ليبيا عبدالله باتيلي في إحاطته الثالثة أمام مجلس الأمن، في يونيو 2023، أسباب الخلاف حول قوانين الانتخابات في:

  • شروط الترشح بالنسبة للمترشحين للانتخابات الرئاسية حيث يصر مجلس الدولة وبعض الأحزاب السياسية على منع العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح لرئاسة البلاد، في حين يصر مجلس النواب على عكس ذلك.

  • الأحكام التي تنص على جولة ثانية إلزامية من الانتخابات الرئاسية حتى لو حصل المترشح على أكثر من 50 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى.

  • الأحكام التي تنص على عدم إجراء الانتخابات البرلمانية في حال فشلت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.

  • النص علي ضرورة تشكيل حكومة مؤقتة جديدة قبل إجراء الانتخابات.

ومع ذلك، فقد أصدر مجلس نواب طبرق، دون التوافق مع المجلس الأعلي للدولة، قانون جديد للانتخابات، في 1 نوفمبر 2023، والذي نُشر في الجريدة الرسمية، ويحتوي على قانون رقم 27 لسنة 2023 بشأن انتخاب مجلس الأمة، والقانون رقم 28 لسنة 2023 بشأن انتخاب رئيس الدولة. وينص القانون على إجراء الانتخابات في غضون 240 يومًا من تاريخ صدور قوانين الانتخابات (أي قبل نهاية مايو 2024)، ولكن هذا القانون لم ينجح في حل المسائل الخلافية القائمة حيث نص القانون علي:

  • إلزامية إجراء انتخابات رئيس الدولة من جولتين، حيث يتأهل الفائزان الأول والثاني بأعلى الأصوات الصحيحة من الجولة الأولي إلي الجولة الثانية بصرف النظر عن النسبة التي حققها كل مترشح، وحتى لو تأكد فوز أحد المترشحين في الجولة الأولي بنسبة تزيد عن 50% من الأصوات.

  • إجراء انتخابات مجلس الشيوخ مع الجولة الأولى لانتخابات رئيس الدولة، وتجرى انتخابات مجلس النواب مع الجولة الثانية لانتخابات رئيس الدولة، وفي حال تعذر إجراء الانتخابات الرئاسية لأي سبب كان، تعد جميع الإجراءات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية وانتخابات مجلس الأمة كأن لم تكن.

  • أن المرشح لا يحمل جنسية أية دولة أخرى، إذا ترشح للجولة الثانية من الانتخابات، وبالتالي فإنه يسمح لمن يحمل جنسية دولة أخرى غير الليبية الترشح للانتخابات الرئاسية، ولكن إذا دخل للمرحلة الثانية من الانتخابات فيجب عليه التنازل عن جنسيته الأجنبية لاستكمال عملية الانتخاب.

  • أن المترشح للانتخابات الرئاسية – سواء كان مدنيًا أو عسكريًا – مستقيلًا من وظيفته بقوة القانون بعد قبول ترشحه، وفي حال عدم فوزه في الانتخابات يعود إلى سابق وظيفته.

وبناءً علي ما سبق؛ فإن هذا القانون قد أعد تفصيلًا لخليفة حفتر، حيث أنه يحمل الجنسية الامريكية بجانب الليبية، ومن الواضح أنه لا يريد التنازل عنها إلا بعد التأكد من فوزه في الانتخابات الرئاسية، عند دخوله للجولة الثانية من الانتخابات.

وكانت كتلة المجلس الأعلي للدولة في لجنة 6+6 المسئولة عن إصدار القوانين الانتخابية تتمسك بضرورة أن يقوم حاملو الجنسيات غير الليبية بالتخلي عنها قبل تقديم أوراق ترشحهم، في حين تمسك كتلة مجلس النواب بأن يكون تخلي المترشح للانتخابات الرئاسية عن الجنسية الأجنبية بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية وقبل القسم وتولي المنصب.

كما أن حفتر – وفقًا لهذا القانون – من حقه أن يعود لمنصبه كقائد للجيش الليبي في حالة عدم فوزه بالانتخابات، وبالتالي إذا فاز مرشح أخر سواء كان من غرب ليبيا أو شرقها أو جنوبها، سيكون هناك منافس قوى له لا يمكنه من أداء مهامه، وهو خليفة حفتر، الذي يرأس القوات المتواجد في الشرق، وبالتالي سنعود من جديد لحالة الانقسام بين معسكر الشرق ومعسكر الغرب.

وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا محمد تكالة قال في رسالة وجهها إلى مبعوث الأمم المتحدة عبدالله باتيلي – في تعليقه علي اصدار رئيس مجلس النواب عقيلة صالح قوانين الانتخابات في 4 أكتوبر 2023 – أن التشريعات الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب “مخالفة للتعديل الدستوري وباطلة”. وقال تكالة في رسالة وجهها إلى مبعوث الأمم المتحدة عبدالله باتيلي إن “ما صدر عن مجلس النواب في جلسته يوم 4 أكتوبر 2023 من تشريعات انتخابية مخالف للإعلان الدستوري الثالث عشر، ومشوب بعيوب وأخطاء تنحدر به إلى درجة الانعدام”.

وأوضح تكالة أن “مهمة اللجنة المشتركة 6+6 وقتية ومحددة في إجراء توافقات، وغير مخولة بإجراء أي تعديلات على ما جرى التوقيع عليه في بوزنيقة في 3 يونيو 2023″، وأكد “موقف المجلس الأعلى للدولة الرافض إجراء أي تعديلات، وتحت أي ذرائع، على نتائج عمل اللجنة المشتركة التي توصلت إليها بالتاريخ المذكور”.

وفي محاولة لتقريب وجهات النظر المتعارضة بين مجلسي النواب والدولة حول هذه القوانين، فقد تم عقد لقاء بين عقيلة صالح ومحمد تكالة بالعاصمة المصرية القاهرة، في 8 نوفمبر 2023، وهو الاجتماع الأول من نوعه بين عقيلة وتكالة منذ انتخاب الأخير رئيسًا لمجلس الدولة في 6 أغسطس 2023، غير أن مخرجات اللقاء الأول بين الطرفين لم ترتق للمستوى المرتقب نظرًا لاستمرار الخلافات الجوهرية بين الطرفين .

فلا المجلس الأعلى للدولة ممثلًا في رئيسه تكالة، سيقبل التنازل عن نسخة بوزنيقة، ولا مجلس النواب سيقبل التراجع عن القوانين التي صادق عليها. أحد نتائج هذا الانسداد، أن المجلس الأعلى للدولة تجاهل طلب عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، “تشكيل لجنة مشتركة لقبول طلبات الترشح لرئاسة الحكومة” الجديدة.

كما أن المفوضية العليا للانتخابات أبلغت البعثة الأممية أن تنفيذ القوانين الانتخابية لن يبدأ إلا بعد حل مسألة “الحكومة الجديدة”، تماشيًا مع المادة 86 من قانون الانتخابات الرئاسية والمادة 90 من قانون مجلس الأمة. أي أن العدد التنازلي لـ240 يومًا الذي ستجرى خلاله الانتخابات لن يبدأ إلا من تاريخ اعتماد حكومة جديدة. وربط إجراء الانتخابات بتشكيل حكومة جديدة، يجعل إجراءها مستحيلًا، ما لم تتغير المعطيات الحالية، في ظل رفض الدبيبة التخلي عن منصبه إلا لحكومة تأتي عبر برلمان منتخب .

ب– مبادرة المبعوث الأممي

أعلن المبعوث الأممي عبدالله باتيلي (السابق)، في 22 نوفمبر 2023، عن مبادرة تتضمن دعوة من وصفهم بــ”القادة الأساسيين” (الخمسة الكبار)، وهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، بالإضافة إلى قائد مليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر، وذلك في إطار محاولة جديدة لإنجاز المرحلة الانتقالية، والتوصل إلى تسوية سياسية بشأن القضايا ذات الخلاف السياسي المرتبطة بتنفيذ العملية الانتخابية وتشكيل حكومة موحدة.

وتتمثل آلية العمل في أن يسمي الأطراف المؤسسيين الخمسة ممثلين لهم (ثلاثة لكل طرف)، على أن يلتقي هؤلاء الممثلون في اجتماع تحضيري (لم يحدد موعد انعقاده ومكانه بعد)، للتباحث حول موعد اجتماع قادة المؤسسات الخمس ومكانه، وجدول الأعمال والقضايا الخلافية التي سيتباحث بشأنها القادة.

ويمكن تفسير الاقتصار على المؤسسات الخمس باعتباره يهدف لإحداث التوازن بين معسكري الصراع الليبي من جهة، ومنع التداخل بين المسارات من جهة أخرى.

يتبع

__________________

مقالات مشابهة