روبرت أوهانلون، وحسن الرايس، ومحمد جويلي
مقدمة
تعمل الرؤى الوطنية على توجيه الدول نحو تحقيق التحول المنهجي والازدهار الاقتصادي. وقد أثبتت هذه الرؤى فاعليتها في قيادة التنمية طويلة الأمد على الصعيدين العالمي والإقليمي، لا سيما في البلدان التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية أو تلك التي تواجه تحديات هيكلية كبيرة.
عانى الاقتصاد الليبي من تقلبات كبيرة بسبب الاعتماد الكبير على عائدات النفط وعدم الاستقرار السياسي الذي أعاق مسار نموه. وعلى الرغم من هذه العقبات، تتميز ليبيا بكونها غنية بالإمكانيات الاقتصادية والموارد الأساسية التي يمكن أن تحفز التعافي الاقتصادي وتعزز النمو المستدام إذا ما تم استغلالها بالشكل المناسب.
يهدف هذا المستند إلى تشخيص الوضع الاقتصادي في ليبيا وإيضاح التحديات الراهنة وفرص النمو الكامنة في السوق الليبي. وسيتم التركيز من خلاله على الدور المحتمل الذي تقوم به الرؤية الوطنية الشاملة وإبراز دور هذه المبادرة الاستراتيجية كمبدأ توجيهي.
يمكن إعادة تنشيط القطاعات الاقتصادية الليبية من خلال وضع خطة واضحة ومتماسكة وشاملة، حيث يمكن للخطة أن تشمل أعمالا تدعم التنوع الاقتصادي وتضع أولويات ملموسة وقابلة للتحقيق خلال العقود القادمة.
يعتمد اقتصاد دولة ليبيا بشكل أساسي على احتياطيات النفط، وقد شهد هذا الاقتصاد تقلبات كبيرة نتيجة العوامل المحلية من جهة، والاضطرابات السياسية المتكررة من جهة أخرى.
أدى اكتشاف النفط في أواخر الخمسينات من القرن الماضي إلى تحول ليبيا إلى دولة غنية بموارد الطاقة، وقد أدى هذا التحول إلى إعتماد الدولة على الموارد النفطية بشكل يجعلها عرضة لمخاطر التقلبات السوقية والتأثيرات الجيوسياسية.
ويظهر هذا الاعتماد بشكل واضح عند مقارنة ليبيا بالدول المجاورة التي اقتصاديا تتبنى نهجا اقتصاديا أكثر تنوعا ً، حيث نجحت هذه الدول في تحقيق تقدم ملحوظ في العديد من القطاعات مثل السياحة والخدمات المصرفية والتكنولوجيا على الرغم من وفرة الموارد الهيدروكربونية المشابهة.
يعتمد الاقتصاد في ليبيا على إنتاج النفط والغاز والاستقرار السياسي المحلي على المدى القصير والمتوسط. وعند مقارنة ليبيا بالدول الأخرى المماثلة، نلاحظ أن ليبيا لم تشهد النمو والتنوع الاقتصادي بالشكل الذي شهدته الدول المشابهة. بدلا من ذلك، شهد الناتج المحلي الإجمالي الليبي تقلبات عديدة
ويبقى قطاع النفط والغاز هو المحرك الرئيسي للاقتصاد، بشكل يطغى على القطاعات النامية المحتملة الأخرى مثل الزراعة والسياحة وقطاع النقل والخدمات اللوجستية.
وقد أعاق هذا التركيز على قطاع النفط والغاز المرونة وقابلية التكيّف، مما حال دون استقرار الاقتصاد أو الاستفادة من القدرات المحلية الأخرى خلال التحولات الاقتصادية العالمية.
من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8% تقريبا في عام 2024.
ويعزى هذا الارتفاع إلى زيادة إنتاج النفط، والذي من المتوقع أن يصل إلى 1.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2026، ولكن يعتمد هذا التوقع على الاستقرار السياسي بشكل كبير.
وبالمقابل، ازدهرت دول أخرى مثل سنغافورة رغم قلة مواردها الطبيعية بالمقارنة مع ليبيا من خالل التنويع الاستراتيجي لالقتصاد، مما يلقي الضوء على أهمية تطوير رأس المال البشري والتكنولوجيا. ولا تزال قدرات ليبيا في مختلف القطاعات غير النفطية غير مستغلة إلى حد كبير .
أثر تصنيف ليبيا المتدني في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية وحالة مرافق البنية التحتية فيها بشكل كبير على تنويع الاقتصاد والإستثمار الأجنبي. تتخلف ليبيا عن الدول المجاورة بسبب العقبات البيروقراطية والأطر التنظيمية المعقدة والمخاوف المتعلقة بعدم الاستقرار السياسي، حيث تعمل هذه العقبات على تقييد بيئة الأعمال.
ويتجلى هذا السيناريو بوضوح في مؤشرات الأداء اللوجستي العالمية، حيث احتلت ليبيا أدنى مرتبة على مستوى العالم.
تؤدي هذه العوامل إلى ردع الاستثمار الأجنبي وإعاقة نمو القطاعات الجديدة، حيث إن الاجراءات البيروقراطية المعقدة والتحديات التشغيلية لا تحفز رواد الاعمال المحليين والمستثمرين الأجانب.
تعد جودة البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية مثل المطارات والمرافق البحرية وشبكات الطرق أمرا بالغ الأهمية لتنويع الاقتصاد وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
تضررت البنية التحتية في ليبيا بسبب الصراعات السياسية التي استمرت لسنوات، مما أدى إلى تخلفها بسبب قلة جهود التحديث والتوسيع.
وفي المقابل، ركزت الدول المجاورة على الاستثمار في هذه المجالات، وهو الأمر الذي ساعدها على تقديم حلولا لوجستية متقدمة وإنشاء بنى تحتية قوية، مما أدى إلى تعزيز قدارتها الاقتصادية على الصعيد العالمي
ومن الناحية الإيجابية، فإن المشهد الاقتصادي الليبي جاهز للتطور، حيث تتمتع ليبيا بهيكل مالي فريد يتسم بقدر منخفض من الديون الخارجية واحتياطيات مالية كبيرة تتولد من عائدات النفط بشكل أساسي.
تعزز هذه الحالة المالية الجيدة من قدرة ليبيا على القيام باستثمارات استراتيجية ودعم التنوع الاقتصادي. كما تساعد هذه المرونة الاقتصادية على استثمار الأموال بشكل مباشر في مشاريع تحسين البنية التحتية والتقدم التكنولوجي والاستثمارات المجتمعية المهمة، وهو أمر أساسي لتحقيق التنمية المستدامة.
يتميز المجتمع الليبي بكونه مجتمعا شابا مما يمنح ليبيا فرصة للتميز في القارة الأفريقية التي تحظى باهتمام عالمي وأهمية اقتصادية كبيرة. فمن الممكن تحفيز الإنتاجية والابتكار في ليبيا من خلال الاستثمار في رأس المال البشري، وخصوصا في التعليم والتدريب المهني.ليبيا.. خطوط السياسة والسيادة
ويعد هذا أمرا ذا أهمية استراتيجية لتحقيق خطط إعادة تنظيم سلاسل الإمداد العالمية، حيث يتطلع العالم إلى بدائل لمراكز التصنيع التقليدية والمراكز اللوجستية.
يمثل قطاع الطاقة في ليبيا فرصة ذهبية لتنويع اقتصادها، حيث يلزم تشجيع الاستثمار في النمو الاقتصادي عبر القطاعات المختلفة بعيدا عن قطاع الغاز والنفط.
تستطيع ليبيا إثبات وجودها في شبكات الإنتاج في أفريقيا من خلال استغلال عوامل القوى هذه المتمثلة في تركيبتها السكانية المميزة وموقعها الاستراتيجي وموارد الطاقة فيها.
يمكن لليبيا أن تلعب دورا أقتصايا مهما في شمال أفريقيا ومنطقة الشرق األوسط من خلال اتباع استراتيجية حكيمة وناجحة.
تتمتع دولة ليبيا بمزايا فريدة تمكنها من إعادة تنشيط نموها الاقتصادي بشكل أسرع
…
يتبع
***
روبرت أوهانلون ـ شريك ورئيس خدمات الجودة والمخاطر والأمن مع ديلويت الشرق الأوسط، ويتولى مسؤولية الإشراف على العمليات في ليبيا، حيث يضمن تقديم خدمات متميزة ونتائج مثمرة لجميع الزبائن في المنطقة.
حسن الرايس ـ يقوم حسن بإدارة العمليات في ليبيا ويتعاون مع مجموعة متنوعة من الزبائن، بما في ذلك صناديق الثروة السيادية وشركات الخدمات المالية وشركات النفط والغاز والمؤسسات العامة لدعمهم في تحقيق أهدافهم الاستراتيجية.
محمد جويلي ـ مدير تنفيذي مساعد | خدمات االستراتيجية والمعامالت | ديلويت الشرق األوسط ـ يمثل محمد عنصرا مهما في فريق السوق الليبي، حيث يتخصص في تطوير مهام الإستراتيجيات وتنفيذها. يتركز عمله بشكل رئيسي على المؤسسات العامة وصناديق الثروة السيادية وزبائن الخدمات المالية.
________________
المصدر: تحليل ديلويت آند توش الشرق الأوسط .. ترجمة الطموح إلى واقع