إعداد : سناء السعيد حسن
ثالثا: مرحلة انتخاب مجلس النواب 2014
مع ضغط حزب تحالف القوى الوطنية على كتل المؤتمر الوطني، تم الاتفاق على انتخاب مجلس نواب كبديل للمؤتمر، وتأجيل القضايا المتعلقة بالتحضير للانتخابات الرئاسية المبكرة لحين انجاز الدستور، نظرا للخلافات المطروحة بين التيارين الاسلامي والليبرالي حولها.
وصاحب كل هذه الضغوطات السياسية وضع أمني معقد جدا، خاصة بعد إطلاق اللواء المتقاعد “خليفة حفتر” حملة “الكرامة” بهدف ضرب ما وصفه بمعاقل الإرهاب والتطرف بمدينتي بنغازي ودرنة في 16 مايو 2014. وبتمكن الجناح السياسي لمعسكر الكرامة، من الحصول على الغلبة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 25 يونيو 2014، توسعت أهداف عملية “الكرامة” لتشمل الدفاع عن شرعية مجلس النواب الذي انتقل إلى طبرق، وحكومة الثني في البيضاء.
مقابل معسكر الكرامة ظهرت الحملة العسكرية المعروفة بـ: ” فجر ليبيا”، في يوليو 2014، قامت بها مجموعة من المليشيات القبلية التي تنتمي إلى مدن عدة في غرب ليبيا مثل مصراتة، طرابلس، الزاوية، زليتن وغريان، الهدف منها دعم شرعية المؤتمر الوطني الليبي، والحد من المكاسب الميدانية والسياسية لعملية الكرامة.
أدى الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي إلى ظهور حكومتين إحداهما معترف بها دوليا بقيادة “عبد الله الثني” ومدعومة من قبل معسكر عملية الكرامة، والأخرى غير معترف بها دوليا برئاسة خليفة الغويل مدعومة من قبل معسكر فجر ليبيا، وبهذا وصل الحال في ليبيا إلى وجود برلمانين وحكومتين تتنازعان على الشرعية، وتتقاتلان بالسلاح بدعم قوى عسكرية مناطقية منذ صيف 2014 إثر فشل الاستحقاقات الانتخابية خلال عامي 2012 و2014
وبعد حالة التصعيد التي لازمت الوضع الأمني مع نهاية عام 2015، بفعل التآكل الداخلي لكل تحالف على خلفية تعدّد الانقسامات حول مخرجات الحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة، وكذلك بفعل المخاوف من توطن ” داعش” في سرت وسط ليبيا، انخرطت أطراف الصراع في حوار برعاية أممية، تُوج في الأخير بتوقيع الأطراف المتنازعة على اتفاق الصخيرات” في 17 ديسمبر 2015، الذي كان يهدف الى توحيد السلطة في ليبيا.
لكن وبرغم توقيع هذا الاتفاق إلا أن حالة الانقسام لا تزال تلازم المشهد السياسي في ليبيا، فبحلول يوليو 2017، سيطرت قوات حفتر على بنغازي، وشنت هجوما على مدينة سبها بداية عام 2019، وقد تصاعدت العمليات العسكرية لحفتر إلى أن وصلت إلى العاصمة طرابلس في أبريل 2019، بهدف انهاء وجود حكومة الوفاق الوطني بالمقابل أطلقت حكومة السراج معركة مضادة أسمتها “بركان الغضب” للدفاع عن العاصمة.
استمرت المعارك ما بين الجانبين في العاصمة ومحيطها. ومن الأمور التي زادت من تعقيد الأزمة في ليبيا استعانة حفتر بحلفاء إقليميين، فكان الدعم من الإمارات والسعودية ومصر، ليصبحوا فاعلين في الصراع، إضافة إلى الدعم الفرنسي والروسي.
في المقابل، ظهرت تركيا كحليف وداعم لحكومة الوفاق، فتم تفعيل اتفاق أمني بين الطرفين، مكن تركيا من الانتشار العسكري في مناطق غرب ليبيا، وبموجبه قدمت حكومة فايز السراج المعترف بها دوليا طلبا رسميًا إلى تركيا للحصول على دعم عسكري جوي وبري وبحري لمواجهة قوات حفتر.
بناءا على هذا عملت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ، على التواصل مع أبرز الفاعلين الدوليين والإقليميين في الأزمة الليبية، وقامت بدعوتهم لعقد مؤتمر دولي بشأنها ، في إطار ما عرف بـ “قمة برلين”، المنعقدة يوم 19 يناير 2020، والتي خرجت بحل بمسارات ثلاثة : السياسي العسكري والاقتصادي.
وتعتبر الدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار، ومطالبة الدول المعنية بالامتناع عن التدخل في النزاع المسلح، والرصد البحري والجوي والإقليمي لأي خروق لكسر حظر توريد السلاح، من أهم البنود التي تم الاتفاق عليها، إلا أنه لم تمض فترة طويلة على صدور بيان مؤتمر برلين، حتى جاء رد مليشيات حفتر عليه بخرق وقف إطلاق النار.
رابعا: مرحلة ما بعد إنهاء الصراع بين حكومة الوفاق واللواء حفتر
في 23 أكتوبر 2020، وقّع طرفا النزاع اتفاقا لوقف دائم لإطلاق النار “بمفعول فوري” بعد محادثات استمرت خمسة أيام في جنيف برعاية الأمم المتحدة، وفي 26 من نفس الشهر أعلنت مؤسسة النفط الوطنية إعادة فتح آخر حقل نفطي متوقف عن العمل.
وفي 13 نوفمبر 2020، أعلنت الأمم المتحدة أن المندوبين الليبيين المجتمعين في تونس توصلوا إلى اتفاق على إجراء انتخابات عامة في 24 ديسمبر 2021. وفي الخامس من فبراير 2021، انتخب المشاركون في الحوار الليبي الليبي خلال اجتماعات في جنيف برعاية الأمم المتحدة عبد الحميد الدبيبة رئيسًا للحكومة الانتقالية، إلى جانب مجلس رئاسي مكون من ثلاثة أعضاء.
وفي 22 سبتمبر من نفس العام جمَّد خليفة حفتر مهامه العسكرية استعدادا للانتخابات الرئاسية، وفي الرابع من أكتوبر، اعتمد البرلمان الموجود في الشرق برئاسة عقيلة صالح القانون الذي ينظم الانتخابات التشريعية.
اعترض المجلس الأعلى للدولة، وهو بمثابة هيئة ثانية في البرلمان ومقره طرابلس، على هذا القانون الصادر في 9 سبتمبر، وبعدها عدل البرلمان مواعيد التصويت على أن تجرى الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر والانتخابات التشريعية بعد ذلك بشهر.
إرجاء الانتخابات الرئاسية
في 22 ديسمبر اقترحت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا تأجيل الانتخابات الرئاسية شهرا بعيد إعلان لجنة متابعة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مجلس النواب الليبي “استحالة” إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها في 24 ديسمبر، وفي 27 ديسمبر رفضت اللجنة تحديد موعد جديد للانتخابات الرئاسية، بينما في 17 يناير 2022 دعا صالح إلى تشكيل حكومة جديدة في طرابلس معتبرا أن ولاية الحكومة الحالية انتهت مع إرجاء الانتخابات.
في الثامن من فبراير جدد دبيبة التأكيد على أنه لن يسلّم السلطة إلا إلى حكومة منبثقة عن الانتخابات، وفي العاشر من فبراير اختار مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق، وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا رئيساً جديدا للحكومة خلفاً لعبد الحميد دبيبة في جلسة تصويت مثيرة للجدل.
المحور الثاني: معوقات بناء الدولة الليبية بعد ثورة 2011.
تواجه ليبيا تحديات كبيرة في مسار بناء الدولة بعد الأحداث التي شهدتها في عام 2011، وهذه التحديات أثرت بشكل كبير على الاستقرار والتطور السياسي والاقتصادي في البلاد. تعددت المعوقات التي تحول دون إتمام عملية إعادة بناء ليبيا بعد الثورة، ونتطرق فيما يلي إلى بعض تلك المعوقات:
تهميش المؤسسة العسكرية الليبية وإحلال ميلشيات عائلية محلها
على الرغم من مجيء القذافي من خلفية عسكرية، وقيادته للإنقلاب العسكري 1969 مطيحا بالملك السنوسي إلا أنه سعى أن يكون الجيش في أضعف الحالات، وتحت رقابته الخاصة، وقام باستحداث نمط الكتائب ومن أبرزها كتائب خميس القذافي، والذي تخرّج من الأكاديمية الليبية العسكرية، وحصل على تدريب في موسكو، وكان يحرص على أن يكون تسليحها على أعلى مستوى ممكن عن نظيره في الجيش، أو الوحدات الأخرى من الجيش، وأصبح بمثابة الحرس الوطني للنظام، ولعبت تلك الكتائب دورا مهما في سحق المظاهرات ضد النظام، فأصبح هو يمثل الدولة الليبية، مدعيا أنه هو قائد قومي وأن الثورة عليه هي ثورة على الدولة الليبية، وبالتالي فإن أعداءه أصبحوا أعداء الدولة الليبية.
خلل في تنظيم مواطني الدولة
لعل أكبر عقبة تواجه الدولة في عملية تنظيم المواطنين هي طبيعة المواطنين الليبيين التي كان لنظام القذافي المطاح به الذي امتد أكثر من أربعين عاما تأثيرا سلبيا على شخصياتهم، وسلوكياتهم، وأسهمت الإنتفاضة وطابعها الدموي في خلق أحقاد وعداوات بين القبائل التي كانت تؤيد القذافي، وبين تلك التي كانت تحاربه، مما نتج عنه ميل إلى الثار، والإنتقام .
كما أن وجود السلاح في أيدي المواطنين من أجل الدفاع عن أنفسهم، أشعرهم بمزيد من القوة، والغرور، والاستعلاء، فضلا عما رسّخه النظام السابق من مشاعر عنصرية، أو شوفينية بين السكان في شرق البلاد، وغربها، وجنوبها. كل هذه العوامل مجتمعة أثرت على الشخصية الليبية.
***
الدراسة باشراف : د. محمد نور البصراتي– كلية السياسة والاقتصاد – جامعة بني سويف – مصر
________________