معاذ خلف

ليس هناك اسوأ من النوايا الطيبة التي تضمر بين طياتها شر مطلق، أن يتم خداع شعب بأوهام و شعارات زائفة حتى تتمكن من الوصول ثرواته و مقدراته، حتى تتحول الدولة من لاعب اقليمي الى بيدق على رقعة الشطرنج .

مرت 13 عاما على انتفاضة ذوي النوايا البيضاء، التي استغلها الناتو أبشع استغلال، و في كل عام تتكشف الحقائق أكثر و أكثر أمام شعب أصبح مغلوب على أمره، بين مطرقة المليشيات وسندان التدخل الخارجي، شرقا و غربا و جنوبا

الناس هائمون في أزمات متلاحقة حتى انهم لا يجدون الوقت للتفكير في الشأن العام، الساسة في صراع مستمر مع جدلية “كيف تسرق المال العام ”، و المليشيات آخذة على عاتقها مهمة استمرار الفوضى و ديمومتها .

بعد حروب عدة واقتتال داخلي على مدار عقد و ثلاثة سنوات وصل الليبيون اخيرا الى نتيجة مفادها أن الانتخابات هي الحل، والحسم السياسي بين الخصوم أفضل و أقل ضرارا وتكلفة من وطئة الحسم العسكري، غير أن هناك مفارقة عجيبة.

منذ 2011 لم تحدث انتخابات سوى مرتين فقط وهي انتخابات برلمانية في العام و 2012 و 2014 و منذ ذلك التاريخ توقف تداول السلطة ديمقراطيا داخل البلاد، و اصبحت حكومات متتالية تسلم بعضها بعضا مهمة استمرار الفوضى، و السطو على المال العام، و الصراع حول السلطة شرقا و غربا .

الغريب في الأمر ان الحكومات المتتالية و منذ 2012 كانت جميعها تشكل لمهمة واحدة فقط وهي الوصول للإنتخابات الرئاسية، غير انها لم تصل، وهذا نتيجة تمسك لوبي معين داخل المجتمع الليبي بالسلطة، فهم طبقة مستفيدة من الوضع القائم، و المليشيات المسلحة تدعمهم مقابل تبادل مصالح، وهكذا تدوم سيرورة الفوضى داخل المجتمع .

هذا اللوبي شرقا و غربا لم يمنح أو لم يترك فرصة أو بابا للوصول الى الانتخابات الرئاسية الا واغلقها، حتى و ان اختلفت سلطة الشرق العلمانية مع سلطة الغرب الإسلامية في امور شتى، الا أنهم قد تلاقوا واجتمعت مصالحهم في منع الانتخابات، لأسباب يدركونها جيدا، وهي أن الشعب الليبي قد سئمهم، و أن كلاهما لن يصل الى رئاسة البلاد .

هذا التعنت دفع الطرفان للإستقواء بالخارج للمحافظة على كراسيهم و مناصبهم، ففي الغرب الليبي اكتف المسؤولون بتقديم الولاء و الطاعة للباب العالي في تركيا ، و في الشرق يحاول حكم ليبيا و السيطرة بتأييد و تزكية الدول العظمى امريكا روسيا و الصين ظنا منه ان هذا سيغنيه عن الظهير الشعبي الذي لن يتحصل عليه في اي انتخابات قادمة .

12 عاما من المحاولة للوصول للانتخابات، حكومات متعاقبة ، بعثات امم متحدة متجددة، الى ان وصل الليبيون و العالم الى حالة من اليأس والإحباط، ولأن الشعب الليبي لا يجد من يجمعه على كلمة سواء فتغيير الواقع بالنسبة له مستحيل ! و أن أي تحرك شعبي محدود يعني النهاية أسفل أزيز رصاص المليشيات المسلحة .

لست ممن يؤمنون باليأس، فمادامت هناك حياة يوجد أمل، ورحلة النضال تبدأ بخطوة، الإنتخابات استحقاق شعبي، واجب المسؤولون تجاه شعبهم، و حتى ان خدرتم شعوبكم بالأزمات المتتالية، فسيأتي وقت الاستفاقة حتما .

ما يجب ان يدركه الليبيين ان كافة الدول الخارجية تتعامل معهم وفق مصالح و منافع، حتى لو كانت تلك المصالح على حساب الشعب الليبي والفوضى، وان همومكم لن يبكي عليها أحد، إن لم تأخذوا على عاتقكم التحدي والارادة للوصول الى الانتخابات و من ثم استقلال ليبيا و القرار الليبي و البناء والتنمية والتقدم، سيتجاوزكم الزمن وستكتبون في التاريخ كأسوأ حقبة زمنية عاشها الليبيين في التاريخ الحديث . “

_______________

مقالات مشابهة