البوديري شريحة
قراءة قانونية في أحكام القانون الليبي بشأن ازدواج الجنسية، يمكن حوصلة الإجابة على السؤال القانوني في تحليل أحكام القانون الليبي في السماح لمن يتمتع بجنسية ليبية الحصول على جنسية أخرى غير ليبية؟
وما هي الإجراءات والآثار القانونية المترتبة عن الحصول على جنسية أخرى غير ليبية؟ من خلال بدءا بتوضيح التطور التاريخي لأحكام تنظيم ازدواجية الجنسية في القانون الليبي، لتنتهي بالآثار القانونية في الحصول على جنسية أخري غير ليبية، مرورا بالتأصيل القانوني لها، وكذا الإجراءات المتبعة في الاحتفاظ بالجنسية الليبية، وذلك في محاور أربعة، على النحو الآتي:-
أولاً: نبذة تاريخية
تتباين سياسة الدول في مسألة ازدواج المواطنة، نجد أن هذا التباين يعكس أيضًا اختلافات في السياسات الداخلية والخارجية لكل دولة. فلكل دولة رؤيتها الخاصة حول كيفية التعامل مع المواطنين الذين يحملون جنسيات متعددة. المملكة المتحدة وكندا ودول الاتحاد الأوروبي تسمح قوانينها بتعدد الجنسيات، وهذا ينطبق على أستراليا ونيوزيلندا. في حين دول الشرق الأوسط وأفريقيا وأسيا مثل الهند والصين إجمالا لا تسمح بتعدد الجنسيات، والقليل منها يسمح ولكن بشروط مقيدة.
إذا أين ليبيا في هذه الخريطة الدولية من حيث السماح بازدواجية الجنسية؟
وما هي أحكام القانون الليبي في تنظيم ازدواج الجنسية ؟
وكيف تطور الحال عبر التشريعات المختلفة في ليبيا منذ 1952 عام حتي الان؟
مما ذُكر، يتضح أن التشريعات الليبية قد حافظت على نهج متسق يمنع تعدد الجنسية لمواطنيها في حالة اكتسابها اختياريا منذ الاستقلال وحتى الوقت الحالي.
هذه النظرة الصارمة تجاه ازدواج المواطنة تعكس الرغبة في الحفاظ على الولاء الوطني الصرف وتجنب تضارب المصالح، بالرغم من خسارة لبعض الخبرات الليبية – جزئيا – في بعض القطاعات.
لذا ينبغي إستعراض بالتفصيل التشريعات المختلفة التي المتعلقة بتنظيم ازدواج الجنسية في القانون الليبي، ومنها:-
دستور المملكة الليبية المتحدة (1951):
هذا الدستور، الذي صدر في بداية مرحلة الاستقلال، وضع الأساس لسياسة منع ازدواج الجنسية، مؤكدًا على أهمية الجنسية الليبية الوحيدة.
قانون الجنسية رقم 17 لسنة 1954:
هذا القانون ينظم أحكام الجنسية.
تعديل دستور 1963:
التأكيد مجددًا على منع ازدواج الجنسية حتى بعد تغيير النظام الاتحادي وأسم الدولة، مما يدل على استمرارية هذا المبدأ.
قانون الجنسية رقم 24 لسنة 2010:
يعزز هذا القانون السياسة الليبية المتعلقة بمنع ازدواج الجنسية، مع توفير الفرصة للحصول على إذن خاص في حالة معينة وهي موافقة وزارة الداخلية.
الإعلان الدستوري المؤقت (2011):
صدر بعد الثورة الليبية، وأكد استمرارية العمل بالتشريعات القائمة بما في ذلك قانون الجنسية رقم 24 لسنة 2010.
من خلال هذه التشريعات، يتضح أن السياسة التشريعية في ليبيا قد اتخذت موقفًا واضحًا ومتسقًا ضد ازدواج الجنسية.
هذا يعكس تقديرًا لأهمية الجنسية الليبية كرمز للولاء الوطني والانتماء السياسي، ويشير إلى رغبة الدولة في التشدد بعدم السماح بجنسية أخرى غير الليبية إلا بموافقة وزارة الداخلية.
وهذه الموافقة ربما لها بعدان:
الأول مرجعه في معرفة من يحمل جنسية أخرى من الليبيين منعا لتضارب المصالح بغية حماية مصلحة الدولة الليبية،
والثاني في مكنة توظيف هؤلاء الليبيين في دعم بعض العلاقات السياسية التجارية والثقافية، أو ما في حكمهم، لصالح ليبيا مع الدول والمجتمعات اللاتي يحملون جنسيته
المادة الخامسة من قانون الجنسية الليبية رقم 24 لسنة 2010 تنص صراحة”يفقد الجنسية الليبية من يكتسب باختياره جنسية أجنبية ما لم تأذن له بذلك من وزارة الداخلية (اللجنة الشعبية العامة للأمن العام سابقا). وتحدد اللائحة التنفيذية الضوابط المتعلقة بتنفيذ أحكام هذه المادة”.
واللائحة التنفيذية الصادرة بقرار مجلس الوزراء (اللجنة الشعبية العامة سابقا) رقم 594 لسنة 2020 م في مادتها الثامنة، قد حددت الضوابط بنصها:-
“يفقد حامل الجنسية الليبية جنسيته إذا اكتسب باختياره جنسية دولة أخرى دون إذن من وزارة الداخلية (اللجنة الشعبية العامة للأمن العام سابقا)، ويقدم طلب الحصول على الإذن المنصوص عليه بهذه المادة على النموذج المعد لهذا الغرض إلى وزارة الداخلية (اللجنة الشعبية العامة للأمن العام سابقا) بالنسبة للمقيمين داخل دولة ليبيا أو إلى أحد السفارات للمقيمين في الخارج، وعلى الجهة المعنية تسهيل إجراءات استلام طلبات الحصول على الإذن اللازم للحصول على الجنسية الأجنبية بالإضافة إلى الجنسية الليبية وسرعة البت فيها.
وفي جميع الأحوال إذا فقد الأب جنسيته الليبية تبعه في ذلك أولاده القصر على أنه يجوز لهم أن يستردوا جنسيتهم الليبية بتقديم إخطار بذلك إلى وزير الداخلية (أمين اللجنة الشعبية العامة للأمن العام) خلال سنة من تاريخ بلوغهم سن الرشد ويصدر قرار فقد الجنسية الليبية مسبباً من وزير الداخلية (أمين اللجنة الشعبية العامة للأمن العام) بناءً على عرض من رئيس مصلحة الجوازات والجنسية وشؤون الأجانب.
وهذا ما ذهبت إليه محكمة استئناف البيضاء بدائرة القضاء الإداري في الدعوى رقم 05 / 2016 بتاريخ 28/ 11 / 2016م حكماً يقضي بإلغاء قرارين اداريين تأسيسا علي عدم تمتع الموظفين العموميين فيهما بالجنسية الليبية واكتسابها اختيارا أجنبية أجنبية.
وذات النهج أنعكس في فتوى إدارة القانون عندما اصدرت الفتوى رقم 153 لسنة 2015 م، بشأن مدى قانونية إيفاد موظف عام للعمل بالخارج من حاملي الجنسيات الأجنبية بالإضافة إلى الجنسية الليبية.
بمعني أخر أن الفتوى تأسست على أن الشخص الليبي – بإختياره – أسقط عنه الجنسية الليبية إذا لم يبادر إلي أخذ موافقة وزارة الداخلية، أو أبدى حسن النية بتقديم كافة المستندات إلي مصلحة الجوازات والجنسية بغرض الإبقاء على جنسيته الليبية.
لكون تجاوز سن الرشد القانوني وكان إسقاطه للجنسية الليبية قد تم بإختياره، مما يعني انه لم تعد أو يعد ليبيا بالقانون، وما يترتب على ذلك من أثار قانونية مهمة وكبيرة، كما يتم إستعراضها لاحقا في هذا التعليق.
…
يتبع
***
البوديري شريحة ـ خبير قانوني ومدير شركة الإتقان للمحاماة، ومدير الإدارة القانونية في المؤسسة منذ 2007. قدم البوديري الخدمات القانونية المهنية للعملاء من الشركات متعددة الجنسيات والمستشارين القانونيين للحكومات في مجموعة واسعة من المسائل التي تضمنت تنازع الاختصاص القضائي بين عدد من القوانين الدولية والقانون الليبي.
_______________