مقتطفات من دراسة استطلاعية على عينة من الأحزاب السياسية في ليبيا
إبراهيم خليل خليفة البلعزي
مراحل تطور العمل الحزبي في ليبيا
عرفت ليبيا في وقت مبكر من تاريخها في مطلع عشرينيات القرن الماضي نشأة الأحزاب السياسية، بل وظهرت أولى تشكيلات الأحزاب السياسية الليبية قبل بداية ميلاد عهد المملكة الليبية على هيئة جمعيات وهيئات وحركان سياسية.
غرست الحركة الوطنية الليبية في المهجر من نشاطهم السياسي في حراك متواصل بذور نشأتها الجديدة، حيث كانوا منتشرين بين مصر وسوريا وتونس وأغلبهم كانوا مناضلين وقادة سابقين في مرحلة الكفاح المسلح ضد المستعمرين الإيطاليين، وقد تركز نشاطهم الرئيس بعد أن التأمت صفوفهم في التعريف بفضائع الفاشستية الإيطالية، ومعاناة الشعب الليبي من ظلمها وحقهم المشروع في نيل حريته واستقلاله، كما شاركوا في مهرجانات ومؤتمرات وندوات انعقدت هناك ولقيت تجاوبا وعطفا من قادة الرأي والسياسة في بلاد المهجر.
ففي عام 1925، اجتمع المهاجرون الليبيون بدمشق بمناسبة الذكرى الرابعة عشر للغزو الإيطالي، وفي الاجتماع اتفقوا على تأسيس هيئة تكون نواة لتكوين جمعية سرية هدفها تنسيق الجهود لمواجهة السياسة الاستعمارية الإيطالية، وتمثلت المهام الأولية لهذه الجمعية في العمل على توثيق الصلات بينإ المهاجرين وإيجاد قنوات اتصال فيما بينهم وبين الوطن وجمع التبرعات دعما لقضية بلادهم وتزويد الصحف بآخر التطورات لحركة الجهاد وفضح السياسة الإيطالية.
وفي عام 1928، استطاع بشير السعداوي بمساعدة مجموعة من قيادات المهاجرين في الشام إبراز هذه الجمعية للعلن، ليصبح السعداوي بذلك أول رئيس لها، تحت اسم “اللجنة التنفيذية للجاليات الطرابلسية والبرقاوية” لتبدأ أعمالها بإعداد المقالات التي تفضح أعمال إيطاليا في ليبيا ونشرها في الصحف.
وفي العام 1932، تغير اسم اللجنة ليصبح “جمعية الدفاع الطرابلسي البرقاوي” ومن ثم توسعت دائرة نشاطها السياسي فاتصلت بالأمير شكيب أرسلان في عام 1939 لكي تلقي دعمه من خلال نشر ما ارتكبه المحتل الإيطالي من جرائم وتعديات في ليبيا في الصحف والمجلات لإطلاع الرأي العام العالمي على ما ترتكبه إيطاليا من فضائع ومنكرات في برقة وطرابلس.
وفي عام 1928، تكونت سرا لجنة من زعماء المهاجرين الطرابلسيين تهدف للعمل من أجل القضية الليبية برئاسة أحمد السويحلي وعضوية آخرين، وكانت منازل بعض أعضائها أماكن مناسبة لعقد اجتماعات والتشاور فيما بينهم وتدارس أحوال بلادهم ومراقبة الحالة الراهنة وقتئذ، ومن خلال لقاءاتهم المتكررة تبلورت لديهم فكرة تنظيم العمل السياسي السرّي وقيادته، وتحفيز هِمم المجاهدين وإحاطتهم بمخاطر السياسة الايطالية المدمرة للبلاد.
وفي مارس 1943، أُعلن مبدئيا عن ظهور الجمعية لتصبح جمعية رسمية في أكتوبر من نفس العام متخذة اسم اللجنة الطرابلسية، وتذكر اللجنة في إحدى رسائل التعريف بنشاطها: “اللجنة ظفرت بكل رعاية من جانب أمين عام الجامعة العربية السيد عبدالرحمن عزام“.
ولما تأسست الجامعة سنة 1945 صارت تأخذ وجهات نظرها وتتحرى ميولها وما تهدف إليه من سياسة دولية وعربية، وتستشير المسؤولين في الأمانة العامة فيما يشكل عليها وأن اللجنة تفخر بصلتها بالجامعة العربية وبثقة أمينها وبما يحيطها من رعاية أدبية وإعانة مادية مكنتها من استئجار مكتب لتؤدي فيه ما يجب عليها للوطن من عمل.
وتابع النضال السياسي الحزبي في ليبيا من أجل الاستقلال (1943ـ1951).
في ابريل 1946، تأسس الحزب الوطني الطرابلسي في طرابلس بزعامة السيد أحمد الفقيه حسن، وانبثق هذا الحزب عن أول نادي ثقافي يعاد افتتاحه في طرابلس وهو “النادي الأدبي“، وتبنى أعضاءه وانصاره قضاياه وأهدافه، وإن ازعجت سلطات الإدارة البريطانية التي ظلت تراقب نشاطاته عن كثب مع أن ميثاق الحزب يشير إلى طريق الاعتدال والموضوعية في أطار الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الليبي.
وفي 10 مايو 1946، أعلن عن تأسيس الجبهة الوطنية المتحدة رسميا، وتألفت من سالم المنتصر رئيسا، وعن سوف نائبا للرئيس، ومحمود فرحات سكرتيرا، وعضوية كل من مفتي ليبيا الشيخ محمد أبو الإسعاد العالم، والطاهر المريّض، وراسم كعبار، وزاكينو حبيب، ومحمد سيف النصر، وابراهيم بن شعبان.
وفي 30 مايو 1946، اجتمع مجموعة من أعيان ومثقفي طرابلس واتفقوا على تأسيس كيان سياسي أسموه حزب الكتلة الوطنية الحرة، تكونت هيئتها من على الفقيه حسن وأحمد الفقيه حسن، والبشير بن حمزة، ومحمد توفيق المبروك، وعلى العقاب، والطاهر بوسريويل، ويوسف المشيرقي، ومحمد قنابة، وعلي رجب، وجهان صدقي الفورتية.
وفي 16 مارس 1947، تشكل حزب الاتحاد المصري الطرابلسي على يدي عضوين أنشقا عن حزب الكتلة الوطنية هما علي رجب ويوسف المشيرقي، واعترفت الإدارة البريطانية به .
وفي 13 مارس 1947، تأسست هيئة تحرير ليبيا في القاهرة من بشير السعداوي رئيسا وعضوية كل من أحمد السويحلي وجواد زكري ومنصور قدارة وطاهر، المريّض ومحمود المنتصر، وكان الأخيران من أعضاء الجبهة الوطنية المتحدة الطرابلسية.
وفي أغسطس 1947، قررت الكتلة الوطنية الحرة فصل بشير بن حمزة من عضويتها مبررة ذلك بأنه خرج عن قانونها ولم يحترمه، فخرج الأخير من الكتلة وأسس في 1 سبتمبر 1947 حزب أسماه حزب العمال، وكان الغرض من تأسيسه نصرة العمال لاسترداد حقوقهم.
وفي 12 مايو 1949، ظهر مشروع بيفن سفورزا أثناء مداولات هيئة الأمم بشأن القضية الليبية، وما أن وصلت أخبار الاتفاق حتى عمت أرجاء اقليم طرابلس مظاهرات عارمة منددة بالمشروع، ما استلزم تكوين لجنة لتنظيم هذه الاحتجاجات والمظاهرات وتوظيفها لصالح القضية الليبية.
وفي 14 مايو 1049، عُقد مؤتمر وطني عام جمع قيادات الأحزاب والهيئات السياسية إلى جانب شيوخ قبائل وعشائر الإقليم تحت اسم المؤتمر الوطني الطرابلسي، وانتخب رئيسا له الشيخ محمد أبو الأسعاد.
وفي عام 1941، برز أحمد عرابي بن عمران، بفكرة تأسيس جمعية باسم عمر المختار ، وبالتشاور مع الاستاذ مصطفى بن عامر باعتباره رمزا وطنيا وقياديا، لإبراز الفكرة إلى حيز الوجود ولكن صاحب الفكرة توفاه الله بعد أن اعتماد قانونها الأساسي في 31 يناير 1942 بالقاهرة.
وفي 9 أغسطس 1946، في ذكرى تأسيس الجيش السنوسي، أطلق الأمير إدريس عن تشكيل تنظيم سياسي اطلق عليه في البداية اسم “جبهة الدفاع البرقاوي” ثم عُدّل إلى “الجبهة الوطنية البرقاوية“. وفي اول اجتماع للجبهة برئاسة الأمير ادريس انتخب الرضا السنوسي رئيسا لها.
وفي 22 يناير 1947، نشرت الجبهة الوطنية البرقاوية “الميثاق الوطني للجبهة البرقاوية“.
وفي يناير 1948، أنشأ الأمير إدريس المؤتمر البرقاوي وجرى انتخاب لجنة تنفيذية للمؤتمر برئاسة السيد محمد رضا السنوسي، وعضوية السيد الصديق السنوسي، والسيد أبي القاسم السنوسي، والسيد على الجربي، والسيد خليل القلال.
الحراك السياسي في فزان اختلف حيث قامت الأدارة الفرنسية بعزل الإقليم، وحرمت السكان من تكوين الأحزاب والجمعيات، وعندما طالب بعض الزعماء في فزان، بعد انتهاء الحرب، بالحكم الذاتي شددت الإدارة الفرنسية الخناق عليهم، فبادر بعض الزعماء بالاتصال بشخصيات في طرابلس الذين نصحوهم بمناوءة السلطات الفرنسية، وكانت نتيجة ذلك أن أنشئت حركة سرية عام 1946 برئاسة عبد الرحمن البروكلي.
وقد استطاعت هذه الحركة عقد لقاءات سرية مع زعماء من طرابلس والاستفادة منهم في تنظيم الكفاح ضد الإدارة الفرنسية مما أدى إلى الإصرار على المطالبة بالحكم الذاتي.
في مطلع عام 1948، بعد اكتمال تأسيس الجمعية الوطنية؛ أي بعد حوالي عاماً ونصف من تأسيسها، انتقلت الجمعية للعمل بشكل علني، وأدركت حينها عبر الاتصالات التي كان يجريها أعضاؤها في برقة وطرابلس، ضرورة التقدم إلى (اللجنة الرباعية) التي ستزور ليبيا، بمطالب موحدة ترتكز على ثلاثة أهداف رئيسة هي: الاستقلال، ووحدة ليبيا، وانضمامها للجامعة العربية.
استطاعت الجمعية الوطنية تهيئة سكان فزان لمقابلة لجنة التحقيق الرباعية بموقف موحد، فقد وصلت اللجنة إلى إقليم طرابلس في 6 مارس 1948 م، وتجَّولت في أنحاء الإقليم حيث طالبت جميع تياراته السياسية باستقلال ليبيا، وانضمامها إلى الجامعة العربية.
***
إبراهيم خليل خليفة البلعزي ـ قسم القانون، كلية الشريعة والقانون ـ أوباري ـ الجامعة الأسمرية الإسلامية.
_____________
المجلة الإفريقية للدراسات المتقدمة في العلوم الإنسانية والإجتماعية ـ المجلد الثاني ـ العدد الثاني ـ ابريل 2023