أسماء البنا
مؤشرات الديمقراطية
شهدت المنطقة العربية بعد الانتفاضات العربية عددًا من آليات الديمقراطية تمثلت في الانتقال السلمي للسلطة عبر الانتخابات، تعددية حزبية، فصل بين السلطات، استقلال القضاء، حرية الرأي والإعلام، تأسيس منظمات مجتمع مدني، وغيرها من المظاهر، التي لم تمثل في حقيقتها قيم الديمقراطية والتعددية، وإنما كانت مظاهر شكلية وغير فعالة.
إذ شهدت أكثر من دولة سلسلة من العمليات الانتخابية، كانت السمة الغالبة عليها هي تدخل السلطة في العملية الانتخابية، وغياب شروط النزاهة، وتسخير الإعلام لخدمة الثورة المضادة، وإقصاء المعارضين ومحاصرتهم، وإصدار أحكام الإعدام بالجملة في حق المعارضين، في ظل انتهاك ممنهج لحرية الصحافة ولحقوق الإنسان.
فطبقًا لمؤشر الديمقراطية للعام 2021، جاءت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في أدنى المراتب من بين جميع المناطق التي يغطيها التقرير، في ظل وجود خمس دول، من أصل عشرين منها، ضمن أدنى مستويات التصنيف.
ويشير التقرير أيضًا، لوجود سبعة عشر دولة، من بين العشرين دولة عربية، ضمن تصنيف الدول الاستبدادية.
ويبرز المؤشر الحالة التونسية، باعتبارها نموذجًا للتراجع في مستوى الديمقراطية في المنطقة؛ إذ أعاد المؤشر تصنيفها على أنها «نظام هجين»، بعدما كان ترتيبها في السابق ضمن «الديمقراطية المعيبة» وهي مرتبة أعلى.
ويصف مؤشر الديمقراطية تونس بأنها الضحية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عام 2021؛ بعدما حلت في المرتبة الخامسة والسبعين عالميًا، هبوطًا من المركز الرابع والخمسين عام 2020.
ويشير مؤشر الديمقراطية لتبدد الآمال في استمرار الانتقال الديمقراطي في تونس الذي بدأ مع حركة الانتفاضات العربية في 2010.
كما يؤكد مؤشر الديمقراطية لعام 2022 على سوء وضع الديمقراطية في المنطقة، إذ مثلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأدنى بين المناطق الأخرى؛ فقد سجلت 3.34 نقطة في 2022، بينما سجلت 3.41 في 2021 وهو ما يشكل انخفاضًا وتدهورًا.
وضع حقوق الإنسان
على مدار العقد الماضي، شهدت وضعية حقوق الإنسان في المنطقة العربية تراجعا؛ إذ تعمدت الأنظمة قمع وإقصاء المعارضة والرأي الآخر والأقليات، واستهداف الصحفيين، وقمع أي دعوة للتحرك السلمي أو التظاهر.
وفي منطقة الخليج، حيث الصورة شبه موحدة، يتم قمع أي دعوات للإصلاح وتغيب الانتخابات، كما يتم تهميش وضع المرأة، برغم الإصلاحات الشكلية التي تنفذها بعض الدول، بالإضافة إلى منع العمل الحزبي وغيرها من الممارسات التسلطية.
وفي معظم الدول العربية، تم فرض المزيد من القيود على الحقوق والحريات الأساسية، خاصة على صعيد حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات والانضمام إليها. إذ فرضت السلطات، في طيف واسع من الدول، قيودًا صارمة على حق الأفراد في التظاهر السلمي وفي تنظيم الاحتجاجات السلمية والتعبير على الإنترنت.
واعتقلت النشطاء السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وقدمتهم للمحاكمة استنادًا إلى تهم فضفاضة، ومواد في قانون العقوبات تجرم تناول الشأن العام أو انتقاد السلطات العامة.
وفي تقريرها عن أحوال الحريات والديمقراطية في العالم لعام 2022، سجلت منظمة فريدوم هاوس أن معظم التراجعات في الحريات المدنية والحقوق السياسية على مدار العقد الماضي كانت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
حيثما يستمر الطغاة في تفكيك الديمقراطية بشكل منهجي، لضمان بقائهم في السلطة لأجل غير مسمى، موظفين الانتخابات المزورة والمراقبة والعنف والفساد، لسحق أي معارضة، وقمع أي تعبير عن الرأي. في السياق نفسه، تشكل ميليشيات غير حكومية ومجموعات مسلحة، مدعومة من هؤلاء الطغاة، تهديدًا متزايدًا للحرية، من خلال قمع الاحتجاجات وشن الهجمات على المدنيين، لمجرد إدلائهم برأي معارض.
فيما تواجه حرية الفكر نفسها تهديدًا كبيرًا، إذ تفرض السلطة رقابة شديدة، وتستهدف الأصوات المعارضة في مختلف المجالات، وتقود حملات لتضليل الرأي العام وتشويه صور المعارضين. كما تؤدي الأزمات الاقتصادية لتراجع الحقوق أيضًا، إذ تسبب ضعف النمو، والديون المرتفعة، ونقص الفرص، والفساد، وتفاوت الدخل في انتشار الاستبداد.
وتمثل تونس علامة حمراء في التقرير، إذ شهدت انتكاسة كبيرة على جبهة الحريات والديمقراطية. فقد تراجعت درجة تونس ثمان نقاط في 2022 (من أربعة وستين إلى ستة وخمسين)، وهو التراجع الأكبر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتألف هذا التراجع من انخفاض 6 نقاط في مؤشر الحقوق السياسية بسبب التغييرات القانونية والدستورية التي أدخلها الرئيس التونسي قيس سعيد
لإضعاف معارضيه، إلى جانب انخفاض نقطتين في مؤشر الحريات المدنية بسبب تقييد سعيد حرية التعبير والصحافة، وإصداره مرسومًا أضعف القضاء، وحد من استقلاله.
وفيما يتعلق بترتيب الدول العربية جاءت تونس الأولى ثم لبنان، فيما احتلت الكويت المرتبة الأولى خليجيًا. وجاءت سوريا في المركز الأخير بنقطة وحيدة.
الخاتمة
شهدت المنطقة العربية منذ أكثر من عشر سنوات موجة من الانتفاضات بدأت من تونس ثم امتدت إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا وشملت بدرجة أقل بلدانا أخرى. تجددت الموجه في 2018 بداية من العراق ولبنان ثم السودان والجزائر.
أسقطت تلك الانتفاضات رؤوس النظم السلطوية في المنطقة، وكانت بمثابة فرصة تاريخية للتغبير وتحقيق الانتقال الديمقراطي في المنطقة، ودحض أطروحات الاستثناء الديمقراطي العربي.
إلا أنه بسبب عدد من العوامل، واجهت الانتفاضات العربية والانتقال الديمقراطي عددًا من الصعوبات، التي أدت لفشلها في تحقيق الانتقال الديمقراطي والتغيير السياسي والاقتصادي في المنطقة.
في ضوء ذلك، ناقشت الدراسة كيف أدى إخفاق الانتفاضات العربية وتعثر الانتقال الديمقراطي في المنطقة العربية للارتداد السلطوي، وإعادة تأسيس الأنظمة القديمة، وتأثير ذلك على وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الانتفاضات.
انقسمت الدراسة إلى ثلاثة أجزاء: أولًا الإطار المفاهيمي الذي سلط الضوء على ثلاثة مفاهيم؛ موجات التحول الديمقراطي والاستثناء الديمقراطي العربي، والتحول الديمقراطي، والارتداد السلطوي والنظم السياسية الهجين.
ثانيًا ناقشت الدراسة الانتفاضات العربية من حيث التطور والمسارات. ثالثًا تناولت الدراسة تعثر الانتقال الديمقراطي في المنطقة والارتداد السلطوي وتأثيره على وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وقد خلصت الدراسة إلى تعثر الانتقال الديمقراطي في المنطقة نتيجة عدة عوامل، تضمنت دور الدولة العميقة وبقايا الأنظمة السلطوية، ومواجهة دول المنطقة تحدي بناء الدولة وبناء الديمقراطية في الوقت نفسه، ودور المؤسسة العسكرية في المنطقة، وغياب المشروع والقيادة، وأخيرًا ضعف الأحزاب والمجتمع المدني.
كما استخلصت الدراسة أنه بعد مرور أكثر من عشر سنوات على الانتفاضات العربية، فإن المنطقة تشهد ارتدادًا سلطويًا لأنظمة أكثر سلطويةً وعنفًا، وحروبًا أهلية، وصراعات مسلحة، وأزمات إنسانية، وأزمات لاجئين، ومشكلات اقتصادية.
كما يشهد وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان تراجعًا شديدًا؛ إذ ترى المؤشرات العالمية المختلفة أن المنطقة هي الأسوأ. الأمر الذي أعاد التأكيد وتسليط الضوء على الاستثناء الديمقراطي في المنطقة.
***
أسماء البنا ـ باحثة في مؤسسة حرية الفكر والتعبير، وباحثة دكتوراه في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة.
________________