إن المعيار الوحيد للحكم على شرعية أي وضع أو نظام سياسي هو استناد هذا الحكم أو الوضع على إرادة الشعب المعبر عنها باتفاق أغلبية أفراده من خلال أسلوب الاقتراع السري الحر، المكفولة له كل ضمانات الصحة والنـزاهة والحرية.

ومن هنا فإن أي حكم لا يستند إلى هذه الإرادة الشعبية لا يكون نظاماً شرعياً، مهما كانت الظروف والملابسات والدوافع التي أدت إلى وجوده في موقع الحكم والسلطة، ومهما كان ظالماً أو عادلاً، جيداً أو رديئاً، فردياً أو جماعياً.

ومن ثم فإن أي سلطة لا تستند إلى الإرادة الشعبية هي سلطة غير شرعية ينبغي أن تكون موضوعاً للرفض، وهدفاً للمقاومة.

ـ الشرعية الشعبية

ومن هنا فنحن نؤمن بأنه ليس للشرعية سوى شكل واحد ومفهوم واحد، أي الشرعية التي تنبع من إرادة غالبية الشعب الحرة.

ولذا فإننا نرفض القبول بأي أوصاف أخرى قد توصف بها الشرعية، مثل الشرعية الثوريةأو الشرعية الدستورية“.

فما يسمى الشرعية الثوريةهو مجرد تعبير اصطلح عليه لوصف الحالة التي توجد كأمر واقع حين يقوم فرد أو فئة بالاستيلاء على الحكم أو السلطة في بلد ما، ويفرضون أنفسهم حكاماً عليه، ولا يجد المجتمع الدولي إلا الاعتراف بهذا الوضع بحكم أنه أمر واقع“.

أما رفض تعبير الشرعية الدستوريةفيستند إلى أن القول بشرعية دستورية قد يعني ضمناً القول بأن ثمة شرعياتأخرى كالشرعية الوراثية أو الشرعية الثورية وغيرها.

ونحن نؤمن بأنه ليس ثمة إلا نوع واحد من الشرعية هي التي قد نقبل تجاوزاً تسميتها بـالشرعية الشعبية، أي الشرعية المستمدة والمستندة إلى قرار أغلبية الشعب وإرادته.

علاقة الدستور بالشرعية

ويكتسب الحديث عن الدستور في إطار الحديث عن الشرعية أهمية خاصة، من حيث إن للدستور قيمة عملية وإجرائية كبرى من الناحية التطبيقية التنفيذية، باعتباره الإطار المدوّن الذي يحتوي مجموعة القواعد والضوابط التي يتفق عليها الشعب لتنظيم الكيفية التي تتجسد بها الشرعية في أرض الواقع، فيحدد نظام الحكم ومبادئه ومنطلقاته الفلسفية والمؤسسات التي يقوم عليها، وشروط وضوابط ممارسة الحقوق والحريات العامة، إلى آخر كل القضايا المهمة التي يرى الشعب ضرورة النص عليها في وثيقته القانونية الكبرى الدستور“.

وبهذا المفهوم يكون الدستور هو مرجع الشرعية ومعيارها، فحالما يتمكن الشعب من التعبير عن إرادته وتحديد اختياراته السياسية وقول كلمته في اختيار مؤسسات الحكم، وتدوين كل ذلك في دستور تقبله وتوافق عليه أغلبية الشعب، يصبح هذا الدستور هو المرجع والمعيار للشرعية، ويتحدد من ثم كل ما هو شرعي بمدى اتساقه واتفاقه مع الدستور.

وهكذا فإن الدستور هو الركيزة التي لا تقوم بدونها حياة مدنية، وتكون مراعاة الدستور واحترامه والتقيد به في كل ما يمس حياة الجماعة، وبالذات من قبل من يضعهم الشعب في مواقع المسؤولية والحكم، هو المعيار الذي يجب أن تقاس به الأشياء، وتوزن الممارسات العامة.

ومن ثم تصبح مخالفة الدستور أكبر جريمة ترتكب في حق الشعب، لأنها طعن في إرادته وخيانة لها وخروج عليها.

_____________

المصدر: مدونة “رؤية لإعادة بناء ليبيا الديمقراطية”

مقالات مشابهة