سناء السعيد حسن

انتشار الجماعات الإرهابية

يوجد العديد من الجماعات الإرهابية في ليبيا، والتي استغلت الفراغ السياسي للتوغل في العمق الليبي، منها على سبيل المثال:

تنظيم القاعدة

حيث استغل تنظيم القاعدة حالة الفوضى التي تعيشها ليبيا، ونجح في الوجود بعدة مناطق؛ خصوصا في الجنوب والغرب، مستغلا اتساع الصحراء والمناطق الجبلية؛ لإقامة مواقع تدريب خاصة به.

داعش تنظيم الدولة الإسلامية

حيث اعتمد تنظيم داعش في تأسيس نفسه بليبيا على الفوز بالولاء من الجماعات المحلية مثل مجلس شورى الشباب الإسلامي، حيث اعتمد على المجندين الليبيين الذين عادوا إلى بلادهم بعد القتال في سوريا والعراق، وأعلن مسئولون أمريكيون في 2014 أن داعش كانت تدير معسكرات تدريب في الجبال خارج درنة، بينما تولى وسام الجبوري وهو ضابط سابق بالقوات الخاصة العراقية مسؤولية إنشاء فرع للتنظيم بطرابلس، حيث تم تقسيم الدولة إلى ثلاث ولايات.

مجلس شورى الشباب الإسلامي

وهو أول مجموعة تعلن ولاءها لداعش في درنة، وجمعت مقاتلين متطرفين من الجزائر وسوريا ومالي، بالإضافة إلى عدد من الليبيين، وأعلن عن تأسيسها في المدينة التي ذهب عدد من شبابها خلال فترة حكم معمر القذافي إلى أفغانستان والعراق للقتال هناك 2014، وسيطر على عدة مدن ليبية مثل سرت وصبراتة ومدينة صرمان، ويحاول بسط هيمنته على حقول النفط الليبية ضمن ما يسمى بمنطقة الهلال النفطي، وكانت درنة أول “إمارة” للإرهابيين، فهي قبل أن تسقط بعد الثورة التي أطاحت بنظام القذافي عام 2011.

المحور الثالث: سبل حل الازمة الليبية لإتمام عملية بناء الدولة.

وتتعدد المسارات الواجب إتباعها لمحاولة التغلب علي معوقات إعادة بناء الدولة سالفة الذكر، ومن ثم يتم الشروع في عملية البناء، ونذكر من تلك السبل الآتي:

توحيد المؤسسات

يمثل توحيد المؤسسات خاصة السيادية منها مثل البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط مهمة أصبحت في متناول حكومة الوحدة، بعدما قطع هذا المسار عدة أشواط من المباحثات بين هيئات شرق البلاد وغربها، حيث نجح البنك المركزي بشقيه في توحيد سعر الصرف.

كما أن مؤسسة النفط أنهت احتجاز عائدات تصدير الخام الذي استمر لأكثر من أربعة أشهر، وقررت إعادة تحويلها إلى المصرف المركزي، بعد تشكيل حكومة الوحدة، ومن المتوقع بحسب بيانات مؤسسة النفط أن تتضاعف مداخيل البلاد من 15 إلى 30 مليار دولار نهاية العام، بمتوسط إنتاج متوقع يتراوح بين 1.3 مليون برميل يومياً إلى 1.5 مليون برميل، وصولا إلى مليوني برميل في 2023. ومن شأن ارتفاع مداخيل النفط، مع تحسن الأسعار وزيادة الإنتاج، أن يساهم في حل أزمة السيولة لدى البنوك، وتمويل عدة مشاريع مستعجلة للمواطنين.

التأسيس للمصالحة

تأسيس نواة للمصالحة أهم ما ركز عليه رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في كلمته أثناء أداء حكومة الوحدة اليمين الدستورية، في 15 مارس بمدينة طبرق، فالهدف من تحقيق حد أدنى من التوافق والتصالح، الوصول إلى تنظيم انتخابات 24 ديسمبر، إذ لا يمكن إجراؤها بدون حد أدنى من التصالح والقبول بالآخر.

فمنذ 2011، انقسم الليبيون بين مؤيد لنظام معمر القذافي ومناصر لثورة 17 فبراير، وأخذ هذا الانقسام طابعا سياسيا وحتى اجتماعيا، إذ تمسكت عدة قبائل بدعم نظام القذافي حتى بعد سقوطه، وتعمق هذا الانقسام بعد إطلاق اللواء المتقاعد خليفة حفتر “عملية الكرامة” في مايو 2014، وتمكنه من السيطرة على الشرق الليبي والجنوب.

لذلك فتحقيق حد أدنى من المصالحة، سيسمح لوزراء حكومة الوحدة بالتحرك في كامل أرجاء البلاد، وتقديم خدماتهم للمواطنين دون تمييز، ومن أوجه المصالحة التي يطالب بها فئات من الليبيين عودة المهجرين إلى بيوتهم على غرار مهجري مدينة بنغازي (شرق)، وبلدة تاورغاء (غرب)، بالإضافة إلى النازحين من الأحياء الجنوبية للعاصمة طرابلس، وأيضا تبادل الأسرى بين مليشيات حفتر والقوات الحكومية، كما يطالب أنصار نظام القذافي بإطلاق معتقليهم في إطار المصالحة، خصوصا أولئك الذين تمت تبرئتهم.

تدعيم الحوار الوطني الليبي ورفض الإقصاء والتهميش

من خلال دعوة كل الليبيين للجلوس إلى مائدة الحوار بهدف التوصل إلى صيغة توافقية للخروج من الأزمة الليبية الراهنة في إطار الاتفاق السياسي الليبي واحترام الشرعية الدولية، وذلك بالانتقال من هذه الشرعية إلى الشرعية الليبية التي ترتكز على مشروعية شعبية.

والتأكيد أن الحل في ليبيا لن يكون إلا ليبيا دون إقصاء أو تهميش لأي طرف مهما كانت انتماءاته السياسية أو الفكرية أو المنطقة التي ينتمى إليها تحت سقف نظام مدنى في دولة ليبية موحدة، ودعم جهود المصالحة الوطنية الشاملة، بالاضافة الي العمل على الإعداد لمؤتمر ليبى تأسيسى يضم كل مكونات الجانب السياسي والاجتماعي، واعتماد قانون مصالحة وطنية شاملة، وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية ومحلية حرة ونزيهة بهدف عودة الأمن والاستقرار للشعب الليبي وحقن دماء أبنائه في ظل وطن موحد تحفظ فيه الحقوق والحريات، وتحترم فيه سيادة الوطن والسيادة الكاملة للدولة الليبية.

توحيد الجيش

يمثل توحيد الجيش إحدى المهمات الرئيسية للمجلس الرئاسي الجديد باعتباره القائد الأعلى للجيش، وأيضا لرئيس حكومة الوحدة بصفته وزيرا للدفاع؛ فليبيا تعاني منذ 2011، صعوبات في إعادة بناء جيش نظامي محترف، بسبب انتشار السلاح، والمليشيات غير المنضبطة، وأزّم الوضع إطلاق حفتر “عملية الكرامة”، حيث تسبب بتقسيم الجيش الوليد، وانضمت إليه العديد من المليشيات.

ويحتاج توحيد الجيش لخطوات لبناء الثقة أولا، وعلى رأسها فتح الطريق الساحلي بين الشرق والغرب، وتبادل الأسرى، ونزع الألغام خاصة من المنطقة الوسطى الممتدة من سرت إلى محافظة الجفرة (جنوب سرت)، كما أن تفكيك المليشيات وإعادة إدماج عناصرها في المؤسستين العسكرية والأمنية، إحدى الخطوات المهمة لتوحيد الجيش وإعادة بنائه.

إخراج المرتزقة والجماعات الإرهابية

يُعد إخراج المرتزقة خاصة شركة “فاغنر” والجنجويد، من ليبيا إحدى التحديات الحاسمة التي تطرق لها الدبيبة، خلال جلسات منح الثقة للحكومة بسرت، ولا يبدو مرتزقة “فاغنر” آبهين بهذه الدعوة للخروج من البلاد، حيث ذكرت قناة “سي آن آن” الأمريكية، أن فاغنر تقوم بحفر خندق وإنشاء تحصينات لتأمين مواقعها في سرت والجفرة.

وأخطر ما في الأمر أن يخرج مرتزقة فاغنر عن سيطرة مليشيات حفتر، مما يجعل إخراجهم من البلاد أمرا معقدا، وبحسب صحيفة “فورميكا” الإيطالية، فإن تدخل مرتزقة “فاغنر” الروس في ليبيا تحول من دعم حفتر إلى إنشاء بؤرة استيطانية في المنطقة الشرقية. وذكرت الصحيفة أن عناصر فاغنر حفروا مؤخرًا نظامًا من الخنادق المحصنة بطول نحو 70 كلم بين قاعدة الجفرة الجوية وسرت.

الخاتمة

أن عملية بناء الدولة هي عملية معقدة ومتشعبة تهدف إلى بناء مؤسسات الدولة وتعزيز قدراتها الديمقراطية، وتقييد احتكار السلطة من طرف جماعة أو شخص معين، والالتزام بالقيم والعناصر المشتركة وفق متطلبات الاستمرارية والمرونة والشرعية والاستقرار السياسي. من خلال تتبعنا لتطور الأزمة الليبية وأهم المحطات التي مرت بها المرحلة الانتقالية، حاولنا الكشف عن أهم العوامل الكامنة وراء تعثر عملية بناء الدولة ونجاح المسار الديمقراطي في ليبيا.

وقد توصلنا إلى نتائج مفادها الآتي:

إن تغليب البعد القبلي فترة حكم القذافي، أفرز عصبية قبائلية وثقافة مناطقية عند الليبيين، أدت إلى انقسام المجتمع، وعدم الشعور بالانتماء وأفضت إلى نزاع مسلح بين الفرقاء الليبيين، أجهض عملية الانتقال الديمقراطي وبناء الدولة.

إن ضعف المجتمع المدني والسياسي الليبي جعل من القوى المحلية والجهوية لاعبا أساسيا في المعادلة السياسية الجديدة، على حساب بناء المؤسسات الوطنية.

إن إقصاء القوى المجتمعية والعمل من منطلق إرادة القوى السياسية وحلفائهم الخارجيين، أي وفق مبدأ المحاصصة عوض العمل من منطلق الإرادة المجتمعية، أدى إلى فشل المسار الانتقالي.

لعب العامل الخارجي دورا بالغا في تغذية الصراعات بين الفرقاء الليبيين وتأجيجها من خلال إستراتيجية الحرب بالوكالة، وهو ما جعل الأزمة الليبية تتميز بطول الأمد، وتناقضات جعلت عملية إيجاد توافق سياسي بين الأطياف الليبية صعبة ومعقدة، تخضع المصالح وتوجهات قوى إقليمية ودولية.

أخيرا نخرج بتوصية رئيسية، وهي:

أن الصراع والتنافس في بعده الدولي والإقليمي لم يكن له أن يجد موطئ قدم، في حال كان هناك توافق ليبي داخلي في حده الأدنى.

لهذا يجدر التأكيد على أن بناء الدولة الليبية، يستدعي ضرورة التخلص من الجهوية ومنطق القبيلة والعشيرة، والعمل مقابل ذلك على ترسيخ مبدأ المواطنة كمحدد للحقوق والواجبات بالاعتماد على مفهوم الدولة المدنية كإطار عام ناظم للمجتمع.

وليتحقق ذلك لابد من تقديم تنازلات من طرف القوى السياسية والاجتماعية المؤثرة والفاعلة في المشهد السياسي الليبي، بجانب إنتهاج سياسة المصالحة الشاملة بين كافة أطياف المجتمع الليبي بما يضمن توحيداً لمؤسسات الدولة بما فيها الجيش، بهدف عودة الأمن والاستقرار للشعب الليبي وحقن دماء أبنائه في ظل وطن موحد تحفظ فيه الحقوق والحريات، وتحترم فيه سيادة الوطن والسيادة الكاملة للدولة الليبية.

***

الدراسة باشراف : د. محمد نور البصراتيكلية السياسة والاقتصاد – جامعة بني سويف – مصر

______________

مقالات مشابهة