4. المقابر الجماعية: معركة من بقايا المعارك :
بعد انتهاء المواجهات في طرابلس، أعلنت محكمة الجنايات الدولية عن البدء في التحقيق في المقابر الجماعية التي تم العثور عليها في عدة مناطق، بعد مطالب حكومية ليبية واستنكار دولي واسع، لكنّ الجانب الإنساني فيها ما زال مغيبًا.
وعُثر في مدينة ترهونة وحدها، جنوب شرقي طرابلس، وحدها، على 11 مقبرة جماعية تضمّ رفات عشرات القتلى، بعضهم مدنيون، بحسب بيان لوزارة الخارجية في حكومة الوفاق في منتصف شهر أغسطس/أوت 2020.ونشرت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، وهي هيئة حكومية تابعة للوفاق الوطني، على حسابها بفيسبوك، صورًا لانتشال جثث قالت إنها كانت مدفونة في مقبرة جماعية في أحد المزارع. وأكدت الهيئة انتشال عشر جثث رغم اكتشاف “العبث” بها، متابعة أنها “تُقدّر حرقة الناس على أبنائهم المفقودين، لكن عليهم مساعدة المختصين، بدل محاولة استخراج الجثث بنفسهم”.
تحدثت عدة وسائل إعلام مقرّبة من حكومة الوفاق عن أن غالبية القتلى هم من أهالي المدينة. وألقت هذه المصادر باللوم على ميليشيا الكاني أو الكانيات، وهي ميليشيا موالية لخليفة حفتر، قُتل عدد من قادتها قبل أسابيع في العمليات العسكرية. وقد اشتهرت هذه الميليشيا عام 2017 بأعمال قتل واسعة المدينة، وكانت على صلة في بداياتها مع حكومة الوفاق، إلّا أن علاقة الطرفين ساءت قبل إعلان خليفة حفتر حملته للسيطرة على طرابلس.
5. حرية الصحافة في ليبيا:
حسب آخر إحصائية، لمنظمة مرسلون بلا حدود لهذا العام، جاءت ليبيا في المرتبة 162 في المؤشر العالمي لحرية الصحافة، وأوضحت المنظمة، أن تراجع ترتيب ليبيا، سببه حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، وما صاحبه من نزاعات مسلحة وحروب، انعكست سلبًا على حياة الصحفيين، وأدت إلى مقتل عدد منهم، إضافة إلى اعتقالهم بشكل تعسفي.
ولم تبارح مكانها المتدني في هذا المؤشر العالمي، على مدى السنوات الماضية، فقد حلت في المرتبة ال 164 عام 2019، وفي المرتبة ال162 في عام 2018، ويعمل المؤشر على قياس حالة حرية الصحافة في 180 بلدًا على مستوى العالم.
6. الإختفاء القسري:
بعد عام على اختفاء المحامية والناشطة سهام سرقيوة، لا يزال مصيرها مجهولًا. بتاريخ 17 يوليو 2020، أصدرت بعثة الأمم المتحدة بيانًا بهذا الخصوص.
هذا وقد شهدت فترة الرصد، وخلال الأزمة الصحية في البلاد، اختفاء طبيب في بنغازي انتقد تعامل السلطات مع الوباء. فُقد الاتصال بالدكتور محمد عجرم طبيب العيون ببنغازي، في 30 مارس 2020، بعد انتقاده على قناة الحدث الموالية للجنرال خليفة حفتر لسلطات المنطقة الشرقية على سوء إدارتها وتناولها لأزمة كورونا. وتساؤل الدكتور عن الميزانية التي رصدت لوزارة الصحة والبالغ قدرها 300 مليون دينار، في حين لم توفر أبسط المستلزمات بما فيها شريط سحب عينات التحليل، والذي يمكن توفيره بمبلغ زهيد.
غير أنه بعد المداخلة، نشر على حسابه بفيسبوك “خالق الرأس قاطعه!! لِنَقُل كلمة الحق، ولا نخشى في الله لومة لائم”، ليتبعها بأخرى, كشف فيها أنه تعرض للاستجواب، وأُبلغ بأنه تم استدعائه من قبل ما يسمي “برئيس أركان” ميليشيات حفتر، عبد الرزاق الناظوري، قبل أن ينقطع الاتصال به نهائيًا، بحسب مقربين.
هذا ويؤكد تقرير الصليب الأحمر أن ليبيا تتصدر القائمة السوداء عالميًا لحالات الاختفاء القسري، حيث أوضحت اللجنة، في تقرير لها بمناسبة اليوم العالمي للاختفاء القسري، أن “الصراع والهجرة عاملان أساسيان يقفان وراء عدد حالات الاختفاء في ليبيا، وأن عدد المختفين في ليبيا بلغ أكثر من : 1600 شخص
هذا ويتواصل النزاع في المؤسسات المشرفة على الإعلام بعد الجدل حول تعيين السراج ل”محمد بعيو” على رأس الهيئة الليبية للإعلام. وذلك طبقًا للقرار رقم (597) لرئاسة حكومة الوفاق الوطني تم إنشاء المؤسسة الليبية الإعلام والتي تكون لها الشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة والتابعة لمجلس وزراء الوفاق ويكون المقر الرئيسي لها في طرابلس.
ومنح القرار للمؤسسة تنفيذ الخطط والسياسة العامة للدولة في مجال الإعلام ولها على الأخص ما يلي:
-
اقتراح وتنفيذ خطط وبرامج ومشروعات التنمية والتطوير الخاصة بالمؤسسة والجهات التابعة لها وميزانيتها في اقتراح مشروعات القوانين واللوائح والأنظمة المتعلقة بالعمل الإعلامي الوطني ووضع وتطبيق المعايير والضوابط المنظمة للعمل الإعلامي بجميع وجوهه واتخاذ كل ما يلزم للرفع من مستوى كفاءته وأدائه والمساهمة في تأمين المناعة الوطنية وتحصين الدولة والمجتمع.
-
إصدار التراخيص والأذونات اللازمة لمزاولة العمل الإعلامي، وتنظيم منح الترددات الإذاعية الأرضية والفضائية ووضع الضوابط الكفيلة بمنع السرقة والتعدي على الحقوق الأدبية، واقتراح لوائح وأسعار الإنتاج الإعلامي لاعتمادها من مجلس الوزراء.
-
تنفيذ السياسات المتعلقة بالاستثمار الاقتصادي في المجالات الاعلامية وتنظيم الشراكة والتعاون مع القطاع الإعلامي الخاص.
لاحقا جاء قرار رئاسة حكومة الوفاق بتعيين بعيو ليكشف عن هشاشة آليات اتخاذ القرار ومؤسساتها. فقد رفضت عدة جهات متنفذة، خاصة منها ثوار طرابلس، على خلفية خلافات حول الاعتمادات المالية في وزارة الإعلام وتقاسم النفوذ بين الجماعات المسلحة والموالين لها.
7. التضييق على المجتمع المدني:
لا يزال الإطار القانوني المنظم للعمل الجمعياتي والمجتمع المدني الليبي منقوصًا. وقد تعهدت ليبيا في الاستعراض الدوري الشامل لوضعية حقوق الإنسان لسنة 2015 بجملة من الإصلاحات تتعلق أساسًا بتغيير المنظومة القانونية الموروثة من عهد القذافي. لكن واقع الحال أكد فشلًا تاما في هذا المسار وصولًا الى الاستعراض الدوري لسنة 2020 المزمع إجراءه خلال شهر نوفمبر.
أحد القوانين المعمول بها منذ ما قبل الثورة في ليبيا، هو القانون رقم 19 بشأن إعادة تنظيم الجمعيات الأهلية الصادر عام 2001 ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار أمانة مؤتمر الشعب العام رقم 73 لسنة 2002 وملحقاته. كما أصدرت مفوضية المجتمع المدني الليبية لوائح خاصة بمنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية. وهي النصوص المعمول بها حاليًا، والتي أدت إلى التضييق على حرية تكوين الجمعيات.
وجاء قرار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني رقم (286) لسنة 2019 والصادر بتاريخ 7/3/2019 بشأن اعتماد اللائحة التنظيمية لعمل مفوضية المجتمع المدني، ليزيد من حجم التضييق على العمل المدني.
يمكن ملاحظة أن عمل المفوضية يركز على ربط المجتمع المدني بفروعه وصولًا إلى المركز. وقد أشار منشور المفوضية إلى هذا الجانب، حيث يتوجب على كل الجمعيات التعامل مع المكاتب الفرعية والإبلاغ عن جميع نشاطاتها.
يعكس هذا التعميم قواعد اللوائح المستعملة، التي تنص على شرط الإعلام المسبق للمفوضية للحصول على الترخيص للانطلاق في العمل، كما يتوجب عليها الحصول على إذن مسبق لفتح حساب بنكي. كما تتمتع المفوضية بصلاحية تجميد حساب الجمعية. وهي المخولة بحل الجمعية بناء على تقدير المفوضية وحدها.
بالإضافة إلى تركيز منظومة الترخيص المسبق في إجراءات تكوين الجمعيات، لا تنص اللوائح على دور السلطة القضائية في الرقابة على عمل المفوضية. تعتبر المفوضية اليوم بيروقراطية ذات صلاحيات واسعة قادرة على تعطيل المبادرة المواطنية للانخراط في العمل المدني، بسبب طول الإجراءات وعدم وضع آجال معقولة لردودها. وهي تعكس تخوفا من نشاط المجتمع المدني خاصة في ظل الانقسام المؤسساتي والصراع السياسي الليبي.
اشترط قرار المفوضية المذكور أعلاه، الحصول على ترخيص مسبق لطلب التمويلات، بالإضافة الى وضعه مهلة للمنظمات الدولية لتقديم تقاريرها المالية، أو أنها ستواجه الحل والمنع من العمل.
التوصيات
ـ على المستوى السياسي
-
ضرورة التسريع بالإصلاح الهيكلي في مؤسسات الدولة وتوحيدها خاصة مؤسسات وزارات الدفاع والداخلية، وتحديد المسؤولية الوظيفية والسلم التراتبي الكفيل بتحديد مصدر القرارات ومنفذيها، لتجنب تدخل التنظيمات والمسلحة وشبه العسكرية، التي يجب أن تُحل.
-
ضرورة إنهاء تواجد السلاح خارج إطار الدولة باعتباره سببًا رئيسيًا في تعطيل المصالحة الوطنية ووقوفه وراء الجريمة المنظمة وتهريب البشر والإتجار بهم.
-
التسريع في العملية السياسية للوصول إلى انتخابات وحكومة وطنية موحدة جديدة، تضمن وحدة ليبيا دولة وشعبًا.
-
إجراء مصالحات شاملة بين القبائل الليبية لإنهاء حالات القتل بهدف الانتقام تحت مسميات “أولياء الدم”. والعمل على تبادل جثث القتلى والأسرى.
-
إطلاق حرب فعلية على الفساد في المؤسسات الرسمية وشبكات النفوذ المالي والمسلح خاصة في وزارة الإعلام والصحة، وهي من المؤسسات الرئيسية في إدارة الأزمة السياسية والصحية في البلاد.
-
تعزيز السلطة المحلية باعتبارها الأقدر على إدارة الأزمة الصحية بالقرب من المواطنين ومعاينة احتياجاتهم المباشرة.
-
إصلاح المنظومة القضائية والتوقف عن ممارسات الضغط والقتل في حق العاملين في القطاع القضائي، وإنهاء سيطرة السلطة التنفيذية على النيابة العامة.
-
لعل جزء مهما من الإصلاح التشريعي ينتظر وضع دستور ليبي جديد، لكن السلطات القائمة يجب عليها احترام المعاهدات الدولية ومراجعة المنظومة القانونية القائمة.
ـ على المستوى الحقوقي
-
غلق مراكز الاحتجاز وإطلاق سراح المحتجزين ووضع إطار قانوني واضح ومتكامل يحترم قواعد ومبادئ حقوق الإنسان.
-
تحديد السلطات المسؤولة مباشرة في التعامل مع ملف المهاجرين بدل تعدد المتدخلين في هذا المجال.
-
الإنهاء مع حالات الاختفاء القسري وكشف مصير المختفين إلى اليوم,
ضرورة دعم توثيق حالات الاختفاء القسري السابقة وكشف المسؤولين عنها وجلبهم الى العدالة.
-
العمل على وقف محاولات السيطرة على الإعلام والرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي.
-
ضمان استقلالية المؤسسة الليبية للإعلام وإخراجها من تحت إشراف السلطة التنفيذية.
-
إصلاح قطاع الإعلام ودعم المؤسسات الإعلامية الناشئة والمستقلة مع دعم الإعلام المحلي في منطق الداخل والجنوب الليبي.
-
الكشف عن جرائم المقابر الجماعية ومحاسبة المسؤولين عنها وإخراجها من التداول السياسي عليها واستغلالها كورقات ضغط على الأطراف الليبية في المفوضات.
-
ضمان حق التظاهر وردع الجماعات المسلحة وشبه العسكرية عن الاعتداء على المتظاهرين، ومحاسبة المسؤولين عن الاعتداءات التي عقبت مظاهرات شهري أغسطس وسبتمبر 2020.
-
على السلطات في ليبيا الإسراع في إصلاح المنظومة القانونية الخاصة بحرية تكوين الجمعيات، وإلغاء الإجراءات المضيقة على منظمات المجتمع المدني منقبل مفوضية المجتمع المدني سواء في الشرق أو الغرب، فعلى السلطات في ليبيا تجاوز منظومة الترخيص المسبق كشرط للعمل الجمعياتي في مختلف أشكاله، نحو تعزيز حرية المبادرة والنشاط المدني مع تعزيز صلاحيات القضاء في هذا المستوى، ليصبح السلطة المخولة بالرقابة على عمل المجتمع المدني بما فيها اعمال المفوضية ذات نفسها واخراجها من عباءة السلطة التنفيذية التابعة لها سواء في الشرق أو الغرب.
______________