4- السودان:

أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، في 24 فبراير 2024، رسميًا ولأول مرة عن طرحه مبادرة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية (الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”) لإحلال السلام والاستقرار ووقف إطلاق النار في السودان، وجاء ذلك من خلال اتصال هاتفي أجراه الدبيبة مع قائد الدعم السريع.

وعلى خلفية الدعوة، توجه رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، إلى العاصمة الليبية طرابلس، في 26 فبراير، وعقد البرهان اجتماعين منفردين مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي والدبيبة. فيما قال حميدتي: “شكرت الدبيبة، على دعوته لنا لزيارة ليبيا والتي سنلبيها في القريب العاجل، كما شكرته على مبادرته وجهوده في دعم الاستقرار والسلام في السودان، والذي ينعكس على أمن واستقرار المنطقة”.

ومنذ منتصف إبريل 2023 يخوض كل من الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع حربًا خلفت الآلاف من القتلى والملايين من النازحين واللاجئين وفقًا للأمم المتحدة.

ويسعي الدبيبة من خلف هذه المبادرة إلي تحقيق عدة أهداف، منها:

  • محاولة تفعيل مكانة حكومة الوحدة الوطنية على المستوى الإقليمي، خاصة وأنها قد تصبح لاعبًا مؤثرًا في الشأن السوداني، بحكم الجوار الجغرافي، وبحكم التأثير العسكري والقبلي للمرتزقة والمقاتلين السودانيين الموجودين على الأراضي الليبية.

  • الدخول على خط التنافس مع قائد الجيش الليبي خليفة حفتر؛ وهو ما يتبدى عبر حديث الدبيبة الدائم والمتكرر، مثل حديثه في أغسطس 2023، عن “تورط أحد الأطراف الليبية في دعم أحد أطراف الصراع في الحرب الدائرة بالسودان”، في إشارة ضمنية إلى حفتر.

  • الحد من حركة النزوح السوداني الكبيرة إلى ليبيا؛ فمثل غيرها من دول الجوار السوداني، فقد استقبلت ليبيا الآلاف من اللاجئين السودانيين، الذين فروا من الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع. ووفقًا لبيانات مفوضية اللاجئين، فقد بلغ عدد اللاجئين الذي وصلوا إلى الأراضي الليبية، حتى نهاية يناير 2024، حوالي 31 ألفًا، في حين تتحدث السلطات الليبية عن أعداد تصل إلى نحو 400 ألف لاجئ، إلى الدرجة التي بات فيها اللاجئون السودانيون يمثلون أكبر جنسية لاجئة في ليبيا.

  • محاولة الدبيبة في اللعب على وتر ملف الهجرة غير الشرعية من جانب هؤلاء اللاجئين، خاصة السودانيين، بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي عمومًا، وإيطاليا على وجه الخصوص؛ خاصة أن البعض منهم يحاول التوجه إلى أوروبا عبر الأراضي الليبية، ما يمكنه من مطالبة الاتحاد الأوروبي بالدعم.

ولكن يبدو أن هذه المبادرة لن يكتب لها النجاح؛ لعدة عوامل، أبرزها:

  • منذ بداية الأزمة وحتي الآن فشلت جميع المبادرات التي طرحت من وسطاء محليين ودوليين، انطلاقًا من منبر جدة السعودي الأمريكي في مايو 2023، مرورًا بمبادرة الهيئة الحكومية للتنمية الدولية “الإيجاد” في يناير 2024، وكذلك المفاوضات التي عقدت في المنامة عاصمة البحرين في يناير، ومبادرة دول الجوار السوداني التي تبنتها مصر في العام 2023.

  • حتي وإن وافق الطرفان (البرهان وحميدتي) على المبادرة والجلوس للتفاوض فيما بينهما لإيجاد حلول لتلك الأزمة، نجد أنه من الممكن في مثل هذه الحالة أن يستمر كل طرف في التمسك بشروطه من أجل إنهاء وحل الأزمة، خاصة في ظل عدم امتلاك ليبيا لأي أوراق ضغط على الطرفين حتي تضمن نجاح هذه المبادرة التي لم تتضمن أي بنود واضحة يمكن مناقشتها.

  • أن حميدتي لن يسمح للدبيبة بكسب نقاط علي حساب حليفه (حفتر)، خاصة في ظل ما كشفته تقارير إعلامية عن عمليات تهريب للمنتجات النفطية الليبية إلى قوات محمد حمدان دقلو (حميدتي) في السودان عبر قوات حفتر نظير مقابل مالي. كما تربط حفتر علاقة وطيدة بحميدتي الذي أرسل نحو ألف من قواته إلى اللواء المتقاعد، حسب تقرير خبراء الأمم المتحدة لعام 2019، دعمًا له بعد أن أرسل أغلب قواته لمهاجمة طرابلس في إبريل 2019. وبيّن التقرير الأممي أنذاك أن حميدتي أرسل القوة السودانية لحماية بنغازي وتمكين قوات حفتر من الهجوم على طرابلس. ونقل عن عدد من المصادر قولها إن قوات الدعم السريع السودانية تمركزت لاحقًا في منطقة الجفرة جنوبي ليبيا، وفق التقرير الأممي.

ويمكن تلمس فشل هذه المبادرة في المؤتمر الصحفي الذي عقد بين البرهان والمنفي، حيث لم يأت على ذكر المبادرة التي طرحها الدبيبة، واقتصرت المباحثات علي الحديث عن عمق العلاقات بين البلدين، وتأكيد المنفي على دعم مخرجات “منبر جدة”.

5- النيجر:

كشف موقع “أفريكا إنتلجنس” الاستخباري الفرنسي، أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر يقيم علاقات وثيقة مع المجلس العسكري في النيجر؛ تمهيدًا لتحالف غير مسبوق على طول الحدود الصحراوية بين النيجر وليبيا، بمباركة من الحليف الروسي. وقال الموقع أن مسؤولو المجلس العسكري النيجري التقوا بشكل متكرر في الأسابيع الأخيرة مع نظرائهم العاملين لدى حفتر، وأن هذه اللقاءات تأتي بدعم من الاستخبارات الروسية والجهاز العسكري، اللذين يسعيان إلى توسيع تواجدهما في منطقة الساحل بالتعاون مع السلطات المحلية، ضمن خطة توسع روسية في أفريقيا.

ولفت الموقع إلى أن النفوذ الروسي على المجلس العسكري في النيجر يتزايد تدريجيًا منذ توقيع اتفاقية التعاون العسكري خلال زيارة نائب وزير الدفاع، يونس بيك يفكوروف إلى نيامي في ديسمبر 2023. ووفقًا للموقع، زار عدد من الشخصيات البارزة من النيجر موسكو مؤخرًا، بما في ذلك رئيس الوزراء علي لامين زين، ووزير الدفاع ساليفو مودي، الذي أجرى محادثات مع يفكوروف.

ويسعى مودي ويفكوروف إلى وضع تفاصيل الشراكة الأمنية، التي يمكن أن تعتمد جزئيًا على الخدمات اللوجستية التي يتم تشغيلها من بنغازي، حيث يسيطر هناك حفتر. حيث تستضيف بالفعل قيادة حفتر مرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية، بالإضافة إلى كيانات أخرى مرتبطة بوزارة الدفاع الروسية مثل Redut وConvoy، والتي تقوم بتجنيد مقاتلين لنشرهم في المنطقة. كما يخطط الجنرال مودي للسفر إلى بنغازي في الأسابيع المقبلة لإجراء محادثات مع حفتر بدعوة من يفكوروف، الذي زار المدينة مرات عدة، منذ مقتل زعيم مرتزقة فاغنر، يفغيني بريغوجين، في أغسطس 2023.

ولفت الموقع إلي أن حفتر يستعين بقادة المتمردين السابقين، مثل وزير الشؤون الإفريقية بحكومة حماد، عيسى عبد المجيد منصور، الذي قاد منصور “جبهة التبو من أجل إنقاذ ليبيا” بين عامي 2007 و2011، وهو يضمن لحفتر حصوله على دعم قسم من إقليمه المنقسم، لكن الاستراتيجيفي هذا الجزء من منطقة الساحل. لعب منصور منذ يوليو 2023 دور المستشار الإفريقي لحفتر، ولعب دورًا هامًا في التقارب بين حفتر وزعيم المجلس العسكري النيجري عبد الرحمن تشياني.

كما نسق منصور الاستعدادات لزيارة وزير الخارجية النيجري بكاري ياو سانجاري إلى بنغازي في 28 ديسمبر 2023، لمناقشة ملف الهجرة وأمن الحدود مع رئيس وزراء حكومة الشرق أسامة حماد. ثم سافر منصور إلى نيامي في 11 يناير 2024 لمتابعة المباحثات، وهذه المرة مع وزير الداخلية الجنرال محمد تومبا.

6- الإمارات:

رغم فشل الإمارات في تحقيق أهدافها الاستراتيجية بفرض هيمنتها علي ليبيا عبر تقديم الدعم العسكري إلي خليفة حفتر من أجل ترسيخ نفوذه في المنطقة الشرقية ودفعه للقيام بمغامرته العسكرية لاقتحام طرابلس عام 2019، إلا أنها لم تيأس في تحقيق هذه الأهداف، وإن اختلفت الأدوات لتشهد تراجع الأداة العسكرية لصالح تعاظم الأداة الاقتصادية.

حيث تسعي الإمارات إلي الحصول علي نصيب الأسد في عمليات إعادة الاعمار داخل ليبيا. وفي هذا السياق؛ فقد التقى رئيس الحكومة الليبية، أسامة حماد، 30 ديسمبر 2023، وفدًا من ممثلي ائتلاف شركات إماراتية متخصصة في مجال المقاولات والإنشاءات بحضور المدير التنفيذي لصندوق إعادة إعمار مدينة درنة والمدن والمناطق المتضررة بالقاسم حفتر ورئيس لجنة إعادة الإعمار والاستقرار حاتم العريبي. وبحسب ردود المسئولين الحكوميين، يبدو أن هناك موافقة علي العرض الإماراتي.

فيما اعتبرت وزارة النفط والغاز بحكومة الوحدة الوطنية أن اعتزام المؤسسة الوطنية للنفط التعاقد مع ائتلاف شركات (إيني الإيطالية) و(أدنوك الإماراتية) و(توتال الفرنسية) والموافقة على منحهم حصة 40‎%‎ من الإنتاج مخالفًا للتشريعات التعاقدية النفطية المعمول بها في دولة ليبيا، وإخلال بتوازن العقود النفطية في ليبيا؛ لأن المؤسسة الوطنية للنفط اختارت التفاوض مع مقاول واحد وهو ائتلاف شركات إيني، ورأت الوزارة أنه كان بإمكان المؤسسة الوطنية للنفط الحصول على حصة أعلى في الإنتاج لو عرضت هذا الحقل في عطاء دولي مفتوح وشفاف؛ ولأن هذا التعاقد لم يتحصل على موافقة وزارة النفط والغاز ولا الحكومة على التفاوض الأحادي قبل مباشرته.

كما حذرت الوزارة بأن هذا الفعل ربما يدفع ويجر بقية الشركات النفطية الأخرى للمطالبة بتعديل عقودها، ومنحها حصص أوفر ومساوية لما تم منحه لهذا الائتلاف، وهذا ما حصل فعليًا حين تقدمت شركتي توتال وكونكوفيلبيس طالبة تعديل العقود المبرمة معهم.

ومؤخرًا، أبدى مفتي عام ليبيا الشيخ الصادق الغرياني استغرابه من إيداع المؤسسة الوطنية للنفط مبلغ 10 ملايين دولار في حساب شركة البحر الأبيض المتوسط التي تتخذ مقرًا لها في دبي بحجة استخدام المبلغ في الحصول على قطع غيار مستقبلًا.

يتبع

_______________

مقالات مشابهة