أبو يعرب المرزوقي

أعود إلى المقارنة:

كنا نتصور الثورات العربية بعد هزيمة 48 قطعت دابر قياداتها هزيمة 67. لكن الأهم من ذلك كله هو أن الوحدة والتحرر من الاستعمار كانا مجرد شعار لأن ما حصل هو المزيد من التفتت وطغيان الاستعمار الذي التهم كل الديار وكان غربيا وشرقيا مباشرة فصار بتوسط كلبيهما أي إسرائيل وإيران وعملائهما في الأقليم من اهل الإقليم.

لكن لما أسأل هذا السؤال لا يعني أني ضد الوحدة والثورة على الاستعمار. أو حتى أنني ضد التحالف مع الشرق أو مع الغرب إذا كانت الغاية تحقيق شروط التحرر منهما كما فعلت الهند أو الصين مثلا أو حتى تحقيق بعض شروط السيادة من التقدم العلمي والاقتصادي كما فعلت اليابان أو كوريا أو المانيا أو جنوب شرق آسيا. وكنا نتصور قيادات هذه الشعارات الذين اختاروا الحلف مع السوفيات سيحققون شروط هذين المطلبين فماذا حصل؟ هل ازدادنا قربا من الوحدة ومن التحرر من الاستعمار؟

ومثلهم من اختاروا الحلف مع الأمريكان لأن الثروة الطبيعية التي تبدو حاصلة ليست لهم بل هم غوافير عليها بعضه يشترون به خردة الاستعمار والباقي يهربوه إلى بنوكه ولا شيء من شروط السيادة الحقة حصل لأنهم ما زالوا محميات تتسول الرعاية والحماية مثلها مثل فقراء العرب من حيث فقدان شروط الحرية والكرامة. لذلك ناصبوا الثورة العداء .

وقبل أن أقوم بالمقارنة بين هذه الوضعية وما يجري في إفريقيا حاليا فينبغي ألا ننسى أن الاستعمار الغربي كان له ما يشبه فاجنار ـ فرنسا عندها ما يسمى بالليجيون انترنجار ولم تكن بحاجة لإخفاء علاقتها بالدولة مثل روسيا الحالية ـ لأن التقاليد الحالية غير التقاليد في ذلك الوقت ولها إمكانية استعمال أبناء إحدى المستعمرات ضد أي حركة في المستعمرات الأخرى ولما كنت شباب كان أكثر جيوش فرنسا تخويفا لنا هو من نسميه السيلجانيعني السينغاليين.

وكل المحميات العربية سواء اختار السوفييت أو الأمريكان خاضعة لنفس النسق من خلق حرب أهلية فيها ليكون الحامي حكما بين المتقاتلين فيكون أما مقدما المشورة والمعونة للبعض ضد البعض أو مجندا البعض ضد البعض مثل روسيا في ليبيا وفي السودان مثلا. ولا بد من الوظيفتين لدى طرفي الحرب الأهلية سواء في نفس القطر أو بين الأقطار المتجاورة.

فلنعد الآن إلى دعوى تحرير إفريقيا المزعومة استدلالا بما يحصل في الساحل ودعوى التحرر من الاستعمار الفرنسي بالاستعمار الروسي أو الصيني. وحتى نثبت أن ما يحدث ليس شبيها بما حدث عندنا في النصف الثاني من القرن الماضي لا بد من الشروط التالية:

1 ـ هل كانت الأنظمة الأفريقية تحتمي منهم من أبناء الساحل أم هم كما يزعمون إرهاب آت من خارجه؟ أليست إذن حرب أهلية يستغلها الأعداء مع ميل للإفساد بحيث إن الأنظمة تدعي محاربة جماعة من مجتمعهم يتهمونهم بالإرهاب حتى لو شاركهم بعض المقاومين المؤمنين بوحدة دار الإسلام.

2 ـ هل المقابلة بين روسيا والصين حاليا والاستعمار الغربي والسوفيات سابقا ليست من نفس الطبيعة؟ يعني هل الصين وروسيا يدافعون عن الحقوق وياتون لعمل الخير.؟

3 ـ هل الأقطار الإفريقية تريد حقا الوحدة وإخراج الاستعمار أم هي شعارات من جنس شعارات العرب الذين قاموا بانقلابات عسكرية متهمين الأنظمة السابقة بالخيانة؟ يعني هل الجزائر والمغرب مستعدون للتعاون ما يغنيهم عن إسرائيل وإيران؟

4 ـ هل حقق هؤلاء الثوار وضعية أفضل مما كان أم أسوأ فيكون من يحاكيهم قابلا لأن يؤدي إلى نتيجة أفضل أم إن التدخل الأجنبي هو لقتل ما يمكن أن يجعلهم يتعاونون ويتحدون لأن أفارقة الساحل أغلبهم مسلمون وهم في وضعية لا تختلف كثيرا عما يجري في السودان ولكن بمنطق ما يجري في بلاد الربيع حاليا أي إن مقاومية الاستعمار هم من يتهمون بالإرهاب لتبرير الحضور الأجنبي كما حدث في الهلال مثلا.

5 ـ وأخيرا هل لم يتبين أن الثوار هم أنفسهم كانوا من اختيار الاستعمار بديلا ممن لم يعد قادرا على تحقيق أهدافهم ومصالحهم، ومن ثم كيف نميز بين الثوار

حقا وعملاء الاستعمار وربما الاستعمارين المتخاصمين في الظاهر كالحال مع إيران وإسرائيل في الهلال وفي الخليج بل وفي كل دار الإسلام.

ولما كان الجواب عن كل هذه الأسئلة سلبيا فحكمي أن اللعبة ملعوبة وعلامتها ما يجري في السودان: فروسيا والصين وأمريكا والعرب والأفارقة كلهم يعلمون أن ضرورة التخلص من الإسلاميين في السودان لأن جل الجيش ذو ميول إسلامية واليسار الشبيه بالوطد والقوميين الشبيهين بالبراميل في توتس مع سارح الإبل ومع حفتر ومع السيسي ومع مهبول تونس ومع كل بهاليل الحكام العرب من الماء إلى الماء توابع إيران وإسرائيل مباشرة ومن يحمي إيران وإسرائيل وهي حماية يشترك فيها الشرق والغرب لأن الهدف هو منع الاستئناف الإسلامي.

وإذن فكل حكام العرب والنخب التابعة لهم مجرد غوافير وعسس على ما لا يزال ملك الاستعمار في كل الديار ـ من مصلحتهم القضاء على أي بارقة استئنافية وخاصة في الإقليم ـ لكنها موقف عام في كل دار الإسلام ـ لا بأس من ترك الأمر يتعفن حتى يحتاج إليهم الجميع فيكونوا الحكم في الغاية.

إن ثورة إفريقيا الحالية قد تكون مختلفة عن انقلابات العرب في النصف الثاني من القرن الماضي.

ولن يوجد إرهاب في الساحل لأنه من جنس ما صنعه الاستعمار في الهلال وفي كل بلد عربي قسموه، كما فعلوا في ليبيا واليمن والسودان وسوريا والعراق حتى يكونوا حكما في حروب أهلية لا تتوقف بعد أن فتتوا المسلمين. ثورة إفريقيا لن تكون تحريرية إلا بالصلح بين كل أبنائها وخاصة المسلمين المنهم الذين حاول التبشير تنصيرهم ففشل.

***

أبو يعرب المرزوقي فيلسوف تونسي، دافع في مؤلفاته عن الحضارة الإسلامية وعن قيم الإسلام وتعاليمه، ولكنه في نفس الوقت انتقد التصورات التقليدية عن الفكر الإسلامي. أصدر الكثير من الدراسات الفلسفية باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية.

______________

مقالات مشابهة