لا شك أن فاعلية التجربة الحزبية في مرحلة التحول الديمقراطي تعتمد على عوامل عدة، من أهمها الثقافة السياسية للنخبة السياسية والمجتمع عموما.

ومن أبعاد الثقافة السياسية الأكثر تأثيرا هي:

أولا: الإحساس العميق بالهوية الوطنيةْ

وهذا الإحساس يعكس مدى الارتباط بالهوية الوطنية وهي أهم المعتقدات السياسية التي تحقق نجاح الحزب السياسي في مرحلة التحول نحو الديمقراطية.

ذلـك أن شعورأعضاء الحزب بالولاء للهوية الوطنية يساعد فـي تأصيل شرعية الحزب ويضمن التزام الأعضاء ببرنامج الحزب بغض النظر عما يتحصلون عليه من منـافع.

هـذا التأييد المستمر من شأنه تمكين الحزب من تخطي مختلف الأزمـات والمـصاعب التـي تجابهه.

ومن ناحية أخرى، فإن خلق إحساس عام بالهوية الوطنية في أوساط النخب السياسية على مستوى الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني هو جوهر عمليـة بنـاء النظام السياسي المنشوذ خاصة في الدول التي تعاني من أزمة تعدد الهويات .

وممـا لاشـك فيـه أن هـذا الإحساس بما يفترضه من طرح الهوية القبلية أو الجهوية أو الإقليمية ألضيقة جانباً، يفرز استعداداً ناضجا لمزاولة الحقـوق وأداء الواجبات العامة كعنـصر لازم لنجـاح عمليـة بنـاء الدولـة الديمقراطية أي إقامـة المؤسسات والهياكل السياسية فضلاً عن أدائها لوظائفها بقدر معقول من الفاعلية.

ثانيا: المشاركة في صنع القرار السياسي

يمثل نضج الأراء والتوقعات المنطقية حول مسلك الحزب في صياغة القرارات والمساحة التي تمكن الأعضاء من المشاركة في صنع القرار بُعدا آخر للثقافة السياسية الحزبية.

ففي بعض الأحزاب قد لا يهتم الأعضاء بمعرفة قواعد وأسـاليب إعداد القرار وإنما ينصب الاهتمام على ما يمكن أن يحدثه القرار من نفـع أو ضـرر. وفي تلك الحالة يُنظر إلي الأعضاء على أنهم مجرد أتباع أكثر من كونهم مشاركين إيجابيين فـي العملية السياسية.

ولكن في الأحزاب الفاعلة والمتقنة لدورها السياسي، تؤكد الثقافـة السياسية في الحزب علـى ضـرورة مشاركة العضو في صنع السياسات والقرارات وليس على مجـرد الامتثـال لهـا حالمـا تصدر.

ثالثا:العلاقة مع النظام السياسي

تختلف معتقدات الأفراد بخصوص سياسـات وقـرارات النظـام السياسي باختلاف نمط الثقافة السياسية. فحيث تسود ثقافة هشة عادة ما توجد هوة بـين الجماهير والسلطة المركزية. ذلك أن الفرد لا يتقدم اليها بمطالبه ، ولا يتوقع خيراً منها. وبالعكس تنطوي الثقافة الوطنية على معتقدات متعلقة بنشاط وأداء الحكومة في كثير مـن مجالات الحياة الاجتماعية إذ يدرك الفرد أن بمقدوره أن يعبر عن مطالبه وأن الحكومة يمكـن أن تستجيب لها.

ويرتبط بذلك نقطة أخرى ألا وهي مدى الاعتقاد في شرعية الحكومة كجهـاز لـه حـق اتخاذ القرار وإلزام الأفراد باحترامها.

وهنا يأتي دور الثقافة الحزبية في وضع العلاقة من النظام السياسي في مكانها الصحيح، فلا إفراط ولا تفريط، وكلما اتسع مدى هذه الثقافة السياسة بات من المتوقع أن تـسود قـيم سياسية تضغط على الامتثال لقرارات السلطة السياسية في الوقت المناسب وبالقدر المناسب، وأيضا تكون المواقف المعارضة أو المناكفة للسلطة السياسية بقدرها وبتوقيتها الصحيحين. ولكن ضيق مدى تلك الثقافة سيقترن بنظـرة إلى السلطة على أنها أداة تسلط واستغلال في جميع الأحوال.

________________

المحرر

مقالات مشابهة