ج – مؤتمر المصالحة الوطنية

أعلن المجلس الرئاسي، في 14 ديسمبر 2023، الاتفاق على عقد المؤتمر الوطني الجامع للمصالحة الوطنية في منتصف إبريل 2024 (مقرر عقده في 28 إبريل) بمدينة سرت، وأسفرت الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر، والتي شارك فيها عدد كبير من ممثلي الأحزاب والتجمعات والشخصيات السياسية والقبلية، عن تحديد آلية تشكيل اللجنة التحضيرية لتنظيم المؤتمر، وتحديد اختصاصاتها، ونظامها الداخلي.

لكن هذا المؤتمر يواجه العديد من الإشكاليات التي دفعت باتيلي إلي تأجيله إلى أجل غير مسمى، تتمثل في:

  • علي الرغم من أن القضية الرئيسة التي تهيمن على النقاشات الخاصة بالمصالحة الوطنية هي إدماج أنصار النظام السابق، بقيادة سيف الإسلام القذافي، في العملية السياسية، إلا أن الفريق الممثل لسيف الإسلام في مؤتمر سبها، الذي انعقد منتصف ديسمبر 2023، أعلن انسحابه من المشاركة في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الجامع، بسبب ما وصفه بعدم جدية المجلس الرئاسي في تحقيق المصالحة الوطنية، على خلفية عدم حدوث أي تقدم في ملف معتقلي نظام القذافي. وكما أشرنا، فقد تم ربط هذا الانسحاب بعدم دعوة ممثلي الفريق السياسي لسيف الإسلام القذافي لحضور اجتماعات (الخمسة الكبار) التي دعا إليها المبعوث الأممي. وفي حالة استمرار مقاطعة أنصار القذافي لأعمال عملية المصالحة سيفرغ هذا المسار بأكمله من أي جدوى لاستمراره.

  • ناقش مجلس النواب، في 8 يناير 2024، قانون المصالحة الوطنية، وأحاله إلى لجنة العدل والمصالحة الوطنية بالمجلس لدراسته، في محاولة من قبل البرلمان، على ما يبدو، لفرض سيطرته القانونية على هذ المسار.

  • إعلان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، خلال لقائه بمخاتير المحلات منتصف يناير 2024، رفضه مشاركة الاتحاد الأفريقي في تحقيق المصالحة، مشددًا على ضرورة أن تكون المصالحة عبر أدوار مخاتير المحلات، من دون تدخل أي أطراف خارجية. والجدير بالذكر هنا، أنه لا توجد أدوار دولية متداخلة بشكل معلن مع ملف المصالحة، باستثناء الاتحاد الأفريقي، ممثلًا في قيادة الرئيس الكونغولي دينيس ساسو نجيسو، رئيس اللجنة رفيعة المستوى المنبثقة عن الاتحاد. وتجري الرعاية الأفريقية لمسار المصالحة، بالمشاركة مع المجلس الرئاسي، وبتخويل من مجلس الأمن الدولي.

  • إعلان ممثلو قوات حفتر الانسحاب من ملف المصالحة الوطنية، بعد أن سحب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي قرار ضم قتلى وجرحى قوات حفتر إلى “هيئة الشهداء”. واشترط ممثلو قوات حفتر سحب الملف من المجلس الرئاسي لاستمرارهم في هذا الملف، كشرط وحيد لا رجعة دون تحقيقه.

د– تحركات ولي العهد: 

شهدت الشهور القليلة الماضية، وفق ما يظهر على الحساب الرسمي للأمير السنوسي في منصة “إكس”،  تحركات كثيفة في اتجاه الترويج لعودة النظام الملكي، بوصفها مخرجًا للأزمة السياسية في ليبيا، حيث أجرى السنوسي عددًا من المقابلات مع عدد من أعيان ووجهاء ومثقفين ممثلين لمناطق ومدن ليبية مختلفة، مثل بنغازي والبيضاء ودرنة ومصراتة وطرابلس وزليطن وبني وليد والزاوية وغريان وتاجوراء والمنطقة الجنوبية، فضلًا عن لقاء أعضاء من المجلس الأعلى للدولة، وبعض القيادات النقابية.

وفي 26 يناير، بدأ السنوسي ما أسماه الجولة الرابعة من المشاورات المجتمعية، بلقاءات مع قيادات اجتماعية ونخب أكاديمية من المنطقة الغربية، ثم لقاء وفد ممثل للمكون الأمازيغي. واللافت هنا الشمول الجغرافي والتنوع الكبير للقاءات السنوسي، فضلًا عن كثافة هذه اللقاءات التي جرت في الفترة بين أكتوبر 2023 ويناير 2024، في شكل يوحي بوجود “مشروع سياسي ما” يجري التحضير له بجدية.

ويركز الخطاب الاعلامي للسنوسي على أن تحركاته تأتي في إطار العمل على عودة الشرعية الدستورية الملكية؛ إذ قد يسعى السنوسي إلى طرح نفسه “قيادة رمزية” للبلاد، يمكن من خلالها تجاوز إشكالية الصراع على رأس الدولة.

ومن ثم، يمثل هذا المسار شرعنة للتوازنات الداخلية بين شرق البلاد وغربها، وذلك في ضوء ما قد يعد به من محدودية سلطات الملك، بشكل قد لا يبتعد كثيرًا عن صورية صلاحيات المجلس الرئاسي الحالي.

ويرتبط الثقل الذي قد يمثله هذا المسار بالمشروع السياسي وليس بوجود نفوذ سياسي أو تنظيمي للأسرة الملكية نفسها، والتي فكك نفوذها تمامًا منذ بداية حكم القذافي. فالمشروع السياسي يمتلك، نظريًا، عناصر قوة لا يمكن تجاهلها؛ ويأتي في مقدمتها الناحية الرمزية والتاريخية المرتبطة بتأسيس دولة الاستقلال، وهي شبيهة بالمعضلة التي تواجهها ليبيا خلال عملية إعادة بناء الدولة حاليًا.

وعمليًا، يمثل دستور الاستقلال 1951 أحد المخارج الجادة المطروحة دائمًا لمعضلة الدولة الليبية، باعتباره الأقرب للطبيعة الجيوسياسية القائمة حاليًا ذات النزوع الفيدرالي.

ومن الناحية الاجتماعية، كانت قبائل إقليم برقة هي القاعدة الداعمة تاريخيًا للحكم الملكي، دون تجاهل ارتباط الأسرة الملكية بالحركة السنوسية المتغلغلة دينيًا في المجتمع الليبي، وهو ما يمكن توظيفه والبناء عليه دعائيًا في مرحلة متقدمة من الترويج لهذا المشروع.

وقد ظهرت حراكات عدة خلال السنوات الماضية تنادي بعودة الملكية وتفعيل دستور الاستقلال، مما يعكس وجود أساس مادي واجتماعي قابل للتطور بشأن هذا المسار.

وفيما يتعلق بالأطراف الداعمة لتحركات السنوسي، لا يوجد رسميًا حتى الآن أية مواقف معلنة، غير أن صحيفة “ليبيا برس” الإلكترونية تروج لمسألة أن استعادة الملكية هو مقترح أردني يلقى دعمًا من كل من قطر وبريطانيا؛ وأن الدبيبة أحد أبرز الداعمين لهذا المقترح داخليًا، مقابل استمراره في رئاسة الحكومة.

من ناحية أخرى، من اللافت للنظر سهولة عقد السنوسي اللقاءات، التي جرت غالبًا في مدن شرق ليبيا، من دون التعرض لأي تضييقات من قبل السلطات الموالية لحفتر، وهو أمر غير معهود، قياسًا بسلوكها في التضييق الشديد على أي تحركات داعمة لمشروعات سياسية منافسة داخل المناطق الخاضعة لسيطرتها.

وفي حال صحت المعلومات التي تزعم إجراء السنوسي هذه اللقاءات في شرق ليبيا، فإن ثمة عاملين محتملين وراء سماح حفتر بها:

الأول، وجود حماية خارجية لتحركات ولي العهد، بشكل يجعل المساس به خيارًا شديد الصعوبة بالنسبة لحفتر؛

والثاني، أن يكون حفتر جزءًا من صفقة أوسع ترتبط بتحركات السنوسي، بحيث تؤمن سيطرة حفتر على الشرق الليبي في حال مرر مشروع عودة الملكية، وترتيب ضمانات تكفل الحفاظ على نفوذ أبنائه في شرق البلاد وجنوبها، في ضوء تراجع فرص إحكام السيطرة السياسية أو العسكرية على كامل ليبيا.

2- أمنيًا:

أ– اشتباكات رأس جدير:

وقعت اشتباكات بشأن معبر “رأس جدير” الحدودي بين ليبيا وتونس، في 18 نوفمبر 2023، بعد احتدام الخلاف بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وبين المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، الذي يشرف على إدارة المعبر عبر قوة تتبع المجلس العسكري لمدينة زوارة الأمازيغية الساحلية في غرب ليبيا.

وقد بدأت الاشتباكات عقب قيام الدبيبة بإرسال قوات تابعة لوزارة الداخلية للسيطرة على المعبر وإدارته، واستعادته من قبضة مدينة زوارة؛ إلا أن المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا أشار – في بيان له – إلى أن الدبيبة “يجمع المليشيات المسلحة بهدف الهجوم على معبر رأس جدير، بحجج واهية وكيدية”؛ معتبرًا أن “ما يحدث ليس القصد منه بناء الدولة، بل هو استغلال للسلطات لممارسة العنصرية، وكسر التوازنات في منطقة الساحل”.

وهدد “كل من يحاول الهجوم على زوارة أو المدن التابعة لها، بحرب شعواء لن تنتهي إلا بإنهاء وجود الأمازيغ”. ومع احتدام الخلاف حول تشكيل الغرفة الأمنية، والرد الغاضب من مجلس الأمازيغ، ورفض وجود أي قوة مسلحة من خارج مدينة زوارة، تراجعت قوات غرفة العمليات المشتركة إلى مواقعها في مدينة زليطن، بناءً على أوامر المجلس الرئاسي الليبي. وقد تكررت هذه الاشتباكات في مارس 2024، ما أدي إلى إغلاق المعبر وتعطيل حركة المسافرين والتجارة بين البلدين.

ويمكن قراءة أحداث معبر رأس جدير فيما يبدو في ضوء الاستراتيجية الأمنية التي يتبناها الدبيبة مؤخرًا، لإحكام السيطرة المركزية على المنطقة الغربية ومنافذها البرية والبحرية، ومن بينها معبر رأس جدير ومعبر ذهيبة وازن، وهما المعبران الحدوديان بين ليبيا وتونس، اللذين تسيطر عليهما الأمازيغ.

وهذه الاستراتيجية مدفوعة بمعالجة حالة الفوضة الأمنية التي تحكم عمل التشكيلات المسلحة في المنطقة الغربية، وما ترتبه من مواجهات عسكرية متكررة بين بعضها البعض. كما أنها تهدف إلي معالجة ظاهرة الجرائم المنظمة سواء الإتجار بالبشر والهجرة الغير شرعية أو تهريب الوقود وغيرها من السلع.

كما أنها تعكس رغبة الدبيبة، في ظل الحديث المحلي والإقليمي والدولي عن ضرورة تشكيل حكومة موحدة جديدة، في إظهار أن حكومته قادرة على السيطرة المركزية وبسط الأمن في المنطقة الغربية، في القلب منها العاصمة، وبالتالي فهي مؤهلة لأن تكون عماد وأساس الحكومة الموحدة التي تدير العملية الانتخابية.

كما يأتي التحالف بين قائد الجيش الليبي خليفة حفتر والقائد العسكري البارز في غرب ليبيا أسامة الجويلي ضمن ما يمكن تسميته بـ”المسكوت عنه” في أسباب التوتر بين عبدالحميد الدبيبة والمكون الأمازيغي؛ حيث يثير هذا التحالف مخاوف حكومة الوحدة الوطنية من إمكانية فقدان السيطرة على بعض المواقع في غرب البلاد، بما في ذلك مناطق الأمازيغ. خاصة بعد تقارب بعض البلديات في الغرب مع الجيش الوطني وحكومة الاستقرار.

وفي المقابل، يخشي المكون الأمازيغي من استغلال الدبيبة إحكام السيطرة على المنطقة الغربية، بما فيها المناطق الخاصة بهم، كمحاولة لتهميشهم؛ خاصة أن تفردهم بإدارة معبر رأس جدير قد أعطاهم مكانة متميزة في الغرب الليبي، لما لهذا المعبر من أهمية، وما يمثله من بعد استراتيجي، من خلال ما يسهم به في تنشيط حركة العبور والتبادل التجاري بين ليبيا وتونس.

وقد بينت أحداث المعبر عن مدى غياب فكرة الاندماج الوطني في الحالة الليبية؛ إذ أنه ليس هناك إطار قومي موحد يجمع الليبيين، وهو ما يساهم ضمن عوامل أخرى في حدوث تفسخ مجتمعي ووطني، وبروز عصبيات قبلية وعرقية ومناطقية تتجاوز بنى الدولة وفكرتها، بما يحول دون بروز ليبيا كدولة موحدة مستقرة.

فقد تمثل رد الفعل المفاجئ من جانب الأمازيغ في اتفاق مكونات المدن الأمازيغية على إعلان حالة الطوارئ بين كافة التشكيلات العسكرية التابعة لها، وهو ما خلص إليه اجتماع عقدته هذه المكونات، في قصر الضيافة بمدينة زوارة. وبالفعل تمركزت قوات الأمازيغ على طول منطقة طوق مدينة زوارة، من مليته شرقًا إلى رأس جدير غربًا؛

بل وبحسب ما أعلنت “قناة الأمازيغ”، فإن كلًا من “قادة الكتائب والسرايا تؤيد الحرب”، وأن “قوات الغرفة العسكرية زوارة يسيطرون عسكريا وبشكل تام على قرية رأس جدير”. ومثل هذه التطورات كان يمكن أن تؤدي إلى اشتعال حرب في غرب ليبيا، لولا تدخل المجلس الرئاسي الليبي، وتراجع غرفة العمليات التي شكلها الدبيبة إلى مواقعها في مدينة زليطن.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة، وخلال مشاركته في حفل نظمه المجلس الأعلى للأمازيغ، في 21 يناير 2024، بمناسبة إحياء رأس السنة الأمازيغية (2974)، أعلن رئيس الدبيبة السماح للأمازيغ بتسمية مدارسهم وأبنائهم بأسماء أمازيغية بشكل رسمي في مناطقهم، في خطوة هي الأولى في تاريخ البلاد. وتعتبر هذه الخطوة محاولة لاسترضاء المجلس الأعلى للأمازيغ، حيث واجه الأمازيغ، في مرحلة ما بعد عام 2011، تهميشًا ثقافيًا، علي غرار بعض القرارات التي اتخذتها مصلحة الأحوال المدنية في الغرب بمنع تداول الأسماء غير العربية استنادًا لما جاء في القانون رقم 24 لعام 2011.

ب– اشتباكات بنغازي

وقعت اشتباكات مسلحة بين قوات خليفة حفتر وجماعات تابعة لقبيلة موالية لوزير الدفاع السابق المهدي البرغثي، في 6 أكتوبر 2023، وجاء ذلك على خلفية اعتقال الأخير من قبل قوات طارق بن زياد بقيادة صدام حفتر، حيث استمرت الاشتباكات لعدة ساعات في حي السلماني مقر إقامة البرغثي.

فبعد سبع سنوات، عاد البرغثي إلى مدينة بنغازي بالشرق الليبي، برفقة 15 سيارة عسكرية جاءت من مدخلها الجنوبي عبر مدينة سلوق التي تربطه ببعض مكوناتها صلات اجتماعية، ودخل منها إلى مدينته دون اعتراض من أي جهة، وبعد ساعات من وصوله، انتشرت صور ومقاطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تثبت وجود المهدي البرغثي في بنغازي في مظهر يبدو أنه لم يرق لحفتر، حيث ظهرت صور تظهره وهو يستقبل داعميه في بيته، وتوالي قدوم الشخصيات التي جاءته للتهنئة، وفرضت على العائلة توسيع نطاق المضافة، فتم نصب خيمة لاستقبال الضيوف، وسط وجود سيارات عسكرية وعدد من المسلحين.

لذلك، وبحسب ما تم تداوله، فإنه تم تسليم المهدي بلاغ ضبطه وإحضاره، لكن الأخير لم يتعاون مع البلاغ بحجة أن الإجراء غير قانوني، لوجود تراتبية عسكرية ووجوب أن يجرى ذلك عبر الشرطة العسكرية، فلم يعبأ بأي مخاطر محتملة لعدم امتثاله، واستمر في استقبال داعميه.

وعلى إثرها قامت قوة عسكرية تابعة لحفتر بمحاولة تطويق واقتحام المكان، مما سبب في اندلاع اشتباكات خفيفة مساء يوم 6 أكتوبر، بين القوة المكونة من اللواء طارق بن زياد وتشكيلات عسكرية أخرى، وعدد من أفراد عائلة البرغثي وأخواله من قبيلة المغاربة وبعض العناصر العسكرية التي تدين بالولاء للمهدي، وعلى إثرها حاصرت قوة عسكرية منطقة السلماني التي تمركز فيها المهدي، مستخدمة أنواع من الأسلحة المختلفة، وحدث تبادل كبير لإطلاق النار وجرى تطويق المنطقة والمناطق المحيطة بها لساعات طويلة.

وتتعدد الروايات التي تحاول أن تبين الكيفية التي دخل بها البرغثي وفريقه إلى بنغازي، والتي أدت إلى استثارة “القيادة العامة”، وجعلها تشتبك مع الأفراد المرافقين له. حيث تشير الرواية الأولي إلي أن الترتيب والتنسيق لعودة المهدي للمدينة جرى عن طريق شخصيات قبلية واجتماعية كبيرة في بنغازي، سعت إلى أن تكون العودة وفق ترتيبات مرضية عنها من القيادة العامة.

تتضمن تلك الترتيبات أن يتم التعامل مع البرغثي كأي مواطن عادي، ويستقبل في مطار بنينا بحسب الإجراء المتبع لرجل عسكري، وذلك بأن تتسلمه سيارة عسكرية ويتم إجراء تحقيق شكلي معه لتسوية وضعه والعودة به إلى المدينة، وأن القيادة العامة قد وعدت هذه الشخصيات بعدم المساس به.

بينما تري الرواية الثانية أن الرهان كان على البعد القبلي لمهدي البرغثي، وعلى تخمينات بأن المشير خليفة حفتر وأبناءه غير معارضين لرجوعه إلى بنغازي، وفق المتطلبات الانتخابية التي يسعى إليها حفتر وأبناءه في المرحلة القادمة. بمعنى أنه لا يوجد أي تنسيق رسمي لعودة البرغثي، وكان الاعتماد على البعد القبلي وافتراض نية القيادة وظروف المرحلة.

فيما جاءت الرواية الثالثة والرسمية عبر تأكيد رئيس حكومة الشرق أسامة حماد، أن البرغثي استغل تراخي الإجراءات الأمنية في البوابات، ومر برفقة عدد من أنصاره المسلحين وبصحبة أرتال من حملات الإغاثة الشعبية القادمة من غرب البلاد باتجاه المناطق المنكوبة في الشرق (درنة). وأكد وكيل وزارة الداخلية في الحكومة ذاتها فرج قعيم، أن البرغثي تسرب عبر الصحراء بطرق ملتوية ليدخل إلى بنغازي خفية، وبدعم مالي ومخابراتي محلي وخارجي لإثارة الفوضي في المنطقة الشرقية.

ويمكن إرجاع السبب الرئيسي خلف هذه الاشتباكات إلي أن حفتر لا يخشي البرغثي في حد ذاته، ولكن قبيلة البراغثة والعواقير والمغاربة والعبيدات وغيرهم. ففي الحقيقة خليفة حفتر يدرك أن هذه القبائل لن تنسى أنها من صنعته، حيث كان أبنائها الثقل الحقيقي لقواته، هذا غير النفوذ والثقل الاجتماعي في المنطقة الشرقية قبل أن يعتمد على فاغنر والمرتزقة الأفارقة، حيث واجه مساعدة هذه القبائل له بالنكران، وإقصاء أبنائها من المناصب لصالح تعزيز نفوذ أولاده في المواقع والمناصب العسكرية في قواته، بل وفي دوائر صنع القرار السياسي والأذرع الاقتصادية.

والتي كان أخرها تكليف رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد، في 27 ديسمبر 2023، بلقاسم خليفة حفتر مديرًا تنفيذيًا لصندوق إعادة إعمار مدينة درنة والمدن والمناطق المتضررة من الفيضانات المدمرة الناجمة عن العاصفة “دانيال”، التي اجتاحت مناطق الجبل الأخضر في سبتمبر 2023.

ويبدو أن ما حدث للبرغثي ينسف كل الجهود والترتيبات التي دأبت على تسويق رغبة حفتر وأبناءه لطي صفحة الماضي، من خلال تصريحاتهم ولقاءاتهم التي عبروا خلالها عن السماح للمهجرين بالعودة واسترجاع مساكنهم وأملاكهم، وأنه آن الأوان لرفع شعار الوئام والمصالحة مع الجميع من أجل الوطن.

يتبع

_______________

مقالات مشابهة