3. الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والوبائية في ليبيا: عنصر مؤثر جديد:
تجمع المئات من الليبيين في العاصمة طرابلس مساء الأحد 24 أغسطس/أوت 2020 حيث تظاهروا احتجاجًا على تدهور الأوضاع المعيشية وانتشار الفساد وانقطاع الخدمات كالكهرباء والماء وطول الانتظار أمام محطات الوقود في البلد الذي يشهد نزاعات مسلحة منذ سنوات. كما تجمع المحتجون أمام مقر حكومة الوحدة قبل أن يتحولوا إلى ساحة الشهداء في وسط طرابلس ورددوا شعرات من قبيل “ليبيا! ليبيا!” و”لا للفساد”.
انطلقت أيضًا مظاهرات واسعة في مصراتة، والزاوية في 23 أغسطس/أوت 2020، ونظّم حراك شعبي جديد، هو “حراك الشعب 23/8” أو “حراك همة الشباب 23/8″، في 23 أغسطس/أوت 2020، احتجاجات لانتقاد السلطات في الشرق والغرب بسبب الظروف المعيشية. وتذمّر المتظاهرون من انقطاعات التيار الكهربائي التي قد تستمرّ حتى ثلاثة أيام، وطالبوا بالعدالة الاجتماعية والانتخابات. بدأت المظاهرات أيضا في 24 أغسطس/أوت 2020، في مدينتَي “زليتن والخمس” شرق طرابلس، وفي “سبها وأوباري” في الجنوب.
يُذكر ان شعارات المتظاهرين أظهرت غضبًا على الأموال وأجور المنتسبين للجماعات المسلحة في ظل الأوضاع المعيشية التي يعيشها الليبيون. الأمر الذي يعكس ازمة عميقة أصبح فيها السلاح عنصر حل اقتصادي واجتماعي بالنسبة للعديدين.
في هذا المستوى، أضحت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية عنصر حل بعد أن أكدت انفصال المسار السياسي والعسكري البطيء عن هموم الليبيين، وانغماسه في المصالح الخاصة للأطراف المتصارعة محليًا ودوليًا.
ومن بين الأبعاد السياسية للمظاهرات بيان قبيلة المغاربة من الشباب الذي أكد على رفضه للرموز السياسية في الشرق. صدر البيان يوم 20 سبتمبر 2020، وأكد البيان عن تأييدهم لمسار البعثة الأممية لحل الأزمة الليبية “الذي انطلق في جنيف للخروج بتسوية سياسية تحقق الاستقرار والسلام في ليبيا”.
وتعتبر هذه القبيلة من القبائل الوازنة في الشرق بالنظر الى حجمها ودور بعض المنتمين لها في مرحلة أولى من التحولات في ليبيا إلى حدود سنة 2013.
مثل الحراك الاجتماعي ذو الخلفية الاقتصادية والمعيشية منفذًا للضغط والتحول في المشهد الليبي. هذا ويذكر أن قبائل أخرى كقبيلة المرابطين قد أعلنت عن تأييدها لعقيلة صالح كممثل سياسي، الأمر الذي أزعج المشير خليفة حفتر.
بالنسبة للوضع الوبائي، ومع زيادة حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في ليبيا حذر مسعفون ومسؤولون بالنظام الصحي في البلاد من أن الجائحة تشكل خطرًا جديًا. وقال أحمد الحاسي المتحدث باسم اللجنة الطبية الحكومية المسؤولة عن مكافحة الفيروس في شرق ليبيا، خلال شهر أغسطس/أوت 2020،، إن العامة بحاجة لاتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة، وإلا فإن الكوادر الطبية التي تعاني من نقص الموارد ستكون “غير قادرة على تغطية” الاحتياجات.
من جهته قال ريك برينان، مدير الطوارئ التابع لمنظمة الصحة العالمية في الشرق الأوسط، إن الوكالة واجهت معوقات لوجستية خطيرة في ليبيا، بما في ذلك “تحديات كبرى لجلب المستلزمات الخاصة بالحماية الشخصية والفحوص”. ومع الانخفاض الحاد في مستويات المعيشة الكثيرون يواجهون صعوبة في تحمل ولو القليل من النفقات، بما في ذلك ما يلزم لشراء الكمامات.
يعرف النظام الصحة في ليبيا تقهقرًا وتدنيًا في مستوى الخدمات بسبب غياب الأمن وصراع الفرقاء على السلطة، ولم تعد المستشفيات والمرافق الطبية قادرة على توفير الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين بسبب نقص الأجهزة والمعدات وكذلك المستلزمات الطبية.
ويشتكي الليبيون من ضعف الخدمة الطبية المسداة في ظل النقص الفادح في الكادر الطبي وشبه الطبي إضافة إلى التعطل المستمر للأجهزة نتيجة غياب الصيانة وتجديد قطع الغيار، ما دفعهم إلى السفر للدول المجاورة وخاصة تونس ومصر والأردن وتركيا لتلقي العلاج والرعاية الضرورية رغم تكاليفهم المشطة.
بالإضافة إلى ما سبق، يشتكي الليبيون من الفساد المستشري في القطاع الصحي، خاصة أن الأموال التي تم تخصيصها لمواجهة أزمة كورونا تمّ التلاعب بها. ومن ذلك الحادثة المتعلقة بأعضاء جهاز الطب العسكري حيث عمد مسؤولون به إلى تمرير معاملات مالية مخالفة للقوانين واللوائح المعمول بها، فضلًا عن اعتماد وصرف أموال دون وجود ما يقابلها من أعمال على أرض الواقع بمشروعات مراكز العزل الصحي داخل بلديات نالوت والزنتان وزوارة.
وهو ما أكده ديوان المحاسبة في حكومة الوفاق الوطني. وقد صدرت قرارات بمنع السفر ضد محمد الهيثم و6 آخرين من أعضاء الجهاز، وهم لواء عمر هويدي مدير عام جهاز الطب العسكري، ومحمد حسين سالم مدير إدارة المشروعات في الجهاز، وعمار منصور التائب المراقب المالي، والمهندسين في إدارة المشروعات عبد الحكيم سالم عطية وعدنان البشتي.
“هناك مليونير جديد كل يوم في ليبيا، والطبقة الوسطى تتقلص يومًا بعد آخر، والطبقة السياسية في ليبيا لديها كم كبير من الفساد يندى له الجبين، وهناك مَن يجني ثروات طائلة من المناصب يجري استثمارها خارج ليبيا، وما نراه في ليبيا أمر مؤسف. يستولون على المال العام ثم يوظفونه في الخارج”، المبعوث الأممي إلى ليبيا المستقيل غسان سلامة،
رغم الصعوبات الجمة، يبدو أن المشهد الليبي يتجه المشهد نحور تعزيز المسار السياسي. فقد أعلنت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، استضافة تونس ملتقى الحوار السياسي الليبي الموسع والشامل، مطلع نوفمبر2020.
وأن الملتقى يهدف لتحقيق رؤية موحدة حول ترتيبات الحكم التي ستفضي لإجراء انتخابات في أقصر إطار زمني وأضافت أنه سيتم اختيار المشاركين في ملتقى الحوار السياسي الليبي من مختلف المكونات الرئيسية للشعب بشرط عدم توليهم أية مناصب تنفيذية لاحقًا، ولفتت إلى أن الملتقى سيعقد وفق صيغة مختلطة نظرًا لجائحة كورونا بحيث تكون هناك جلسات عبر الاتصال المرئي وأخرى مباشرة، وأعربت عن امتنانها العميق لتونس لاستضافتها الاجتماع المباشر الأول لملتقى الحوار السياسي الليبي.
يبقى السيناريو الليبي مفتوحًا بسبب الأزمات المفتوحة على كل المستويات. الأمر الذي يتطلب فعليًا إرادة ليبية واحدة في هذا الاتجاه تمنع اختراق المصلحة الليبية، ولو مرحليًا، من اختراقات التوازنات الدولية.
فالملاحظ أن بانفتاح ملفات أخرى بين الدول الأوروبية وتركيا، وتحولات الدور الأمريكي في محاولة للتأثير على انتخابات رئاسية حساسة، تحركت الملفات الليبية العسكرية والسياسية. كما أن الوضع الصحي يعتبر سيفًا على رقاب الليبيين ينضاف الى البندقيات المفتوحة دائمًا.
ثانيا: تطور السياسات والتشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان
أفاد الاستعراض الدوري الشامل عن تأكيد صريح بالفشل التام في تنفيذ التوصيات بخصوص وضعية حقوق الإنسان في ليبيا منذ 2015. مثلت انتهاكات الحق في التظاهر العنصر البارز خلال فترة الرصد، خاصة بعد الاحتجاجات الاجتماعية السلمية التي شهدتها عدة مدن ليبية طيلة شهري أغسطس/أوت وسبتمبر.
ومثلت الجماعات المسلحة الخارجة على القانون أو غير المنضبطة مصدر هذه الانتهاكات. كما أن درجة الإنقسام داخل السلطات في غرب ليبيا تسبب في سوء إدارة التظاهرات والإستماع لمطالب الشعب الليبي. أما في شرق ليبيا فالملف دون متابعة فعلية من قبل السلطات الموجودة.
1. الإعتداء على المتظاهرين:
يمكن الوقوف على الممارسات الأمنية، واستغلال الجماعات المسلحة لضعف السلطة المدنية، وتموضع جلها وفق التوازنات بين القيادات السياسية الداعمة لها. كذلك اتضح ان تفاعل السلطات لم يكن مجديًا بالنسبة للمتظاهرين السلميين.
انطلقت مظاهرات واسعة في طرابلس، ومصراتة، والزاوية في 23 أغسطس أوت 2020، ونظّم حراك شعبي جديد، هو “حراك الشعب 23/8” أو “حراك همة الشباب 23/8” في 23 أوت احتجاجات لانتقاد السلطات في الشرق والغرب بسبب الظروف المعيشية التي “لا تُحتمل”. بدأت المظاهرات أيضا في 24 أوت في مدينتَيْ زليتن والخمس شرق طرابلس، وفي سبها وأوباري في الجنوب.
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 19 شخصًا بشأن المظاهرات والرد العنيف عليها، بمَن فيهم متظاهرون، وأقارب، وأصدقاء متظاهرين، وصحفيين، ومحامين، وناشطين. ووثّقت 24 حالة احتجاز تعسفي بين 23 و29 أغسطس/أوت 2020، وأُفرج عن العديد منهم، وانتشرت صورًا وفيديوهات للقوى الأمنية وهي تستعمل القوة المفرطة، أعلى منصات التواصل الاجتماعي.
قال شهود شاركوا في مظاهرة إنّ المظاهرات في طرابلس وأماكن أخرى كانت سلمية إلى حدّ كبير. ردت الجماعات المسلّحة الموجودة في طرابلس والمرتبطة بحكومة الوفاق الوطني، بجمع المتظاهرين بالقوة واحتجازهم في أماكن لم يُكشف عنها في البداية، ومنذ 24 أغسطس/أوت 2020، تقوم الجماعات المسلحة بإطلاق سراح المحتجزين بهدوء، وما يزال العدد الحالي للمتظاهرين المحتجزين في طرابلس غير معروف.
كما صرح أقارب وأصدقاء اثنين من المتظاهرين المفرج عنهم، الذين احتُجزوا أربعة أيام على الأقل في سجن بقاعدة معيتيقة العسكرية في طرابلس، إن الرجلين أفادا بتعرضهما للضرب المتكرر وإجبارهما على توقيع تعهدات بعدم المشاركة في مظاهرات مستقبلية. تدير السجن قوة الردع الخاصة بقيادة خالد البني.
أشار ثلاثة شهود إن “لواء النواصي”، الذي يسيطر على محيط ميدان الشهداء، كان المسؤول الأساسي عن استخدام الرشاشات والأسلحة الثقيلة لتفريق المتظاهرين واعتقال المتظاهرين تعسفًا في 23 أغطس/أوت 2020، والأيام اللاحقة.
أكد متظاهران إنّ عناصر الشرطة الموجودين في ميدان الشهداء لم يتدخّلوا لحمايتهم. ويظهر فيديو نشر على فيسبوك في 23 أغسطس/أوت 2020، استعمال الجماعات المسلّحة أسلحة ثقيلة والرشاشات لتفريق المتظاهرين في وجود سيارات شرطة مركونة في الميدان والتي لم يتحرك أي من افرادها المصاحبين لحماية المتظاهرين يأي شكل من الأشكال.
…
يتبع
_______________