الغرب يخشى تنامي نفوذ موسكو المتسارع في ليبيا
التواجد العسكري الروسي في ليبيا يمنح الكرملين نفوذًا في قارة غنية بالموارد والفرصة لممارسة ضغوط على الجناح الجنوبي لحلف الناتو. تؤكد التقارير الغربية أن موسكو تعمل على زيادة نفوذها في منطقة شمال أفريقيا بوتيرة متسارعة مفاجئة منذ بداية العام، بينما حذر خبراء ومراقبون من تنامي النفوذ الروسي داخل ليبيا والقارة الأفريقية، ووصوله إلى مستويات وُصفت بـ“الخطيرة“، داعين القوى الغربية للتدخل بتدابير أكثر صرامة.
وذكرت جريدة “إكسبرس” البريطانية، الأحد، أن بصمة موسكو في ليبيا سمحت لها بجني خمسة مليارات يورو من المبيعات النفطية منذ العام 2022، بينما يوفر لها التواجد في البلدان الأفريقية الأخرى مليارات أخرى من خلال استغلال الموارد المعدنية السخية.
من جهتها، قالت لوموند الفرنسية أن الوجود الروسي المعروف في ليبيا منذ عام 2019 على شكل وحدات شبه عسكرية (مجموعة فاغنر سابقا) تزايد بشكل لافت هذا العام، وقالت مذكرة نشرتها منظمة “كل العيون على فاغنر” إن “روسيا تقوم بنقل جنود ومقاتلين روس إلى ليبيا منذ ثلاث أشهر“.
وقال دبلوماسي أوروبي إن التحركات الأخيرة في ليبيا جزء من “اختراق روسي عالمي” يهدف إلى “تنصيب حكومات موالية لموسكو في جميع أنحاء شرق وغرب أفريقيا“، ولم يعد ينقصها عن تقسيم أفريقيا إلى نصفين سوى تشاد التي تعتبر محل رغبة شديدة من جانب موسكو.
وذكرت إكسبرس أن عوائد عمليات مجموعة فاغنر القانونية وغير القانونية في أفريقيا تسمح لموسكو بأكثر من تغطية التكاليف التشغيلية التي تشمل 20 مليون يورو من الرواتب الشهرية لمنتسبيها في ليبيا.
وقالت الجريدة إن تواجدًا عسكريًا لروسيا في ليبيا، بما في ذلك سيطرة محتملة على ميناء يطل على البحر المتوسط ويقع على بعد 700 ميلا فقط من جزيرة صقلية، يمنح الكرملين نفوذًا في قارة غنية بالموارد، والفرصة لممارسة ضغوط على الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي (ناتو).
ويتواجد ما يقرب من ألفي عنصر تابعين لمجموعة فاغنر الروسية في ليبيا، إضافة إلى 15 طيارًا، و35 خبيرًا تقنيًا و80 إداريًا. وانضم إلى هؤلاء أخيرًا، حسب التقرير، مجموعة من 1500 من القوات الروسية النظامية، في إشارة إلى أن موسكو لم تعد راغبة في العمل بالظل بعد الآن.
وتحولت مجموعة فاغنر إلى قوات استطلاع روسية في أعقاب الانقلاب الفاشل لقائدها، يفغيني بريغوجين، الذي لقي مصرعه بشكل غامض العام الماضي. وتقع المجموعة الآن تحت الإشراف الكامل لوحدة الاستخبارات العسكرية الروسية.
وقالت الباحثة في المجلس الأطلسي، عليا براهيمي “لا أعتقد أن بريطانيا تدرك حجم المشكلة الحقيقي.. في ليبيا يقومون بشراء الوقود الروسي الخاضع للعقوبات الأوروبية ثم يجري إعادة تصديره مرة أخرى“.
وأضافت أنه في العام 2021، “أنفقت السلطات في ليبيا خمسة مليارات يورو لاستيراد الوقود لتلبية الاحتياجات المحلية.. وفي العام 2023، أنفقت المؤسسة الوطنية للنفط 17 مليار يورو لتلبية الاحتياجات المحلية نفسها.. ونعلم أين ذهبت تلك الأموال“.
وذكرت الباحثة في المجلس الأطلسي أن “الولايات المتحدة حاولت خلال العامين الماضيين استمالة قائد قوات القيادة العامة، المشير خليفة حفتر، إلى جانبها. من الواضح أن تلك السياسة فشلت، ولم يعد الغرب قادرًا على تجاهل ما يجري بعد الآن“.
وتأتي هذه المعلومات بعد أسابيع من تقارير لوكالة “نوفا” الإيطالية أفادت بنقل روسيا لمرتزقة فاغنر من قاعدة براك الشاطئ جنوب ليبيا إلى دول أفريقية أخرى، واستبدالهم بجنود تابعين لوزارة الدفاع الروسية.
حيث رجحت “نوفا” أن الوجود الروسي الجديد في ليبيا يتمتع بأهمية استراتيجية متزايدة، خاصة مع موقع قاعدة براك الشاطئ البعيد عن المناطق السكنية، مشيرة إلى أن كبار القادة والضباط العسكريين في “فاغنر” يتمركزون في قاعدة تمنهنت الواقعة ببلدية وادي البوانيس.
من جهته، قال الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، جلال حرشاوي، إن هدف روسيا هو تأمين نفوذها في القارة الأفريقية، الغنية بالاحتياطات المعدنية. وأضاف “لطالما تحدث الرئيس الروسي عن تعزيز تواجد الكرملين في البحر المتوسط منذ العام 1999 حتى قبل تنصيبه رئيسًا. هو يريد القدرة على إلحاق الضرر بحلف الناتو، وميناء طبرق، الذي يعد نقطة إيصال أساسية للمعدات والقوات الروسية من سورية، يقع على الحدود الجنوبية للحلف“.
وأشار حرشاوي إلى الدورين الأميركي والبريطاني “الخجول” أمام النفوذ الروسي المتنامي في ليبيا، وقال “بينما تدرك الولايات المتحدة وبريطانيا المشكلة، إلا أن الاستجابة كانت خجولة وضئيلة، تتحرك بوتيرة بطيئة.. تمتلك الولايات المتحدة قواعد عسكرية في شمال غرب ليبيا، ولكن هذا التحرك سيكون قليلا جدا ومتأخرا جدا“.
وأشارت الصحيفة إلى أن ليبيا أصبحت الركيزة الأساسية للعمليات الروسية في مناطق أخرى من أفريقيا، حيث يقدم الكرملين خدمات تعرف باسم “حزمة إنقاذ النظام“، إذ توفر الأمن مقابل وصول غير مقيد للموارد المعدنية مثل الذهب والألماس والكوبالت واليورانيوم والنيكل.
وجنت روسيا أكثر من 2.5 مليار يورو من الذهب المهرب، أو ما يعرف بـ“ذهب الدم” منذ العام 2022، كما فرضت سيطرتها على منجم ألماس بقيمة مليار يورو في جمهورية أفريقيا الوسطى، بصافي عائدات 300 مليون يورو سنويا.
وخلال الأسبوع الماضي، وصل 100 من المستشارين الروس محملين بالعتاد العسكري إلى النيجر، التي تملك واحدًا من أكبر احتياطات اليورانيوم في العالم. يأتي ذلك فيما أعلنت الولايات المتحدة رسميا سحب قواتها العسكرية من نيامي.
__________________