د. الكوني عبودة
بتاريخ 05- 10-2016 أصدرت الجمعية العمومية للمحكمة العليا قرارا بتجميد عمل الدائرة الدستورية الى وقت لاحق تحدده الجمعية ( قرار رقم 7لسنة2016 فقرة 7).
طعن أحد المحامين فى هذا القرار أمام دائرة القضاء الادارى بمحكمة إستئناف طرابلس طالبا إلغاءه. والمحكمة قضت بتاريخ 21-02 -2020 بإلغاء القرار .
قدم طعنان بالنقض فى هذا الحكم يحملان رقمي ( 51/68 , 69/68 ) .
نعى الطاعن –رئيس المحكمة العليا بصفته– عبر إدارة القضايا على الحكم مخالفته لقواعد الاختصاص الولائى– الذى هو من النظام العام– ذلك لأن قرار الجمعية العمومية للمحكمة ليس قرارا إداريا لصدوره عن جهة قضائية، لأن الجمعية العمومية للمحكمة العليا ليست سلطة تنفيذية .
فضلا عن ذلك أن الحكم فصل فى الدعوى رغم تخلف شرط قبولها– قرار إدارى نهائى–، فالقرار الطعين لم يكن نهائيا، فهو بطبيعته مؤقت ولم يؤثر فى مركز الطاعن، بما تنتفى معه صلاحيته فى الطعن وأنه مرهون بالظروف التى تمر بها ليبيا فى المرحلة الانتقالية، وهكذا قرار هو مجرد قرار تمهيدى لا يحدث أثرا قانونيا وإنما هو من قبيل المسائل التنظيمية لعمل المحكمة العليا التى لا ترقى الى مرتبة القرارات الادارية، و ذلك يؤكد الخطأ فى تطبيق القانون.
والمحكمة العليا إعتبرت أن النعي سديد، لأن العمل الادارى هو من أعمال السلطة التنفيذية وأن قرار الجمعية لا تتوافر فيه شروط القرار الادارى القابل للطعن فيه لتعلقه بتسيير العمل القضائى بالمحكمة ولأن الجهة مصدرته هي جهة قضائية وليست تنفيذية ادارية، وحكمت ” بقبول الطعنين شكلا، وفى الموضوع نقض الحكم المطعون فيه، وفى الدعوى الادارية رقم97 لسنة 2017 إستئناف طرابلس ، بعدم إختصاص القضاء الادارى ولائيا بنظرها وألزمت رافعها بالمصاريف“.
ولا شك أن هذا التسبيب يثير التساؤل عن مدى صحته فيما يتعلق بنفي تحقق الشروط المطلوبة فى القرار الطعين (1) و فيما يتعلق بنطاق المبدأ الذى يستفاد منه (2).
1- عدم تحقق شروط القرار الادارى فى قرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا
أسست المحكمة حكمها على حجتين ، تقبلان النقاش :
1-1 عرض اسانيد الحكم
– السلطة مصدرة القرار قضائية وليست تنفيذية
” وحيث أنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن العمل الادارى فى عموم لفظه هو عمل من أعمال السلطة التنفيذية وأن ما يصدر عن السلطة القضائية لا يجوز إسباغ هذا الوصف عليه ” .
1-1-2 غاية القرار ، تسيير العمل القضائى بالمحكمة
” وحيث أن هذا الاجراء لا تتحقق فيه شروط القرار الادارى القابل للطعن فيه بدعوى الالغاء لتعلقه بتسيير العمل القضائى بالمحكمة ولأن الجهة مصدرته هي جهة قضائية وليست تنفيذية ادارية تمارس عملها وفقا لقرار الجمعية العمومية للمحكمة العليا بجلستها رقم 283-1372 بإقرار اللائحة الداخلية .. المنشور فى مدونة الاجراءات العدد 3 السنة الثالثة 2004″.,
1-2 – مناقشة حجج الحكم
– الجمعية العمومية للمحكمة العليا ، سلطة إدارية
ورد فى حيثيات الحكم عبارتان لا تعبران عن حقيقة الجمعية المذكورة : أن العمل الادارى هو عمل من أعمال السلطة التنفيذية وأن الجمعية مصدرة القرار ” هي جهة قضائية” :
فمن المسلم به أولا أن السلطة التنفيذية لا تحتكر عملية إتخاذ الاعمال الادارية ؛ فالسلطة القضائية – وكذلك التشريعية– تلجأ أيضا لآلية العمل الادارى ومن هنا يأتى الحديث عن الإدارة القضائية مثلا.
المحكمة العليا نفسها فى قضاء سابق ربطت معيار القرار الادارى بصدوره عن جهة الادارة بما لها من سلطة عامة بقصد آحداث أثر قانو نى (طعن ادارى، رقم 13-46، مجموعة احكام المحكمة العليا، 2003 ص 71).
كما أن قرار الجمعية يفتقر الى مقومات القرار القصائى: صدوره عن هيئة إستمدت ولايتها من القانون وأن يحسم نزاعا بين طرفين مع بيان القواعد التى تطبق عليه ووجه الفصل فيه (حكم المحكمة الادارية العليا المصرية رقم 3940- لسنة 7 قضائية بتاريخ، 13-2-1954).
وعليه ، فحتى لو سلمنا بأن الجمعية العمومية للمحكمة “جهة قضائية ” فإن قراراتها لا تعد قضائية لأنها تمارس إختصاصاتها تلقائيا وفى غير خصومة. وهي ليست أوامر على عرائض – وهي الصورة الثانية لنشاط المحاكم (مواد 287 وما يليها مرافعات).
ولا محل للاعتراض على هذا التحليل إستنادا الى المادة 119 مرافعات لأن حكم النص يتعلق بالمحكمة نفسها وليس بالجمعية !
فهل يكفى القول بأن القرار يعد قضائيا لأن غايته تسيير العمل القضائى بالمحكمة ؟
هكذا حجة لا تغير من حقيقة الحال لأن مناط العمل القضائى ليس فقط مصدره (محكمة)، بل أيضا فصله فى نزاع كما سبق القول. وبالرجوع الى القرار الطعين فإنه وقت صدوره أحدث أثرا قانونيا خطيرا – تعليق الحق فى الطعن بعدم الدستورية الى أجل غير محدد– وبالتالى فإن غايته ليست التسيير بل تعطيل عمل المحكمة فى هذا المجال.
ودور الجمعيات العمومية يقف عند التنظيم ولا يصل الى تعطيل العمل أو تقييده بقيود تحد من الحق فى التقاضى المقرر دستوريا، وسبق للمحكمة أن راقبت تقييد المشرع (!) لهذا الحق، فكيف تسمح لجمعيتها بتحصين قراراتها!
2 ـ نطاق حكم تحصين قرارات الجمعية العمومية للمحكمة
قد يفهم من عبارة الحكم ونتيجته أنه من أحكام المبادئى: “وحيث أنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن العمل الادارى … ومفاد ذلك أن ماتصدره الجمعية العمومية للمحكمة العليا ذو طبيعة قضائية يخرج عن نطاق دعوى الالغاء بإعتبارها ليست جهة ادارية تنفيذية “.
“و فى نظر المحكمة أن محكمة الاستئناف بقضائها بإختصاصها بنظر الطعن ضد قرار الجمعية للمحكمة العليا قد خالفت التطبيق الصحيح للقانون وبالمخالفة لقواعد الاختصاص، مما يوجب نقضه. ولما كان مبنى النقض السبب المذكور، وأن الدعوى صالحة للفصل فيها فإن المحكمة تقضى فيها عملا بالمادة 357 مرافعات– الصحيح 358-.
2-1 إنطباق المبدأ على قرارات الجمعية العمومية للمحكمة العليا
لا شك أن المبدأ وإن تعلق بقرارات الجمعية للمحكمة العليا فإنه لا يقف عند إلزام دوائر المحكمة نفسها الى أن تتدخل الدوائر المجتمعة، وإنما يتعداه لسائر المحاكم الدنيا. وهذا لايحتا ج الى برهان، ولكن المبدأ يثير آشكالية فيما يتعلق بقرارات الجمعيات العمومية للمحاكم الدنيا .
2-2 مدى شمول المبدأ لقرارات الجمعيات العمومية للمحاكم الدنيا
هل تحول خصوصية المناسبة دون إعمال آلية القياس لإتحاد العلة؟ صياغة الحكم تحتمل الإجتهاد فى الإتجاهين. فأنصار التفسير الحرفى يمكنهم التمسك بعبارات الحكم للقول بأنه يقف عند قرار الجمعية للمحكمة العليا فى شأن تجميد عمل الدائرة الدستورية ولا يتعداه الى ما يصدر عن الجمعيات العمومية للمحاكم الدنيا.
أما أنصار التفسير الغائى فيمكنهم التحجج بأن المناط هو مبنى النقض – تخلف شروط القرار الادارى فى قرار الجمعية لتعلقه بتسيير عمل المحكمة ولأن الجهة مصدرته هي جهة قضائية – وهو ما لا يقف عند قرارات الجمعية العمومية للمحكمة العليا، خاصة وأن المحكمة أشارت أيضا الى القانون رقم 6 لسنة 2006!
وعلى الرغم من وجاهة هذا التحليل فإننى لا أميل اليه، لأن الحكم حصن قرارا بالمخالفة للمسلم به فقها وقضاء، بل ولحكم صريح فى الإعلان الدستورى (مادة 33).
وحتى لو قيل أن هذا التحصين يفهم ضمنا من حكم المادة 34 من قانون نظام القضاء التى أعطت للمجلس الاعلى للقضاء صلاحية إصدار قرار مخالف لقرار الجمعية إذا أصرت على رأيها بعد مطالبتها بتعديله وفق ملاحظات رئيس المجلس: ويكون قرار المجلس غير قابل للطعن فيه!
فهذا النص غير دستورى ومصيره الالغاء لو طعن فيه مثله مثل نصوص أخرى حكم بعدم دستوريتها .
______________
المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك