عماد‬ ‫علي‬ ‫نقريش

شرعية مؤسسات المرحلة الانتقالية في ليبيا

ليس في وسع أي مجتمع ديمقراطي أن يستمر طويلا ما لم يكن يتمتع بشكل من أشكال الشرعية.

والشرعية مفهوم يصعب تحديده وقياسه، خصوصا في المجتمعات التسلطية، غير أنه يمكن فهمه بصورة أفضل إذا ما جزّىء إلى ثلاثة مكونات:

أولا: الشرعية الجغرافية

وتعني إن الذين يعيشون ضمن نطاق الدولة يقبلون حدودها الإقليمية أو لا يعارضونها إلا عبر الوسائل الدستورية. إذا لم يحس الأفراد والجماعات بشرعية الإطار الجغرافي للدولة فسوف تتعرض العمليات السياسية الديمقراطية للتهديد، وفي الحالات المتطرفة قد يأخذ التهديد شكل حركات انفصالية.

وعندما لا تتوفر للجماعات وسائل ديمقراطية لتحقيق الانفصال، فمن غير المحتمل أن يلتزموا بالعمليات الديمقراطية، ويصبح العنف أمرا محتما تقريبا.

وفي ليبيا، ظهرت دعاوى إرهابية متطرفة ترفض فكرة الدولة، بل ترفض عملية التحول الديمقراطي بمجملها. وبسبب عمليات التهميش التي مارسها النظام السابق، واستمرارها بعد ثورة فبراير، ظهرت دعاوي انفصالية، وإن اتخذت من الدعوة إلى نظام فيدرالي إلى ذريعة لتمرير مقاصدها.

وفي الحالتين، تمة تشكيك صريح أو مضمر في شرعية الإطار الجغرافي للدولة والهوية الوطنية المشتركة.

ثانيا: الشرعية الدستورية

وتشير إلى القبول العام للقواعد التي تحدد تنظيم وتوزيع القوة السياسية والتنافس عليها. ويمثل تأسيس القواعد الدستورية أحد أصعب جوانب عملية الديمقراطية لأن عملية التحول الديمقراطي تفتح المجال لمدى واسع من المصالح المتنوعة والمتعارضة، وكل مجموعة تسعى لمعرفة كيفية تأثير الترتيبات المتنوعة والمتعارضة، وكل مجموعة تسعى لمعرفة كيفية تأثير الترتيبات الدستورية الجديدة على مصالحها وضمان حماية هذه المصالح.

ونظرا لسعي الجماعات المختلفة إلى التأثير على شكل الدستور ومحتوياته، فإن المفاوضات المساومات عادة ما تكون صعبة وشاقة.

في ليبيا، هناك استقطابات واضحة حول شكل ونظام الحكم. وبحسب آخر استطلاع أجراه مركز البحوث والاستشارات بجامعة بنغازي، بلغت نسبة من يفضلون النظام الرئاسي 44.1%، يليه النظام المختلط 34.5%، فيما يلحق النظام البرلماني 18%. في المقابل، يعتقد 59.2% أن نظام اللامركزية الإدارية هو الأفضل بالنسبة لليبيا، و28.8% يفضلون النظام المركزي، فيما أعرب 10.8% عن تفظيلهم للفيدرالية.

إلا أنه بسبب الفوضى الأمنية في البلاد، وسيطرة الميليشيات والجماعات الخارجة على القانون، لا يستبعد أن كل خاسر في قضيته، بحسب نتيجة الاستفتاء المقبل، سيشكك في شرعية الهيئة المنوطة بمهمة صياغة مشروع الدستور، أو نزاهة الاستفتاء، وله أن يتخذ أي ذريعة أخرى لمنع الترتيبات الدستورية من التأثير على مصالحه.

ثالثا: الشرعية السياسية

وتشير إلى المدى الذي يعتبر المواطنون وفقه أن لدى السلطات القائمة الحق في تولي السلطة. ويمكن إقرار أن الحكومة تتمتع بشرعية سياسية عندما تعكس نتائج الانتخابات التنافسية تفضيلات الناخبين وفقا للقواعد والترتيبات الدستورية والمؤسسية.

غير أننا لا نعدم وجود من يشكك في أحقية نظام الحكم القائم في المرحلة الانتقالية في تولي السلطة لمجرد أن حزبه أو عشيرته أو ميلشيته لم يرض على توليه إياها في زمن الأضطرابات الأمنية لا تكفي تفضيلات الناخبين لتحديد القائمين على إدارة الدولة، وحين تخسر بعض التيارات السياسية عبر صناديق الاقتراع، قد تلجأ إلى صناديق الذخيرة لتذود بها عن مصالحها.

وقد بلغ هذا النوع من التشكيك في الشرعية ذروته حين رفض المؤتمر العام تسليم السلطة لمجلس النواب المنتخب (بمبررات قانونية خاصة عندما تم اختطاف مجلس النواب من مجموعة طبرق)، بما أفضى إليه ذلك من قيام سلطتين على الأرض، واندلاع اشتباكات مسلحة عنيفة (بين قوات الكرامة وقوات بركان الغضب والبنيان المرصوص)، وعلى هذا النحو، يستبين لنا أن مسألة الشرعية، بمختلف تحلياتها، قد تهدد بإجهاض عملية التحول الديمقراطي، بل بدخول البلاد في نفق قد يؤدي بها إلى الانظمام إلى قائمة الدول الفاشلة.

يتبع

***

عماد‬ ‫علي‬ ‫نقريش ـ قسم الدراسات الشرعية ـ أكاديمية الدراسات الاسلامية ـ جامعة ملايا

________________

المصدر: مجلة كلية الشريعة والقانون ـ جامعة الأزهر ـ العدد 35 ـ الجزء الأول (الاصدار الثالث) ـ يوليو 2023م

‬‬

مقالات مشابهة