أسعد زهيو

مرَّت سنوات طويلة على انطلاق المشهد السياسي الجديد في ليبيا، وشهدت هذه الفترة تداولاً للسلطة وتغييراً في الخارطة السياسية، إلا أن واقع الأحزاب السياسية ظل يعاني من حالة من التهميش والإهمال، ورغم المطالبات المتكررة من قبل الأحزاب السياسية بتعديل القوانين الناظمة لعملها، وتخصيص ميزانيات كافية لدعم أنشطتها، إلا أن هذه المطالب ظلت حبيسة الأدراج.

وخلال الفترة القليلة الماضية طالعنا سيادة النائب الدكتور عبد السلام نصية بتصريحات متكررة حول عمل وأداء الأحزاب السياسية منها تصريح سابق على صحيفة الشرق الأوسط حول التكتلات الحزبية التي اعتبرها سعادة النائب انعكاساً لضعف أداء الأحزاب.

وكان آخر هذه التصريحات مقال له بعنوان (حضرت الديمقراطية وغابت الأحزاب) في إشارة لانتخابات المجالس البلدية التي شهدتها ليبيا مؤخراً، وعما سمَّاه غيابًا للأحزاب، ولا أعرف كيف استنتج ذلك رغم أن الانتخابات لا تتيح الفرصة أمام الأحزاب لأن تشارك بقوائم كـ«كوتة» أسوة بالشباب والمرأة وذوي الإعاقة، الذين نص القانون صراحة على مشاركتهم، ولا أعلم ما الفكرة في أن تكون قوائم وليست حزبية، في ظل مشاركة مستقلين، فبالواقع العملي قد يعتبر كل المشاركين مستقلين سواء الأفراد أو القوائم.

ومع ذلك يهمنا التوضيح لسيادة النائب وللرأي العام أن الأحزاب شاركت بكثافة في الانتخابات البلدية في مرحلتها الأولى من خلال تبني قوائم تحمل أسماء الأحزاب في مختلف البلديات، ودفعت ودعمت العديد من الأفراد ومنهم من حالفه الحظ ومنهم من نال شرف المشاركة، وأن الأحزاب تستعد لخوض غمار المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية بنفس الوتيرة إن لم تكن بوتيرة أعلى.

قد يكون تصريح النائب الدكتور عبدالسلام نصية، حول دور الأحزاب السياسية فرصةً سانحةً لمراجعة أداء المؤسسة التشريعية، ومدى التزامها بتعزيز الديمقراطية وتقوية دور الأحزاب، فمنذ صدور قانون الأحزاب السياسية رقم 29 لسنة 2012، لم تشهد التشريعات الليبية أي تطورات جوهرية تساهم في تطوير العمل الحزبي وتقويته، وأن التشريع الليبي الناظم للأحزاب يعاني من العديد من الثغرات مقارنة بالتشريعات الدولية والمعايير الديمقراطية.

ففي حين توفر العديد من الدول الديمقراطية ضمانات قانونية قوية للأحزاب وتخصص لها ميزانيات كافية، فإن التشريع الليبي يفتقر إلى هذه الضمانات، ولذا فإن عدم تعديل القانون بما يتناسب مع التطورات التي شهدتها الساحة السياسية، وتحديداً فيما يتعلق بتمثيل الأحزاب في الانتخابات ومنح مقار الأحزاب وقيادتها الحصانة على أقل تقدير أثناء قيامهم بالعمل الحزبي، يمثل إخفاقاً واضحاً للسلطة التشريعية

وفي هذا الصدد قد يلاحظ المراقبون أن مجلس النواب عدل الإعلان الدستوري وحتى الآن ثلاث عشرة مرة ولم يطرح ولو لمرة إمكانية تعديل قانون الأحزاب رغم المطالبات المتكررة وبشكل رسمي، وقد يكون الاستنتاج الأقرب للأذهان هو أن التعديل الدستوري عدل لاستمرار عمل مجلس النواب بينما قانون الأحزاب غير معني بأي حوافز أو امتيازات مرتبطة بالبرلمان ولذا لم يتم النظر له حتى.

تعاني غالبية الأحزاب الليبية من نقص حاد في التمويل، مما يحد من قدرتها على القيام بأنشطتها وبناء بنية تحتية قوية، في وقت يتجاهل فيه مجلس النواب تفعيل المادة 20 من قانون 29 لسنة 2012 بشأن الأحزاب السياسية، والتي تنص على صرف ميزانية للأحزاب، أمر يدعو للاستغراب، خاصة في ظل الإنفاق الكبير على مشاريع أخرى أقل أهمية من دعم الأحزاب السياسية كركيزة أساسية للديمقراطية، ولو تبرع السادة النواب في كل عام عن مرتب شهر واحد من أجورهم لازدهرت الأحزاب وتنامت بشكل واسع.

لقد أثبتت الأحزاب السياسية خلال السنوات الماضية قدرتها على تنظيم نفسها والمشاركة في الحياة السياسية، ورغم التحديات التي واجهتها، إلا أنها استطاعت أن تساهم في تشكيل الرأي العام وتقديم بدائل سياسية، ومع ذلك، فإنها ما زالت تواجه العديد من العقبات التي تحول دون أدائها لدورها على أكمل وجه.

إننا نثمن اهتمام النائب الدكتور عبد السلام نصية بقضية الأحزاب السياسية، ولكننا نطالب بتحويل هذا الاهتمام إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع، تعمل على تطوير أداء هذه الأحزاب لكي تأخذ مكانها الطبيعي في المجتمع.

ختاماً.. ندعو جميع النواب إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية، والعمل على إقرار تشريعات تساهم في تعزيز الديمقراطية وتقوية دور الأحزاب السياسية، بما يضمن مشاركة أوسع للشباب والمرأة في الحياة السياسية، ويحقق تطلعات الشعب الليبي في بناء دولة المؤسسات والقانون.

إن تطوير التشريعات المتعلقة بالأحزاب السياسية هو أمر ضروري لتعزيز الديمقراطية وتقوية دور المجتمع المدني، يجب على صناع القرار في ليبيا أن يدركوا أهمية الأحزاب السياسية في بناء دولة حديثة وديمقراطية، وأن يعملوا على توفير البيئة المناسبة لعملها وتطورها.

________________

مقالات مشابهة