إعداد : سناء السعيد حسن

مقدمة :

تعود جذور الفشل في ليبيا إلى 500 عام مضت، إن لم يكن أكثر ويمكن تلخيصها في الأنظمة السياسية الفاشلة التي سيطرت على البلاد على مدى خمسة قرون، فعلى مدار الخمسين عاماً الماضية، واجهت ليبيا أزمة كبيرة بسبب غياب سيادة القانون والنظام السياسي القوي.

ونتيجة لذلك، تُركت البلاد بأكملها عرضة للشخصيات الخارجة عن القانون وغير الأخلاقية واللاعبين الدوليين الجشعين.

أدى افتقار ليبيا للمؤسسات السياسية والاقتصادية الشاملة إلى ظهور مجموعات قوية تسيطر على مصادر المال. وقد تمركزت السلطة بين عدد قليل من الأفراد خلال فترة حكم القذافي وفي حقبة ما بعد القذافي، مما أدى إلى تركز المال وإدارة البلاد، وايضا تواجه ليبيا تحدياً كبيراً حيث إن النخبة السياسية والمالية في البلاد ليس لديها مصلحة في تقاسم ثروات البلاد مع بقية السكان أو إشراكهم في عملية بناء الدولة.

وبالنسبة لمفهوم بناء الدولة والذي زاد استخدامه بعد الحرب العالمية الباردة، حيث ارتبط  المفهوم وقتها بالدولة الفاشلة التي أصبحت تمثل لدي العديد من علماء السياسة تهديدا مباشرا للأمن والاستقرار العالميين.

فعملية بناء الدولة لدى تلك الأنساق تخضع للعديد من العوامل المتباينة في تعريفها، إذ يشير بناء الدولة إلى إيجاد حكومة مؤسسات جديدة وتعزيز الموجود منها وتقويته.

ويعرف فرانسيس فوكوياما عملية بناء الدولة من خلال تركيزه على الغاية من بناء الدولة بقوله على أنها عملية تقوية المؤسسات القائمة وبناء مؤسسات جديدة فاعلة وقادرة على البقاء والاكتفاء الذاتي، كما ركز فوكوياما على عامل القوة وقدرة مؤسسات الدولة السياسية والإدارية على هندسة السياسات والتشريع وتطبيق القانون.

كما تشمل عملية البناء مسارين متوازيين إعادة البناء و التنمية، وأيضا يرى فوكومايا أن هناك فرق مفاهيمي واسع بين إعادة البناء والتنمية.

المشكلة البحثية

تمثلت المشكلة البحثية في دراسة بناء الدولة الليبية بعد ثورة 2011، من خلال التعرف على مراحل الأزمة بدايةً من إندلاع الثورة وما تلاها من أحداث وصول الى مرحلة الصراع بين حكومة الوفاق واللواء المتقاعد خليفة حفتر.

كما تطرقنا إلى معوقات بناء الدولة الليبية بعد الثورة والتي اخذت بعداً أمنياً واقتصاديا وقبلياً، وأيضا تناولنا سبل حل الازمة الليبية لإتمام عملية بناء الدولة من خلال توحيد مؤسسات الدولة، والعمل على بناء الجيش، والسعي لتحقيق المصالحة، بجانب التخلص من المرتزقة.

الإطار الزمني

تم اختيار الفترة الزمنية من عام 2011 إلى عام 2022؛ فعام 2011 مثّل شرارة إندلاع الثورة الليبية التي أطاحت بنظام القذافي والذي امتد لأكثر من اربعين عاماً، في حين مثّل عام 2022 النهاية الحقيقية للحرب الأهلية التي كانت بين قوات العقيد المتقاعد خليفة حفتر والتي كانت مدعومة من دول إقليمية ودولية في مواجهة قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً،

كما قام رئيس مجلس النواب عقيلة صالح المنعقد في طبرق بالدعوة إلى انتخابات برلمانية.

محاور الدراسة

المحور الأول: مراحل الأزمة الليبية منذ 2011 إلى الآن

يشير مصطلح الأزمة الليبية إلى استمرار الصراع في ليبيا منذ بداية أحداث الربيع العربي في عام 2011. هذه الأزمة تزامنت مع الحرب الأهلية الليبية الأولى، ثم التدخل العسكري الأجنبي، وصولًا لمقتل القذافي وتسببت الحرب الأهلية في انتشار الجماعات المسلحة، مما أدى إلى زيادة العنف وعدم الاستقرار في جميع أنحاء البلاد.

ومنذ انتهاء الحرب الأهلية الأولى، اندلعت حرب أهلية ثانية في عام 2014، لا تزال الأزمة مستمرة في ليبيا حتى الآن، وقد أسفرت عن وقوع عشرات الآلاف من الضحايا منذ بداية الاشتباكات في أوائل عام 2011، وسوف نقوم بتتبع السياق التارخي لتلك الأزمة بتقسيمها إلى عدة مراحل على النحو الآتي:

المرحلة الأولى: الانتفاضة الشعبية وإسقاط النظام

بدأت بوادره تظهر في فترة الحراك الليبي ومحاولة إسقاط النظام السياسي برئاسة القذافي. فرفض هذا الأخير الاعتراف بحقيقة الثورة ضده وقام باستخدام العنف ضد المحتجين، ما أدى إلى تحول الحركات الاحتجاجية السلمية إلى حركات مسلحة، فتحول أغلب المحتجين، إلى مقاتلين دخلوا في حرب مع كتائب القذافي، وسمّاها بعض المحللين بالحرب القبلية والمناطقية، وذلك انطلاقا من انقسام القبائل بين مؤيد للثوار ومؤيد للنظام الحاكم.

إن الرد العنيف للنظام على الثوار، دفع بالمسؤولين الليبيين في الداخل والخارج، إلى إدانة النظام ودعم الانتفاضة الشعبية، ليتم تشكيل المجلس الوطني الانتقالي كناطق رسمي باسم الثوار، والمكلف بحشد الدعم الدولي ضد نظام القذافي.

وقد طالب هذا الأخير إلى جانب جامعة الدول العربية من مجلس الأمن فرض حظر جوي على ليبيا لحماية المدنيين، ليستصدر مجلس الأمن القرار رقم 1973 بتاريخ 17 مارس 2011 القاضي بإحالة الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، مع حظر السفر إلى ليبيا وتجميد الأصول الليبية في البنوك الغربية إضافة إلى حظر الطيران في الأجواء الليبية.

وبناءا على هذا القرار جاء تدخل حلف الناتو في ليبيا بمشاركة قوى دولية مختلفة يوم 19 مارس 2011 ، ومنذ ذلك التاريخ تواصلت المعارك بين القذافي والثوار المدعومين دوليًا إلى أن تم قتل القذافي في مصراتة يوم 20 أكتوبر 2011، بعد إلقاء القبض عليه في سرت.

المرحلة الثانية: المراحل الإنتقالية بعد سقوط النظام السياسي

أولا : مرحلة المجلس الوطني الانتقالي

فبنهاية حكم القذافي دخلت ليبيا في مرحلة من الفوضى الأمنية، اتسم فيها المجلس الوطني الانتقالي بالضعف، وعدم القدرة على حكم البلاد، لأنه ورث دولة تفتقد إلى مؤسسات وطنية وظيفية، فلم يتمكن هذا الأخير من حسم الجدل الواسع حول الإعلان الدستوري المؤقت، إضافة إلى الغموض الذي أحاط بخارطة الطريق التي وضعها لبناء مؤسسات الدولة، والطريقة الارتجالية في اختيار أعضائه، حيث تأثرت إلى حد كبير بالقبلية والجهوية.

ثانيا: مرحلة المؤتمر الوطني العام

في 7 يوليو 2012 جرت الانتخابات العامة للمؤتمر الوطني العام وكانت نتائجها لصالح تحالف القوى الوطنية، لكن بمرور الوقت تحول المؤتمر إلى حلبة لصراعات حزبية اعاقت مسار العملية الدستورية، وكان المنعطف المهم في هذه المرحلة مع بدء المؤتمر الوطني العام بمناقشة مشروع قانون العزل السياسي حيث عُزلت بموجبه 36 فئة من المواطنين الذين كانت لهم صلة بالنظام السابق، وتم تمرير المشروع، تحت ضغط المليشيات المسلحة . وفي 3 فبراير 2014 وافق المؤتمر الوطني العام على سحب الثقة من حكومة علي زيدان.

لقد عرفت هذه المرحلة مجموعة أزمات، ارتسمت من خلالها التركيبة الاجتماعية والسياسية المعقدة للمجتمع الليبي، وكان لها أثر كبير على استقرار الحياة السياسية والأمنية في ليبيا، ويمكن تلخيصها كالآتي:

إعلان الفدرالية في برقة

تأسس مجلس برقة الانتقالي في 6 مارس 2012 في مدينة بنغازي للمطالبة بتأسيس نظام فدرالي في ليبيا، يتمتع فيه إقليم برقة بصلاحيات واسعة، وبه قامت مجموعات مسلحة مؤيدة لمجلس برقة بالاستيلاء على ثلاثة موانئ لتصدير النفط ومطالبة بزيادة حصة شرق ليبيا من عوائد النفط.

وبرغم تمكن حكومة زيدان من حظر تصدير النفط بإغلاق المنافذ البحرية، إلا أن بقاء الموانئ خارج سيطرتها ما هو إلا دليل على ضعفها.

أزمة المحاولات الانقلابية

منذ أن قام المؤتمر الوطني العام، في بداية فبراير 2014، بإعلان تعديلات تمدد مهامه، اشتعلت الاحتجاجات المطالبة برحيله، لعدم قدرته على صياغة دستور جديد في الآجال المحددة مسبقا في الإعلان الدستوري الأول.

وجاءت أولى المحاولات الانقلابية من طرف اللواء خليفة حفتر، الذي أعلن تجميد عمل المؤتمر الوطني العام والحكومة والإعلان الدستوري، غير أنها كانت محاولة فاشلة.

أما محاولة الانقلاب الثانية، فقامت بها كتيبتان من الزنتان الكبيرة “لواء القعقاع ولواء الصاعقة”، وذلك بتوجيه انذار يوم 18 فبراير 2014، تطالبان فيه المؤتمر الوطني العام بحل نفسه، وإخلاء مقاره، وقد فشلت هي الأخرى، لأن المؤتمر الوطني قد تمسك بعدم إدخال البلاد في حالة فراغ دستوري، وساندته في ذلك قوى عديدة.

يتبع

_________________

مقالات مشابهة