خيري عمر

اتجاهات التأثير السياسي

وفي السنواتِ الأخيرة، شهدتْ الخريطة السياسية تغيّرات في نفوذِ الإسلاميين. وبينما شكّلت مجموعات السلفية الجهادية والإخوان المسلمين أهم الديناميات في مرحلة المؤتمر الوطني، ساهمتْ الانقسامات والخلافات الفكرية اللاحقة في تبعثر نفوذهم، وصارَ نمطاً من العلاقات العامة.

ومع وقف إطلاق النار في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، تضافر الإخوانوالسلفية الجهادية في تبنّي ثورة فبراير والدفاع عنها، وقد وفّرت نتائج انتخابات المؤتمر الوطني فرصةً للتحالف بين العدالة والبناء (28 مقعداً)، الجبهة الوطنية (ثلاثة مقاعد) والمستقلين في كتلة الوفاء للشهداءليتمكّنوا من اختيار رئيس الجهة التشريعية، والتصدّي لتطلع تحالف القوى الوطنيةترجمة أكثريته البرلمانية (86 مقعداً لمواقع سياسية، ليتحوّل التنافس لتكسير المؤسسات الانتقالية).

وقد استمرّ تحالف الإسلاميين حتى مراحل إعداد الاتفاق السياسي في 2015، لكنه انتهى مع الخلاف حول ملاءمة الاتفاق السياسي لتحقيق أهداف الثورة.

وبينما تمَسّك العدالة والبناءبإصدار الاتفاق، انصرفت حركة الإخوان وأنصار السلفية الجهادية إلى استئنافِ النضال ضدّ الثورة المضادّةوأنصار الجماهيرية.

لتبدأ مرحلة جديدة من التراجع بسبب الخلاف على الأولويات السياسية، لتنتهي بتراجع جماعي لتيار الإسلام السياسي.

في هذه الأجواء، تبنّى الحزب الديمقراطي آراء تقوم على الانفتاح على حكومة شرق ليبيا، تقليل نفوذ المجموعات المسلحة لإفساح الطريق أمام الأحزاب والتعاون مع دول الجوار.

وقد رغب تيارا العدالة والبناء والمفتي في تجنّب الصدام مع حكومة غرب ليبيا، وكان هذا واضحاً في تحميل وزيرة الخارجية السابقة، نجلاء المنقوش، مسؤولية اللقاء مع وزير إسرائيلي، والتلاقي على رفض قوانين الانتخابات وتوسيع المناقشات حولها.

كما اتجه المفتي إلى إقرار تصرّفات المكوّنات العسكرية التابعة للحكومة، تأييدِا القوّة المشتركة، من دون توضيح المعايير التي استند إليها في التمييز بينالمكوّنات الليبية، سوى إشارة إلى معيار المكوّن الوطني وعدم استنادها لعوامل خارجية، من دون سرد مؤشّرات يمكن الاستئناس إليها في تقييم مدى استقلالية المؤسّسات.

تسبّب تراجع وهج الإخوان المسلمين في حدوث انتقال نحو تيار السلفية الجهادية

على أيّة حال، تكشف اشتباكات طرابلس عن محدوديةِ تأثير أحزاب الإسلام السياسي، فيقتصر دورهم على مناشدةِ المتنفذين في الأحياء للتدخّل لوقفِ إطلاق النار واتخاذ التدابير لحماية المدنيين، فيما جاء بيان الحزب الديمقراطي أكثر تحديداً للمشكلة، عندما ربط الاشتباكات بدور القيادات الأمنية والعسكرية وتباطؤ البعثة الدولية.

وفي ظلّ تشرذم الكيانات السياسية والعسكرية، لا تبدو لقاءات مسؤولي الأحزاب مع الممثلين الأجانب ذات أهمية، فقد بدت الاجتماعات مع السفراء ومسؤولي البعثة الأممية ضمن العلاقات العامة أكثر منه الاعتراف بالدور السياسي، وتعكس أنشطة حزبي العدالة والبناء، والديمقراطي، مرور الأحزاب بحالةِ كسلٍ سياسي، ترجع إلى قلّة الحيلة أمام انشطار مؤسّسية الدولة.

في هذا السياق، تسبّب تراجع وهج الإخوان المسلمين في حدوث انتقال نحو تيار السلفية الجهادية، للقناعة بخطابه بشأن مشكلات الوضع الراهن، وتُشير بعض المظاهر إلى وجود تداخل ومشاركات في بعض الأنشطة الإعلامية.

وتنشر جمعية الإحياء مقالات للغرياني، مثل بشائر النصر تتوالىفي الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، ما يعكس وجود فقر في الرموز الدينية والسياسية، ما يجعلها أقرب إلى التداخل مع الأفكار الجهادية، ربّما يعكس هذا التقارب لطبيعة القضايا الراهنة، وخصوصاً في الحرب مع إسرائيل، لكنّه، بشكلٍ عام، يمثّل تناقصَ قدرات الجماعة الجذر الأساسي لنقص القوّة التعبيرية لدى فروع الإخوان المسلمين في بلدان أخرى.

فمن الناحية السياسية، كان تأثيرها محدوداً، حيث شغلت تسعة مقاعد من إجمالي 28 مقعداً لحزب العدالة والبناء في المؤتمر الوطني، وبجانب الانقسامات المتتالية، تُواجه الجماعة تراجعاً ظاهراً على المستويين، السياسي والاجتماعي.

وفي سياق التحليل السابق، يمكن القول إنّ دور الإسلاميين ظلّ من دون تقديم قيمة مضافة للدولة، وظلّت منشغلة بعمليات الاستبعاد البينية، ما يرجّح اقتصار دورها على إسناد أيّ كيان سياسي أو اجتماعي.

فخلال العقد الماضي، تراجع نفوذ السلفية الجهادية والعدالة والبناء في المؤسّسات لحساب الجماعات المسلحة والنخبة السياسية من خارج ثورة فبراير، فقد عملت الحكومات المتعاقبة على تحويل نفوذ الموظفين القريبين من دوائر الإخوان المسلمينلحسابها، وهذا ما ينطبق على المصرف المركزي وديوان المحاسبة، ليبقى دور الإسلاميين في مساراتٍ متوازيةٍ من دون تأثير ملموس في تجميع قدرات الدولة.

***

خيري عمر ـ استاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا، حصل على الدكتوراة والماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وعمل باحثاً في عدة مراكز بحثية. ونشر مقالات وبحوثاً عديدة عن السياسية في أفريقيا ومصر والشرق الأوسط .

________________

مقالات مشابهة