علي المنتصر فرفر
التحفيز الانتخابي
أما النوع الآخر من العلاقات الأكثر انسجاماً بين نوع السلطة ونوع المشاركة فهي تتعلق بالمسألة التحفيزية النفعية، وهي التي تتحقق عملياً من خلال الإجراءات التي تتخذها بعض البلدان بشأن تمويل الأحزاب من الخزانة العامة للدولة من أجل ضمان التعددية السياسية ومنع احتكار أحزاب طليعية للمشهد السياسي.
ورغم أن هذه المسائل تتم من خلال إجراءات قانونية، إلا أن فلسفة هذه الإجراءات ونتائجها العملية لا تزال محل شك من قبل الكثيرين الذين يرون أن الحكومات التي تأتي أحزابها على رأس هرم السلطة قد لا تكون مؤهلة لأن تكون الحكم الذي يقرر تحفيز النشاط السياسي من خلال العوائد المالية المباشرة أو غير المباشرة.
وسواء كان هذا الدعم بشكل متساوٍ لكل الأحزاب، أو وفقاً لحجمها السياسي في الدولة من حيث مستوى تمثيلها في المجالس النيابية، تظل المشكلة تتمثل في أن المحصلة النهائية لعملية التمويل هي أن الأحزاب الغنية أصلاً تزداد قدرة على ممارسة أنشطتها السياسية بينما لا تستطيع الأحزاب الأفقر مادياً أن تستفيد كثيراً من هذا الدعم لمجاراة أو مضاهاة الأحزاب الأغنى المنافسة لها.
وعلى مستوى الناخبين أنفسهم تظل الفوارق الاقتصادية مشكلة المشاكل في تحقيق:
مبدأ المواطنة أولاً خاصة حينما تتحول الأمة الواحدة إلى أمتين: أمة الأغنياء وأمة الفقراء،
ومبدأ المشاركة ثانياً عندما يكون السعي من أجل لقمة العيش الهم الأول والأخير لملايين الفقراء الذين تكون المشاركة السياسية في ذيل اهتماماتهم بحكم الضرورة لا بحكم الإختيار.
من هنا يمكن لنا أن نتفهم النداء الذي وجهته ماينا كياي المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة حول الحقوق والحريات المرتبطة بالتجمع السلمي وتكوين الجمعيات والذي يقضي بضرورة التوقف عن نعت الدول بأنها “ديمقراطية” لمجرد إلتزامها بعقد انتخابات دورية وهو ما يتطلب العمل على تقييم الديمقراطيات بناءً على المدى الذي تعمل فيه على خدمة الفئات الأضعف والأفقر في المجتمع.
وبالنظر إلى التكاليف المرتفعة للحملات الإنتخابية والرئاسية خاصة وعد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أول مؤتمر صحفي له بتاريخ 13/12/2019 بأن تتولى الدولة مستقبلاً تمويل حملات الترشح للشباب من أجل ضمان مشاركتهم الانتخابية كمترشحين وليس فقط كناخبين.
وقد أتى ذلك في إطار أدنى نسبة للمشاركة الإنتخابية سجلت في تاريخ الانتخابات في الجزائر والتي بلغت 39 % أي بواقع عشرة ملايين ناخب من أصل أكثر من 24 مليون مسجلين في القوائم الإنتخابية.
لكن وعداً مثل ذلك الذي أطلقه الرئيس الجزائري يحتاج إلى أطر قانونية لتنفيذه، وهو ما يعني خوض صولات وجولات بين مختلف الأحزاب والتيارات السياسية.
بيد أن الواقعية السياسية تشير إلى صعوبة قيام الحكومات بتمويل الحملات الانتخابية لمترشحين يسعون إلى إخراجها من السلطة والحلول بديلاً عنها.
لذا يكون لزامًا التفكير في أطر جديدة لضمان تعددية المنابر السياسية من جهة، وضمان توسيع قاعدة الناخبين والمترشحين من جهة أخرى؛ إذ ليس هناك ما يضمن أن تتولى الحكومات أو رجال الأعمال تمويل حملات انتخابية بعيدًا عن المصلحة السياسية لأي منها؛
فالسياسة كما عبر عنها هارولد لاسويل تتمحور حول تساؤلات رئيسية تتمثل في: من؟ يحصل على ماذا؟ متى؟ وكيف؟
وهو ما يعني ضرورة التفكير في بدائل أفضل للعلاقات السياسية النفعية، ولربما يكون ضمن إطار الحل إيجاد وقفيات سياسية مستقلة تؤسّس وفقاً للقوانين الوطنية تتولى استلام ما تخصصه لها الحكومات إضافة إلى تبرعات رجال الأعمال والمواطنين العاديين من أجل تمويل الحملات الانتخابية للمترشحين الأقل دخلاً وفقاً لبرنامج منح أو قروض.
…
يتبع
***
علي المنتصر فرفر ـ أستاذ الإعلام في عدة جامعات ليبية
______________